Saturday, August 29, 2015

الأحكامُ المسبقة، وتمزيق المجتمع // محمود سهلان






في لقاءٍ سريعٍ مع أحد الأخوة، تبادلنا أطراف الحديث، وانطلقنا في الكلام حول الدّراسة في الحوزات العلميّة، إذ عرَف حديثًا أنّني طالب علوم دينية بإحدى الحوزات المباركة في البلاد، وكان الحديث غالبًا حول هموم الطّلاب ومعاناتهم، وأسدى لي بعض النّصائح، وله جزيل الشكر.
إلا أنّه فاجئني بالحديث حول اختياري للانضمام للحوزة التي أنتسب إليها، ووصفها ببعض الأوصاف موجّهًا النّقد لها، وتحدّث عن بعض الحوزات الأخرى كذلك، ذامًّا لبعضها، ومادحًا للبعض الآخر، وما كان منّي إلا الردّ الهادئ بكلِّ أريحية، موضحًا الأمر له.
الموقف الذي وقفه هذا الأخ أو غيره، تجاه الحوزة أو أيّ جهةٍ أخرى، كان سلبيًّا جدًّا دونَ أيّ وجه حقّ، فالحكم على أيّ جهةٍ ينبغي أنْ يكون خاليًا من الأحكام المسبقة، أو الاتّهام العاري عن الدليل، أو توجيه الكلام المحتاج للحضور والمشاهدة عن قرب دون التّوفر على ذلك!
نعاني حقيقةً من مثل هذا النوع من إطلاق الأحكام، دون اعتبارٍ للخالق تعالى، فليس مباحًا لأيّ أحدٍ الحكم على المؤمنين هكذا دون وجهٍ معتبر، والاكتفاء بالاعتماد على أحكامٍ سابقةٍ مغلفة، أو بانتساب من نريد وصفَه أو نقدَه لجهةٍ معيّنة، أو ارتباط الجهة المقصودة بشخصٍ أو جهةٍ ما.
نحتاج لأن نكون أكثر ورعًا وتقوى في مثل هذه الأمور، فإنّ مجتمعنا يضجّ بهذا النوع من الأحكام، ولك أنْ تتخيّل كم المتاعب التي من الممكن أنْ تحقّقها مثل هذه الأحكام، فلو حملها فردٌ في صدره لكان لها الأثر، ولو نقله لشخصٍ أو شخصين اتّسع أكثر، فماذا لو تمّ تناقل مثل هذه النّظرات بكثرة، والحال هي هذه، فكم من المشاكل والأحقاد ستُخلق وتَظهر بمجتمعاتنا، وكم من التحزّبات ستنضج، وكم شبرًا ستضيف لحالات الانقسام والانشقاق فيما بين المؤمنين؟!
تعالوا لنكون موضوعيين، لا نحكم بشيءٍ حتّى نُحيط بأطرافه جيدًا، فما لم نتمكّن من تشخيص الموضوع فلنبقَ بعيدًا عن إطلاق أيّ حكم، فلا ينبغي للمؤمن أنْ يحكم على أيّ موضوع، وعلى أيّ شخصٍ أو جهة، دون أنْ يحيط بالموضوع بشكلٍ جيّد، حتّى يتمكّن من النسبة والحكم، وينبغي له أنْ يكون أكثر ورعًا عندما ينطلق للحكم على أيّ مؤمن، فإنّ حرمته ليست بالأمر الهيّن الذي يستصغره مؤمنٌ عاقلٌ..
ثمّ أنّه لو كان لك حكمًا معينًا على شخصٍ ما، أو جهةٍ ما، أو أيّ موضوع، لا يعني أنْ يظلّ الرأي كذلك مدى الحياة، فلو تغاضينا عن صحّة رأيك الأوّل من عدمها، فلا يعني ذلك أنّ الطريقَ مغلقٌ أمامك لأن تعيدَ النّظر، فالتغيير جارٍ في الكون في كلّ لحظةٍ بلا هوادة، وتغيير الآراء والأحكام ليس بمستثنى من هذه السنّة الكونيّة الواضحة، لذلك فكلّنا نحتاج لأنْ نسعى للتحقّق مرّة ومرّتين وثلاث، عندما يكون الحكم قد أطلقناه على أحدِ المؤمنين.
إذا أردنا مراعاة الحالة العامة للمجتمع المؤمن، والحفاظ عليه متماسكًا قويًا، ينبغي لنا الابتعاد عن إطلاق هذه الأحكام المقززة والمنفّرة، والبعيدة عن الموضوعية تمامًا.



١٢ ذو القعدة ١٤٣٦ هـ

No comments:

Post a Comment