هناك طريقة حديثة تُتّبَع في الكثير من أنظمة الجودة
–Quality Systems- وتستخدم في حل المشاكل التي تطرأ في المصانع فيما يتعلق
بطرق الإنتاج والمواد المنتجة .. هذه الطريقة تسمى "لماذا 5" أو كما يعبر
عنها باللغة الانجليزية 5Whys .. وهي طريقة مفيدة جداً في التوصل لأسباب
المشكلة والابتعاد عن الإجابات السطحية التي عادة لا توصلك الى السبب
الحقيقي للمشكلة التى تطرأ على المنتوجات أو ما يتعلق بالمكائن والطرق
المتبعة للإنتاج ..
الطريقة سهلة جداً وهي أن تسأل "لماذا" خمس مرات .. وليس العدد خمسة مهماً بقدر ما أن الطريقة تعتمد على السؤال عدة مرات لكي تصل للسبب الحقيقي لأي مشكلة .. هذه الطريقة ربما أخذت من سلوك الأطفال إذ أن الطفل في مراحله الأولى التي يكتشف فيها العالم يسأل كثيراً .. لماذا؟ .. وعادة ما يجيب الوالدان على سؤاله، لكنه لا يكتفي بتلك الإجابة فيواصل سؤاله مرات ومرات .. وإذا كان الوالدان طويلي البال، فإنهما يواصلان مع الطفل ويحاولان أن يجيبا على أسئلته التي تثير اهتمامه حتى يصيبها الملل أو يتحيرا في الإجابة فينهران الطفل ويأمراه بأن يصمت ..
ربما الحقيقة التي تزعجنا أن الكثير من الأسئلة التي يطرحها أطفالنا لا نجد لها إجابات مقنعة، وبالتالي نستخدم أسلوب "الباب اللي يجي منه الريح .. سده واستريح" ..
من أروع الأمثلة التي قرأتها عن هذه الطريقة لمدير مصنع تعلم للتو طريقة –5 Whys- .. فبينما هو يقوم بدورته الصباحية في المصنع إذ وجد أحد الأنابيب تسرب بعض الزيت .. وقبل أن يتسرع ويمارس طريقته القديمة في الاتصال بقسم الصيانة لإصلاح هذا الخلل، حاول أن يجرب هذه الطريقة الجديدة .. فسأل العامل القريب من الأنبوب: "لماذا هذا الأنبوب يسرب الزيت؟" .. أجابه العامل بأنه لا يعرف السبب، ولكن هذه المشكلة بدأت بالحدوث منذ عدة أشهر .. شكر المدير العامل وتوجه الى قسم الصيانة ليسأل رئيس القسم عن هذا التسريب.
رئيس المصنع: لماذا الأنبوب بالقرب من الماكينة "أ" يسرب الزيت؟
رئيس قسم الصيانة: لأن هناك حلقة وصل تسرب بعض الزيت من الأنبوب.
رئيس المصنع: ولماذا حلقة الوصل تسرب بعض الزيت؟
رئيس قسم الصيانة: لأن الكاسكيت –gasket- الموجود في حلقة الوصل قد عطب.
رئيس المصنع: ولماذا الكاسيت عطب؟
رئيس قسم الصيانة: لأن الزيت المستخدم ليس ذي جودة عالية، مما يجعل الكاسكيت يعطب في فترة قصيرة جداً. قبل عدة أشهر كنا نستخدم زيتاً أفضل جودة من هذا الزيت ولم تكن تحدث هذه المشكلة بهذه السرعة.
رئيس المصنع: ولماذا نستخدم زيتاً ليس ذي جودة عالية؟
رئيس قسم الصيانة: لا أعلم، ولكن القرار بشراء هذه النوعية من الزيت جاء من قسم المشتروات.
ذهب رئيس المصنع الى مدير قسم المشتروات ودار بينهما هذا الحديث:
رئيس المصنع: لماذا تم تغيير نوعية الزيوت المستخدمة؟
رئيس قسم المشتروات: لأن لدينا مشروع لتقليل قيمة المشتروات، والزيت الجديد أقل سعراً من الزيت القديم.
رئيس المصنع: ومَن الذي أقرّ هذا المشروع؟
رئيس قسم المشتروات: أنت.
من الملاحظ أن هذه الطريقة في السؤال للوصول الى السبب الحقيقي للمشكلة تحتاج الى أن يقوم المدير بالسؤال والفحص والانتقال من قسم لآخر للحصول على الإجابة عوضاً عن طلبه منذ البدء بإصلاح الخلل. ولم تكن المشكلة لتحل لو لم يعرف أن السبب الحقيقي لهذه المشكلة ليس الزيت الأقل قيمة أو قسم الصيانة أو قسم المشتروات، وإنما الخلل منه هو .. إذ من الواضح أن هدفه كمدير كان فقط تقليل قيمة المشتروات بدون النظر الى تبعات هذه القرار .. ربما كان يظن أنه يوفر بعض الأموال لمصنعه بطريقته هذه لكنه في الواقع يخسر أكثر لأنه لم يدرس القرار دراسة وافية ..
الطريقة ليست منحصرة في الجانب الصناعي بل نستطيع أن نستفيد منها في علاقاتنا الاجتماعية .. وهي تخدمنا في التالي:
1. أن لا نتعجل في الحكم على الأمور قبل أن نفهم ونسأل عن الأسباب الحقيقية.
2. هذه العملية تدفعنا لمعرفة الأسباب الجذرية لأي مشكلة لا الإقتصار على أسباب سطحية قد تكون صحيحة، لكنها ليست بالضرورة الأسباب الحقيقية.
3. الصبر على السؤال وجمع المعلومات كاملة من مصادرها لكي نتوصل للحكم السليم.
4. الكثير من الأمور لا يُحكم عليها بالظاهر.
عندما يسألنا أحد أطفالنا بسؤال لماذا ويكرره مراراً، فهل سننهره أم سنحاول الوصول الى إجابة على سؤاله أو على أقل الفروض أن نقول لا نعلم .. أم قول "لا أعلم" عيب! لا. ليس عيباً أن تقول لا أعلم ولكن العيب أن تظل لا تعلم مع توافر وسائل التعلّم.
ز. كاظم
11/21/2013
الطريقة سهلة جداً وهي أن تسأل "لماذا" خمس مرات .. وليس العدد خمسة مهماً بقدر ما أن الطريقة تعتمد على السؤال عدة مرات لكي تصل للسبب الحقيقي لأي مشكلة .. هذه الطريقة ربما أخذت من سلوك الأطفال إذ أن الطفل في مراحله الأولى التي يكتشف فيها العالم يسأل كثيراً .. لماذا؟ .. وعادة ما يجيب الوالدان على سؤاله، لكنه لا يكتفي بتلك الإجابة فيواصل سؤاله مرات ومرات .. وإذا كان الوالدان طويلي البال، فإنهما يواصلان مع الطفل ويحاولان أن يجيبا على أسئلته التي تثير اهتمامه حتى يصيبها الملل أو يتحيرا في الإجابة فينهران الطفل ويأمراه بأن يصمت ..
ربما الحقيقة التي تزعجنا أن الكثير من الأسئلة التي يطرحها أطفالنا لا نجد لها إجابات مقنعة، وبالتالي نستخدم أسلوب "الباب اللي يجي منه الريح .. سده واستريح" ..
من أروع الأمثلة التي قرأتها عن هذه الطريقة لمدير مصنع تعلم للتو طريقة –5 Whys- .. فبينما هو يقوم بدورته الصباحية في المصنع إذ وجد أحد الأنابيب تسرب بعض الزيت .. وقبل أن يتسرع ويمارس طريقته القديمة في الاتصال بقسم الصيانة لإصلاح هذا الخلل، حاول أن يجرب هذه الطريقة الجديدة .. فسأل العامل القريب من الأنبوب: "لماذا هذا الأنبوب يسرب الزيت؟" .. أجابه العامل بأنه لا يعرف السبب، ولكن هذه المشكلة بدأت بالحدوث منذ عدة أشهر .. شكر المدير العامل وتوجه الى قسم الصيانة ليسأل رئيس القسم عن هذا التسريب.
رئيس المصنع: لماذا الأنبوب بالقرب من الماكينة "أ" يسرب الزيت؟
رئيس قسم الصيانة: لأن هناك حلقة وصل تسرب بعض الزيت من الأنبوب.
رئيس المصنع: ولماذا حلقة الوصل تسرب بعض الزيت؟
رئيس قسم الصيانة: لأن الكاسكيت –gasket- الموجود في حلقة الوصل قد عطب.
رئيس المصنع: ولماذا الكاسيت عطب؟
رئيس قسم الصيانة: لأن الزيت المستخدم ليس ذي جودة عالية، مما يجعل الكاسكيت يعطب في فترة قصيرة جداً. قبل عدة أشهر كنا نستخدم زيتاً أفضل جودة من هذا الزيت ولم تكن تحدث هذه المشكلة بهذه السرعة.
رئيس المصنع: ولماذا نستخدم زيتاً ليس ذي جودة عالية؟
رئيس قسم الصيانة: لا أعلم، ولكن القرار بشراء هذه النوعية من الزيت جاء من قسم المشتروات.
ذهب رئيس المصنع الى مدير قسم المشتروات ودار بينهما هذا الحديث:
رئيس المصنع: لماذا تم تغيير نوعية الزيوت المستخدمة؟
رئيس قسم المشتروات: لأن لدينا مشروع لتقليل قيمة المشتروات، والزيت الجديد أقل سعراً من الزيت القديم.
رئيس المصنع: ومَن الذي أقرّ هذا المشروع؟
رئيس قسم المشتروات: أنت.
من الملاحظ أن هذه الطريقة في السؤال للوصول الى السبب الحقيقي للمشكلة تحتاج الى أن يقوم المدير بالسؤال والفحص والانتقال من قسم لآخر للحصول على الإجابة عوضاً عن طلبه منذ البدء بإصلاح الخلل. ولم تكن المشكلة لتحل لو لم يعرف أن السبب الحقيقي لهذه المشكلة ليس الزيت الأقل قيمة أو قسم الصيانة أو قسم المشتروات، وإنما الخلل منه هو .. إذ من الواضح أن هدفه كمدير كان فقط تقليل قيمة المشتروات بدون النظر الى تبعات هذه القرار .. ربما كان يظن أنه يوفر بعض الأموال لمصنعه بطريقته هذه لكنه في الواقع يخسر أكثر لأنه لم يدرس القرار دراسة وافية ..
الطريقة ليست منحصرة في الجانب الصناعي بل نستطيع أن نستفيد منها في علاقاتنا الاجتماعية .. وهي تخدمنا في التالي:
1. أن لا نتعجل في الحكم على الأمور قبل أن نفهم ونسأل عن الأسباب الحقيقية.
2. هذه العملية تدفعنا لمعرفة الأسباب الجذرية لأي مشكلة لا الإقتصار على أسباب سطحية قد تكون صحيحة، لكنها ليست بالضرورة الأسباب الحقيقية.
3. الصبر على السؤال وجمع المعلومات كاملة من مصادرها لكي نتوصل للحكم السليم.
4. الكثير من الأمور لا يُحكم عليها بالظاهر.
عندما يسألنا أحد أطفالنا بسؤال لماذا ويكرره مراراً، فهل سننهره أم سنحاول الوصول الى إجابة على سؤاله أو على أقل الفروض أن نقول لا نعلم .. أم قول "لا أعلم" عيب! لا. ليس عيباً أن تقول لا أعلم ولكن العيب أن تظل لا تعلم مع توافر وسائل التعلّم.
ز. كاظم
11/21/2013
No comments:
Post a Comment