Wednesday, November 27, 2013

بين اللقاء والارتقاء

 

يقولون دائمًا أن (الجدِّية) شرط لنجاح (الحوارات)، وبالتالي فإنك إن لم تكن جادًّا فمحاورتك غير مجدية..

هذه المقولة جميلة في صورتها، زاهية في شكلها، إلا أنها لا تؤسس إلى منطلق ثقافي مفهوم؛ فـ(الجدِّية) ليست مما يلتقطه الإنسان من هنا أو يظفر به من هناك، ولكنها حالة قائمة بالفعل في وجدان الشخصية المنفتحة المريدة للخير والمتطلعة للارتقاء، وإن انتفت من الوجدان فإنها لن توجد إلا بتغيير في النفس، وتغيير النفس مشروط للوقوف على الأخطاء والدخول في مصارحة حقيقية مع الذات.

عندما نسعي للارتقاء فنطلب اللقاء بيننا، ونطلبه مع الآخر فهو متحقق لا محالة مع الفرض الذي من المفترض أن يكون طبيعيًا، وهو التوفر على الاستعداد التام للانتقال والتحرك على مستويي القناعات والأفكار، وبمجرد أن يفشل اللقاء فإن الارتقاء في الغالب يفشل، وينكشف تخلف طرف أو أكثر عن فرض الاستعداد للتعاطي الإيجابي مع مختلف الأفكار، وهنا لا أقصد على الإطلاق أن الارتقاء رهين الاتفاق، ولكنه حتمًا رهين التفاهم وسعة الصدر لاستيعاب الآخر.

فلندقق قليلًا..

يقول تعالى لرسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله): (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، ولا يعني سبحانه بقوله (وَلَن تَرْضَى) أنهم لن يدخلوا في دعوة الإسلام، ولكنهم لن يسالموا أصلًا..

ينفي المولى تبارك ذكره حتى هذا المستوى من (الرضى) نفيًا مؤبدًا، والسبب هو انعدام الاستعداد عندهم للدخول في تفاهمات صادقة من الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ولو في أدنى المستويات، وإن دخلوا فهم أقرب إلى النكوص والانقلاب، وهذه الحالة لا تقتصر على اليهود والنصارى فقط، ولكنها عامة في كل من يعيش مرض التفرد ويرفض التكامل مع الاخر.

في لقاءاتنا.. لا نفرض رأيًا ولا نجبر أحدًا على شيء..

في لقاءاتنا.. نريد أن نسمع لنتعلم، ونتمنى أن نُسمَع لنتعلم أيضًا..

في لقاءاتنا.. نتحمل مسؤولية الكلمة..

في لقاءاتنا.. نريد الخير لثقافة المجتمع.. لفكره.. للعطاء العلمي فيه..

في لقاءاتنا.. لا دعوة إلى تيار.. لا تعصب إلى أسماء.. لا صنمية.. لا جمود.. لا (وثنية)..

في لقاءاتنا.. نحن مع الثوابت.. وندافع عن القناعات.. ونبلور الأفكار..


لا غنى عن اللقاء الحقيقي من أجل ارتقاء حقيقي..


محمد علي العلوي
11/27/2013

No comments:

Post a Comment