Friday, May 23, 2014

ضرورة مراجعة الأفكار

طلب مني تكوين طاقم للنظر في انخفاض معدل الجودة لأحد المنتجات الصناعية.. تكوّن الطاقم من مهندس مخضرم وسوبرفايزر ومدير المصنع وأنا.. كنا نجتمع يومياً واستمرت الإجتماعات لعدة أشهر نظراً لصعوبة الوصول إلى الأسباب الرئيسية التي ساهمت في انخفاض معدل الجودة بعد أن كانت لسنوات فوق المعدل المطلوب. كانت الإجتماعات ساخنة جداً خصوصاً بيني وبين المهندس، فالمهندس عمل في مهنته هذه لأكثر من أربعين عام، وهو مهندس فاهم وذكي ومطلع جداً على دقائق الأمور فيما يتعلق بالتصنيع لتلك المنتجات. وكان ولا يزال -على الرغم من كبر سنه إذ قارب عمره السبعين- عالي الهمة، نشيطاً، مثابراً، لا يكاد يهمد طوال يومه العملي، فهو يتجاوز همة ونشاط أي شاب في العشرين من عمره. وهو نظراً لخبرته الطويلة ومعرفته الدقيقة صلب الفكرة وقوي الحجة، إضافة إلى ذلك كان لا يجامل وحاد المزاج قليلاً. كانت الحدة في الإجتماعات بيني وبينه بسبب أنني حاولت -ربما من وجهة نظره في بداية الأمر- أن أهز ما كان يعتقده من مسلمات في مجاله الهندسي لأكثر من أربعة عقود معتمداً على أمرين علميين: دقة التوثيق وعلم الإحصاء، وقد كانا جديرين بأن يحسما بعد عدة تجارب الخلاف بيني وبينه، فالمعلومات العلمية ونتائج التجارب كانت هي الفيصل.

وقد مرّ المهندس بعدة مراحل خلال عدة الأشهر التي عملنا فيها على هذا المشروع وهي:

1) العناد، إذ كان معارضاً تقريباً لمعظم التجارب التي أردنا القيام بها،

2) الصمت والتسليم، وهي مرحلة عدم النقاش والقبول بعمل تجارب كانت بحسب وجهة نظره تافهة لن تجدي نفعاً ولكنه سلّم بأن يقوم بها فقط لإن إرادة الطاقم أكبر من محاولاته إقناعه،

3) الشك، وهي مرحلة حقيقية صارحني بها في حينها وبعد ذلك مرات عديدة،

4) الإقتناع، وهي مرحلة حسمت فيها دقة وقوة التوثيق ونتائج التجارب الأسباب التي ساهمت في انخفاض معدل الجودة.
 
ما يهمني من هذا المثال عدة أمور أطرحها كالتالي:

1) من الضروري جداً مراجعة أفكارنا مراجعة دورية وتقويتها وتطويرها، فكم من الأفكار نكتشف بعد سنين من اعتناقها بأنها أفكار غير سليمة وخاطئة.

2) عدم الخوف من مراجعة أفكارنا ومعتقداتنا، وضرورة العمل على تحصيل العلم دعماً أو دحضاً لتلك الأفكار.

3) ليس من العيب أن نكتشف خطئاً ما في أفكارنا ولكن العيب كل العيب أن نغلق عقولنا عن التفكير حتى في مناقشة ومراجعة تلك الأفكار إما خوفاً أو غروراً.

4) ضرورة تقبل الإنسان وتعويد نفسه على التغيير عند اكتشاف الخلل في بعض أفكاره وقناعاته واعتماد الأفكار الصحيحة.

5) ضرورة اعتماد منهج علمي منضبط في مراجعة الأفكار والقناعات، فليس الهدف من المراجعة التشكيك، بل الهدف الكشف عن حقيقة الأفكار، وهي عملية تحتاج أن تكون منضبطة، فالشك الدائم له آثار سلبية في البناء الفكري والسلوكي للإنسان.
 
لا يوجد حصر في عملية المراجعة، فهي قد تكون في الأفكار أو السلوكيات، أو العادات والتقاليد أو غيرها. وهي كذلك غير مختصة في المجال العملي، بل تشمل المجال التربوي، والإجتماعي، والإقتصادي، والسياسي، وغيره. 

فيما يتعلق بالمراجعة مع النفس، فالمطلوب هو التجرد والموضوعية والتفكير المستمر وكذلك تهيئة النفس على التغيير إذا ما استلزم ذلك بناءاً على عملية المراجعة. أما فيما يتعلق بالمراجعة مع الآخر، نقاشاً كان أم عملاً، فهناك عدة أمور من الجيد أن نلتفت إليها: 
 
1) سعة الصدر، فمسألة مراجعة القناعات والأفكار ليست بالعملية السهلة التي بمجرد أن نطرح ما نعتقده صحيحاً، فإن المطلوب من الآخر الإذعان والتسليم.. لا.. ذلك لأن عملية تغيير القناعات والأفكار تحتاج إلى وقت وجهد، فقد تكون الفكرة قد وصلت واضحة، لكنها تحتاج إلى هضم وقبول نفسي. 
 
2) التواضع، فالهدف ليس إحراج الآخر أو محاولة فرض الأفكار والقناعات التي نراها سليمة من وجهة نظرنا، وربما للآخر وجهة نظر مخالفة، بل الهدف هو المراجعة لأفكارنا وأفكاره، قناعاته وقناعاتنا. والتواضع من شأنه أن يسهل عملية التفاهم والحوار والعمل.
 
3) الحزم في المراجعة، فليس المطلوب أن يكون الإنسان مسلّماً لما يقوله الآخر تبعاً لأسلوبه، وهذه عملية للأسف مؤثرة جداً علينا كبشر، إذ أن أسلوب الآخر له أبلغ الأثر في قبولنا أو رفضنا للأفكار والقناعات، فقد نعتنق فكرة خاطئة لمجرد أن قائلها استخدم أسلوباً راقياً في إيصال الفكرة، وقد نرفض فكرة صحيحة لأن صاحبها لم يستخدم إسلوباً جيداً في إيصال فكرته. وهذا خلل يحتاج منا إلى انتباه والتفات، فأسلوب الآخر مجرد مساحة لإيصال الفكرة وليس للاعتقاد أو الإلتزام بها. 

ز.كاظم
23 مايو 2014

مطبات تاريخية

للتوزان دور كبير في هذه الحياة، فبدونه تتساقط الأشياء وتتهاوى. والإنسان المتوازن دائماً يكون قادراً على اتخاذ القرارات الصعبة والمفصلية، عكس الإنسان المتعثر الذي لا يقّومه حتى ناطحات السحاب. إنساننا الأول مميزاته كثيرة لأن طريقه الإعتدال، ويتخذ من التوازن طريقاً للتعامل مع الأشياء، فلا إفراط ولا تفريط فهو إنسان ممكن أن يؤمن جانبه، فلا يغدر ولا يفجر، ومؤمن عند الغضب، ويشمله الوقار عند الهزائز، ويكون عالماً بزمانه فلا تهجم عليه اللوابس.

التوازن ليس في الأمور المادية وحسب فهناك توازن أكبر وأهم ألا وهو التوازن الفكري، فطالما كانت هناك أجسام بلا عقول، وهناك عقول بأجسام نحيلة لا تصمد أمام الصراع المادي ولكنها قسورة في حروب الفكر والعقيدة، وهناك نوع آخر من العقول وهي التي لديها العقل والجسم ولكن بلا ورع ولا تقوى ويمكن أن تسقط وتهوي في مطبات العقيدة. والتاريخ مليء بالأمثلة والشواهد التي تؤكد على أن الإنسان إذا استحوذ الشيطان على تفكيره فإنه يكّبل عقله بسلاسل المال والسلطة والجاه والعيال، فيصبح في غشوة من ذلك فلا يعد يبصر طريقاً إلا طريق الملذات المهلكة.

والسؤال هو ما الذي جعل من عالم جهبذ مثل بلعم بن باعورا أن يسقط في شرك الشيطان ليتلاعب بمصيره وكأن العلم الذي حصل عليه بتعب السنين قد ذهب هباء منثورا قال تعالى {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}. ولا ننسى ذلك القاضي الذي مضى عمره في القضاء بين الناس بالعدل وعندما محّص بالبلاء أفتى بقتل الإمام الحسين عليه السلام، وكانت نهايته مزبلة التاريخ لأن الحسين عليه السلام ميزان الحق والطريق المستقيم، فمن ضل الطريق غرق وهوى. ومنهم من خاط لنفسه وفصّل الدين على مقاسه وادعى العلم فراح يسّعر آيات الله لمن يدفع أكثر فقال أن قوله تعالى {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} إنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام وإن قوله تعالى { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} نزلت في ابن ملجم أشقى مراد!؟

لا يكمن الخطر في ضلال هؤلاء المحسوبين على التاريخ وإنما الخطر وكل الخطر على من يتبع خطواتهم الهدامة والذي يصدق قلب الحقائق وتزييف الواقع ويصفق له. والباحث في التاريخ لا يأمن الوقوع في مطباته الكثيرة فالإحتمال قائم إلا من كانت له قاعدة قوية يرتكز عليها. فمهما كثرت المطبات التاريخية فإنها لا تؤثر عليه وسيصل مهما تعددت الصعاب. وتاريخنا تكثر فيه الأشواك ويحتاج لرحّالة ماهر يعبر بمهارة فائقة كل عوائقه ومطباته، وليجد في نهاية رحلته أن معظم التاريخ قد كتب تحت ظروف تاريخية ضاغطة، وأن ما تبقى لنا يكفي لأن يمحي كل الريب المتراكم عبر السنين لأن الله سبحانه وتعالى يقول {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}.

محمد يوسف العرادي
23 مايو 2014

بين العلم والعمل


منذ أن يولد الإنسان هو في حركة دائمة لتحصيل العلوم، فيتنقل بين مراحل العلم ودرجاتها، فبحواسه يكون قسما، وبعواطفه قسما، وبعقله قسما آخر من العلم، وهكذا.

إلا أن الأهم من ذلك هو استثمار هذه العلوم والعمل بها، فلو كنت متخصصا في مجال التغذية مثلا، لكنك لا تلتزم بهذا العلم فلا فائدة من علمك، ولو كنت عالم أخلاق، ولم تلتزم بتطبيق هذا العلم فلا فائدة هنا أيضا، فالعلم شيء والعمل به شيء آخر، والمسافة بعيدة جدا بين العالم العامل، والعالم بلا عمل.

نقول بأن كل حركة تحتاج إلى معرفة، وهذا يعني أننا نحتاج أن نتعلم، ونحتاج أن نخطط، ونحتاج أن نتدبر النتائج بشكل علمي قبل الإقدام على أي عمل، ولا إشكال في ذلك، إنما الإشكال في أن نتعلم ولا نعمل بما تعلمناه، وأن نخطط ولا ننفذ، فإن هذا العلم حينها يكون وبالا علينا، ولا خير فيه، بل إننا سنحاسب حساب العالم، ونحن نعمل عمل الجاهل.

كذلك العمل بلا علم يضر ولا ينفع على الأغلب، فالعمل مع الجهل قد يؤذينا كأفراد، وقد يؤذي المجتمع، وقد يؤذي أمة بأكملها، والشواهد على ذلك كثيرة لو تتبعناها، فبكل بساطة من يجهل خطر الكهرباء بلمسة منه على أي سلك قد ينهي حياته.

إذا المطلوب منا هو التعلم ثم العمل، فإن العلم بلا عمل لا طائل منه، والعمل بلا علم مهلك للفرد وللمجتمع، أما العمل على أساس العلم فهو الذي يرتقي بنا أفرادا وجماعات، وهو الذي يبني الأمم والحضارات.

همسة: إذا لم تعمل بما تعمل فإنه لا يبقى، فهذا العلم الذي اكتسبته يزكو بالعمل، وإلا فإنه يرحل، وقد ورد عن أمير المؤمنين علي  (ع): " الْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ وَالْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلاَّ ارْتَحَلَ".

محمود سهلان
22 مايو 2014

فِي ظَرْفِ عَشْر

سوف يقال بعد عشر سنين: قيل قبل عشرٍ. (نقطة نهاية لبداية).

قد لا يتصور البعض، وربما الكثير مِن بني البشر دور وخطر السياسة الإعلامية في منظومة الرؤية والعمل السياسي العالمي، وقد تُرْفَضُ فكرة البرمجة الثقافية التي يخضع لها الإنسان تحت قوة الآلة التثقيفية العظمى.. ومنشأ هذا الرفض السخرية والاستهزاء بنظرية (المؤامرة)، وفي تصوري أن هذا التسويق لرفض نظرية المؤامرة هو في واقعه جزء من نفس المؤامرة، كما والنظر إلى نفس هذه النظرة على أنها (فوبيا) هو أيضًا مما يقع على خط المؤامرة!!

نعم، قد لا يروق للبعض تسميتها بـ(المؤامرة)، وهذا حق نفساني لا أتدخل فيه، ولهم أن يطلقوا على التنظيم السياسي العالمي أي عنوان يعجبهم، ولكن بشرط أن يكون دالًا على حقيقة الحالة بلا تسامح أو تخفيف..

فلننتبه جيدًا..

أي تغيير سياسي فهو في حاجة أولًا إلى تحقيق تناسق معين في ثقافة المجتمع، وهذا التناسق يتطلب الكثير من الدراسة في مجالات وعلى مستويات مختلفة، يعقبها وضع الخطوط العامة للرؤية، ثم جمع مخططات التنفيذ ودراستها وتمحيصها، لينتهي الأمر إلى انتخاب الخطة الأم وبمعيتها خطط بديلة لكل موقف محتمل.. وهكذا يشتغل التنظير مقدمة أصيلة للعمل..

عندما نتابع القنوات الفضائية (...) فإننا نقف على استشراف تحول ثقافي جوهري خلال العقد القادم، ونفهم ذلك جيدًا بمجرد أن ننتقل بالذاكرة إلى ذاك الزمن الذي كانت فيها قنوات نفس الدولة (...) تترجم (الخمرة) بـ(العصير)، ولا تسمح بظهور المرأة على الشاشة وإن التحفت بالسواد من قمة رأسها إلى أخمص قدميها..

تلك مرحلة أعقبتها أخرى حينما بدأوا بإظهار المرأة من دولتهم في مسلسلات تلفزيونية من إنتاج دولة أخرى (..)، وشيئًا فشيئًا وبعد أن استوعب الشارع (الصدمة) الأولى، وبعد تحولها إلى حالة طبيعية لا تَرِدُ عليها إنكارات أو امتعاضات، أدخلوا المرأة في مسلسلات محلية تميزت بقوة الطرح السياسي والإجتماعي وفي قوالب كوميدية طغت على ما لم يكن معتادًا، بل وكان مرفوضًا جدًا، فأصبح عاديًا طبيعيًا!

ثم جاء المنعطف بانسيابية عجيبة، فقد تقدم (أغنياؤهم) ففتحوا باقات من القنوات الفضائية التي جذبت الصغار والكبار، وفيها المرأة من الجنسية نفسها (...) بكامل زينتها من تسريحة الشعر إلى المكياج انتهاءً بالأزياء التي تُعتَبَرُ في النظر الثقافي (راقية)، ومن الجميل المريح المفرح ما يشاهده الناس من مزاح ومظارفة بين المذيعة و(زميلها)، ثم أن القناة تنظم رحلة سفرٍ إلى أوربا (ترفيهًا) للموظفين والموظفات (الزملاء) ومن مختلف الجنسيات ومنها جنسية (عصير الخمر)، وهناك يركبون الخيل سوية ويذهبون في رحلات بحرية وبرية مع بعضهم البعض، وتصور الرحلة كاملة وتعرض كبرنامج (ممتع) على نفس القناة، وأما مذيعات نفس الدولة فيتحدثن بلهجتهن (...)، وفي ذلك رسالة. فتأمل.

وفي حلقة (تثقيفية) على نفس القناة ذات الجنسية (...) تشتغل المسلسلات التركية (الطويلة) على الترسيخ لثقافة العلاقة (المؤدبة) بين الجنسين، فالأب يعزم في بيته (صديق) ابنته، ويسمح لها بالسفر معه (سفرة داخلية)، بل ويحثهما على القراءة والثقافة وأن يخلصا لبعضهما البعض، ومن بعد ذلك تتزوج البنت من شخص آخر، وربما رجعت لحبيبها الأول عند الضيق والمشاكل، وقد تتفاهم على الطلاق من زوجها لأنها اكتشفت أن الأول لا يزال يسكن قلبها.. والزوج يتفهم ويبارك ويطلب منها أن تبقى مع عشيقها ولا تستعجل الطلاق، فلربما بدا لها أمر!!

عندما أتابع مثل هذه المسلسلات فلا علاقة للأمر بالقصة أو الانشداد، ولكن الذي أريده هو أن أفهم ما يدور حولي وماذا يخطط (الكبار) لأمثالنا من (الصغار)، فقناعتي أن الآلة الإعلامية تمثل البروز الدلالي الأظهر لما يريده رؤساء ومديرو العالم..

هذه البرامج والمسلسلات والأفلام ومعها الفعاليات الدينية المفصلة على مقاس معين مدروس جيدًا، تشكل تيارًا ثقافيًا لن –وأقولها بضرس قاطع لن- نتمكن من مقاومته، والذي أتوقعه قويًا أن المجتمع سوف يتحرك تلقائيًا في اتجاه تسويغ (المستقبل) وتشكيل (الدين) على نسقه!!

أفهم جيدًا بأن البعض يستبعد هذا الطرح، بل يراه مستحيلًا، فنحن نمتلك المساجد والمآتم الحسينية والتجمعات الدينية المستمرة، مما يصعب على مثل هذه الثقافات أمر اختراقنا..

أقول: قارنوا بين مسجد الأمس ومسجد اليوم.. بين مأتم الأمس ومأتم اليوم.. بين مواكب العزاء بالأمس ومواكب عزاء اليوم..

هؤلاء لا يغيرون بشكل مباشر، ولكنهم يمتلكون أدمغة قادرة على التخطيط بدقة فائقة وعلى المدى الطويل دون ملل ولا استعجال، وما لم ننتبه ونعي ونفهم ثم ندرس ونخطط وننفذ مع صدور واسعة ونفس طويل، فإن المآل إلى ما لا يريد الكثيرون تصوره اليوم، ولكنهم عمَّا قريب سوف يدعمونه وربما شرعنوا قيامه ووجوده.. وهذا لا أتصوره في أكثر من عشر سنوات قادمة، فقد قرر (الكبار) أن ذاك انقضى، والزمن القادم قد قُرِّرَ شَكْلُهُ بعد الحرب العالمية الثانية..

أما نحن فلا زلنا نتوقع ضربة أمريكية لسوريا!!

محمد علي العلوي
19 مايو 2014

مازِلتُ أبحثُ

مازِلتُ أبحثُ في الزقاقِ المُنهَكَة
بينَ الزَّوايا عن بقايا المعركَـــــة

بعضِي هناكَ تناثرَت دمْعاتُــهُ
وجعًا، وبعضٌ آن لي أن أدركَه

أنا مِن حُطامِ الموتِ جِئتُ مُهروِلًا
أزِنُ الهُدوءَ، بدهشةٍ، وبِفذلكَة

يادهشتي..  قلبي .. أراهُ مُتَرَّبًا
لمْ أدرِ عَن جسدِ الدِّما من فكَّكَه

أحتارُ ما بَيني، وبينِي كلَّما
أملٌ يلوحُ، أتيهُ حتَّى أسلُكَه

قلبِي .. وأشلاءُ الجُروحِ، رأيتُهُ
ماكنتُ أقوَى، حِينها أنْ أتركَـه

فتشتُ عني في الحُطامِ وليسَ لي
إلاهُ، لغزٌ كيف لي أن أحبُـكَـه

لغزٌ قديمٌ قربَ آخـــرِ نبـضـةٍ
وهنا مشاعرهُ القديمةُ مُربَكَه

عجبي، سعيتُ كهاجرٍ، وسرابُها
لكنَّ زمزمَ خاطري، لن أملكَه

وكفحصِ إسماعيلَ، أفحصُ ظامِئًا
قلبي تصحَّرَ، والجفا قد أهلكَه

ذبحي، وسكينُ العناءِ تحزُّني
لا كبشَ يُنجي مهجتي، كي يسفِكَه

همدَ الهوى، لما انتهت أوزارُها
ما عادَ لي قلبٌ هنا  .. لأُحرَّكَه

لأعودَ ملءَ التيهِ أسردُ قصَّتي
مازلتُ أبحثُ في الزقاقِ المنهكةَ

أبومقداد
18 مايو 2014

Friday, May 16, 2014

أنتِ أجمل امرأة

لماذا تحتاج المرأة أن تشرح للعالم بأنها جميلة، وطيبة، ووفية، وقوية ، وتتحمل أمور لا يستطيع تحمّلها الرجل، وأنها تفكر –وربما أحياناً أفضل من الرجل– ولديها القدرة أن تقنع أي شخص بالمنطق؟

هل تريد أن تثبت ذلك لنفسها أم للعالم؟

إن كانت تريد أن تثبت ذلك لنفسها فتلك مشكلة، وإذا أرادت أن تثبت ذلك للعالم فهذه مشكلة أكبر...

القاعدة المنطقية تقول بأن الأثر يدل على المؤثر، وعطاء المرأة، والأثر الذي تتركه في محيطها يكفيها لإثبات قدراتها دون الحاجة إلى التذكير والتأكيد وتكرار الكلام عن تلك القدرات، ولجوءها لمحاولات إقناع الآخرين يدل على اضطراب نفسي تعيشه، وعدم الإستقرار وبالتالي عدم الثقة بالنفس.

ما الحاجة إلى تذكيرك الدائم للرجل بأن الأنثى: لها قوة تذهل الرجال، تتحمل الصعاب، تداوي وهي محمومة، وتواسي وهي مهمومة، وتسهر وهي متعبة، وتحزن مع من لا تعرف، ودموعها تسبق كلماتها، فارفقوا بها..

والأنثى: تَخشى الخيانة، وَالفقدان، وَالغياب، ولا تسَتطيع بسهولة نسيان غائب أحَبته، تظل تراقبه من بعد.

للأنثى: أن تربي طفلاً بلا أب، لكن لا يمكن للرجل أن يربي طفلاً بلا أم؟؟؟

أيتها الأنثى القوية، دعي أثرك هو الذي يتكلم عنك، فبمجرد رؤية الأثر يثبت عند الجميع وجود من قام به، وكلما كانت الآثار مستمرة، فهذا دليل على وجودك الدائم والمستمر، وكلما كانت آثارك رائعة وجميلة فهذا يدل على جمالك وروعتك.

أم حنين
23 إبريل 2014

أمنيات.. من السماء

التمني حالة طبيعية موجودة عند كل إنسان.. فمن منا يمر عليه يوم لا يتمنى فيه أمراً ما..  وتختلف نوعية الأمنيات نظراً لاهتمامات الفرد.. فالفقير يتمنى أن يصبح غنياً، والضعيف يتمنى أن يكون قوياً، والطفل يتمنى أن يكبر، والكبير يتمنى أن يرتاح من عناء ضغوطات الحياة، والشيخ يتمنى أن يطول عمره.. وهكذا دواليك.. وهناك من يسعى جاهداً لأن يحقق أمنياته، فينجح في بعضها أو كلها، والبعض الآخر يجلس يتمنى ولا يحرك عضلة من جسمه نحو تحقيق أمنياته..
 
في عملي السابق، كانت إحدى الفورمنات في منتصف الأربعين من العمر.. قضت أغلب حياتها في العمل، لكنها لم تستطع أن تتقدم عن منصبها الحالي لأرفع من رتبة فورمان بسبب أنها لم تحصل على شهادة جامعية.. كانت تشعر بالنقص خصوصا أن أحد الزملاء المهندسين كان يسخر منها بطريقة غير مباشرة.. بينما كنت أتحدث معها أحد المرات إذ قامت تندب حظها وتشتكي من عدم تقديرها وعدم العناية بأفكارها وجهدها الذي تبذله في العمل، فشجعتها للسعي نحو تطوير ذاتها والسعي لتحصيل شهادة جامعية.. حينها بدأت بتقديم تبريراتها بأنها كبيرة في العمر، وأنها تعمل، وأولادها على وشك التخرج من الثانوية، ووو.. لكني بسّطت الأمر لها، وأشرت لها أن العمر ينقضي ولن يتغير في وضعها العملي أي شيء ما لم تقم بإكمال دراستها.. بعدها بعدة أشهر التحقت بشركة أخرى، وبعدها بسنوات أوصلت رسالة شكر لي عن طريق أحد الزملاء بأنها حصلت على شهادتها الجامعية، وقد تم ترقيتها إلى منصب أرفع مما كانت عليه..
 
يحتاج الفرد منا إلى النظر في بعض الأمور التي سأطرحها سريعاً لتحقيق أمنياته سوءا كانت صغيرة أو كبيرة كـ: قراءة كتاب ما، أو تعديل المستوى المعيشي، أو شراء سيارة، أو زيارة حج بيت الله الحرام:
 
1. النظرة الإيجابية: من المهم جداً تغيير النظرة السلبية والتغلب على عقلية خلق المبررات والعوائق في عدم تحقيق الأمنيات.. فهناك حواجز كثيرة يضعها الإنسان -وربما مَن حوله- أمامه كعقبات وهي ليست حقيقية، بل مجرد أوهام وقيود يكبل بها نفسه عن التحرك والسعي.

2. العزم والإرادة: لابد أن يمتلك الإنسان العزم والإرادة لتحقيق أمنياته وهنا يحتاج الفرد منا أن يجلس مع نفسه ويقطع عهداً على السعي لتحقيق أمنيته.

3. التخطيط: التخطيط لتحقيق الأمنية مهم جداً خصوصاً في مرحلته الأولية.. بعض الأسئلة التي تفيد في عملية التخطيط هي: ما هي أمنيتي؟ ماذا أحتاج لتحقيقها؟ كيف سأقوم بتنظيم وقتي؟ ماذا أحتاج من تغيير في حياتي الحالية لكي أمتلك الوقت الكافي للسعي؟ كم من الوقت ستستغرق عملية السعي نحو تحقيق الأمنية؟.. إلخ. ولتحذر من أن تكون عملية التخطيط سلبية بأن تبرز المبررات والعوائق والصعوبات في تحقيق الأمنية.

4. وضع جدول زمني: أن تضع وقتاً محدداً للبدء في تحقيق الأمنية، وكذلك أن يكون لديك تصوراً معيناً حول الفترة الزمنية التي قد يستغرقها السعي لتحقيقها.

5. السعي مع التوكل: وهو أن تسعى وتعمل مع الإعتماد والتوكل على الله سبحانه وتعالى بعد أن قمت ببذل الجهد اللازم في المقدمات، وسعيت نحو تحقيق الأمنيات.
 
طبعاً، من الضروري جداً أن نضع هذه الحقيقة ماثلة أمام أعيننا وهي: أن الزمن لن يتوقف لأي فرد منا.. فالساعات والأيام والسنين تمضي وتنقضي، وما لم تعطِ لنفسك الوقت الكافي للتفكير في تحقيق أمنياتك، فإنك ستصحو يوماً وقد فاتك القطار ولم يبق من العمر بقية.. وكذلك أيضاً يجدر بك التيقن من أن تحقيق الأمنيات لن ينزل عليك هكذا من السماء ما لم تجتهد وتسعى في العمل نحو تحقيقها..
 
ز.كاظم
16 مايو 2014