Friday, May 23, 2014

مطبات تاريخية

للتوزان دور كبير في هذه الحياة، فبدونه تتساقط الأشياء وتتهاوى. والإنسان المتوازن دائماً يكون قادراً على اتخاذ القرارات الصعبة والمفصلية، عكس الإنسان المتعثر الذي لا يقّومه حتى ناطحات السحاب. إنساننا الأول مميزاته كثيرة لأن طريقه الإعتدال، ويتخذ من التوازن طريقاً للتعامل مع الأشياء، فلا إفراط ولا تفريط فهو إنسان ممكن أن يؤمن جانبه، فلا يغدر ولا يفجر، ومؤمن عند الغضب، ويشمله الوقار عند الهزائز، ويكون عالماً بزمانه فلا تهجم عليه اللوابس.

التوازن ليس في الأمور المادية وحسب فهناك توازن أكبر وأهم ألا وهو التوازن الفكري، فطالما كانت هناك أجسام بلا عقول، وهناك عقول بأجسام نحيلة لا تصمد أمام الصراع المادي ولكنها قسورة في حروب الفكر والعقيدة، وهناك نوع آخر من العقول وهي التي لديها العقل والجسم ولكن بلا ورع ولا تقوى ويمكن أن تسقط وتهوي في مطبات العقيدة. والتاريخ مليء بالأمثلة والشواهد التي تؤكد على أن الإنسان إذا استحوذ الشيطان على تفكيره فإنه يكّبل عقله بسلاسل المال والسلطة والجاه والعيال، فيصبح في غشوة من ذلك فلا يعد يبصر طريقاً إلا طريق الملذات المهلكة.

والسؤال هو ما الذي جعل من عالم جهبذ مثل بلعم بن باعورا أن يسقط في شرك الشيطان ليتلاعب بمصيره وكأن العلم الذي حصل عليه بتعب السنين قد ذهب هباء منثورا قال تعالى {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}. ولا ننسى ذلك القاضي الذي مضى عمره في القضاء بين الناس بالعدل وعندما محّص بالبلاء أفتى بقتل الإمام الحسين عليه السلام، وكانت نهايته مزبلة التاريخ لأن الحسين عليه السلام ميزان الحق والطريق المستقيم، فمن ضل الطريق غرق وهوى. ومنهم من خاط لنفسه وفصّل الدين على مقاسه وادعى العلم فراح يسّعر آيات الله لمن يدفع أكثر فقال أن قوله تعالى {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} إنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام وإن قوله تعالى { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} نزلت في ابن ملجم أشقى مراد!؟

لا يكمن الخطر في ضلال هؤلاء المحسوبين على التاريخ وإنما الخطر وكل الخطر على من يتبع خطواتهم الهدامة والذي يصدق قلب الحقائق وتزييف الواقع ويصفق له. والباحث في التاريخ لا يأمن الوقوع في مطباته الكثيرة فالإحتمال قائم إلا من كانت له قاعدة قوية يرتكز عليها. فمهما كثرت المطبات التاريخية فإنها لا تؤثر عليه وسيصل مهما تعددت الصعاب. وتاريخنا تكثر فيه الأشواك ويحتاج لرحّالة ماهر يعبر بمهارة فائقة كل عوائقه ومطباته، وليجد في نهاية رحلته أن معظم التاريخ قد كتب تحت ظروف تاريخية ضاغطة، وأن ما تبقى لنا يكفي لأن يمحي كل الريب المتراكم عبر السنين لأن الله سبحانه وتعالى يقول {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}.

محمد يوسف العرادي
23 مايو 2014

No comments:

Post a Comment