Friday, April 10, 2015

على ضفاف الذكريات (18) // ز.كاظم

 
 
بسم الله الرحمن الرحيم

دقائقٌ مرت عليّ وأنا جالس أحدّق في لوحة المبنى.. أنظر إلى يميني تارة، وإلى شمالي تارة أخرى.. تعصف بي الأفكار من كل جانب.. هل صحيح ما قاله نبيل أن الشاعر معتقل! ماذا فعل الشاعر لكي يُسجن! هل كان مسرعًا! لا بد أنه كان مسرعًا فمنذ خروجنا من مدينتنا وهو الذي كان يقود السيارة في أكثر الأحيان، والمسافات طويلة جدًا مما تغري السائق بأن يُسرع ليقطع تلك المسافات الشاسعة.. لكن، ألم نتعظ من درس نبيل وسرعته التي كادت أن تودي به إلى السجن!! وكيف يُسجن على مخالفة سرعة!! في العادة يتم إعطاء المخالف مخالفة ولا يتم سحبه إلى مركز الشرطة إلا إذا قام بفوضى تستدعي الشرطي بأن يلقِ القبض عليه!! لا.. لا يمكن أن يقوم الشاعر بذلك!!

وبينما أخاطب نفسي وأحادثها وإذا بنبيل قد أقبل.. ركب السيارة على عجل وقد بدى عليه الانزعاج والاضطراب.. سألته، ماذا حدث!! قال: نحتاج إلى مبلغ ثلاثمائة دولار لكي يتم إطلاق سراح الشاعر! في هذه الساعة المتأخرة من الليل وفي منطقة لا نعرفها جيدًا ذهبنا نبحث عن جهاز صراف آلي.. وجدناه بعد بحث حثيث، وتم سحب المبلغ المطلوب.. رجعنا مرة أخرى إلى مركز الشرطة.. دخل نبيل لوحده..

عُدتُ إلى دوامة أفكاري.. ما الذي حدث!!

مضت تقريبًا حوالي الساعة وإذا بهما يخرجان من المبنى.. ركِبا السيارة، فسألتُ الشاعر متلهفًا ماذا حدث؟!

قال الشاعر: كنتُ مسرعًا والشارع يكاد يكون خاليًا من السيارات.. بعد فترة وعلى بُعد مسافةٍ أمامي رصدتُ سيارة على جانب الطريق، خفضت السرعة قبل أن أصل إليها حذرًا أن تكون سيارة شرطة.. كان الشارع مظلمًا وغطاء السيارة الأمامي مرفوعًا مما يوحي بأن السيارة معطلة.  لكن لم أتمكن من التحقق من السيارة جيدًا.. بعد أن ابتعدتُ عنها قليلًا لاحظتُ أن السيارة دخلت على الخط لكن واضح عليها أنها سيارة عادية بل إن إحدى الأنوار الأمامية كانت معطلة - وهذه مخالفة - ولا يمكن لسيارة شرطة أن تكون كذلك.. فأسرعتُ..
 
 

بعدها بدقائق وإذا بأنوار السيارة من خلفي تتلألأ.. كانت وللأسف سيارة شرطة..


أوقفنا الشرطي وطلب رخصة القيادة فأعطيته رخصة قيادتي الإنترناشيونال، فحرّر مخالفة سرعة بمبلغ ثلاثمائة دولار تُدفع حالًا وإلا يتم القبض عليّ ويتم عرضي على القاضي صباحًا. سأل نبيلُ الشرطي عن هذا القانون الغريب الذي لم نسمع به من قبل فقال الشرطي: إن الكثير من السائحين لا يدفعون مخالفاتهم ولا يمكن ملاحقاتهم على قضايا المخالفات المرورية متى ما خرجوا من الولاية. وولاية ميسيسبي تُعدّ من الولايات الفقيرة، ولذلك تم إصدار هذا القانون لتأمين استلام مبالغ المخالفات. ولك الخيار إما المبيت ليلًا في زنزانة السجن والمثول أمام القاضي صباحًا أو دفع المبلغ حالًا وتمضي في سبيلك. كل ذلك حدث وأنا نائم في الكرسي الخلفي!
 
 لم نكن لنترك الشاعر يقضي ليلته في السجن ولا أن ننتظر لكي يبرز أمام القاضي صباحًا.. انطلقنا من ولاية ميسيسبي هربًا منها بعد أن كرهناها خصوصًا وأنها كلفتنا ذلك المبلغ الكبير بالنسبة لنا كطلبة.. ثلاثمائة دولار ليست بالمبلغ السهل الهين علينا نحن الطلبة خصوصًا أننا في رحلة سفر.. خرجنا من حدود المسيسيبي فرفعنا أصواتنا مهللين بالصلاة على محمد وآل محمد.. دخلنا بعد ذلك ولاية ألاباما ومن ثم جورجيا وبعد مضي أكثر من عشر ساعات دخلنا فلوريدا "ولاية أشعة الشمس".. 

لفت انتباهنا جمال الطبيعة في ولاية فلوريدا بمجرد دخولنا داخل حدودها.. فالنخيل الباسقات الجميلات تتراقص سعفاتها على أنغام الرياح الهادئة الساحرة، واقفات في طابور منتظم ممتد على قارعة الطريق.. 
 
فلوريدا؛ يقع خليج المكسيك على الغرب منها، وولايتا جورجيا وألاباما على الشمال، وعلى الشرق المحيط الأطلسي الذي يعزل أمريكا عن العالم.. وصلنا مدينة ميامي صباحًا بعد أن قطعنا حوالي الثمان ساعات مذ دخلنا حدود فلوريدا.. الملفت لانتباهنا في الحال كان طغيان العنصر الأسباني عليها ذلك لكون الكثير من النازحين إليها من دولة "كوبا"، هذه الدولة الصغيرة التي كانت شوكة في بلعوم أمريكا. دولة كاسترو الشيوعي الذي مع 80 من مناصريه - من ضمنهم جي جيفارا - دخلوا هذه الدولة في عام 1956 على يخت "جرانما" لقيادة الثورة الكوبية ضد حكومة الدكتاتور باتيستا المدعوم من الولايات المتحدة. بعد ثلاثة أعوام سيطر كاسترو على العاصمة وهرب باتسيتا إلى خارج كوبا وتحوّلت تلك الدولة التي كانت إلعوبة في يد الولايات المتحدة إلى خنجر شيوعيٍ روسيٍ في خاصرتها. الملفت في هذه الثورة أنها قامت ضد دكتاتور لتنصب من بعده دكتاتورًا جديدًا!  
Che Guevara and Fidel Castro, photographed by Alberto Korda in 1961.

  

لم ترق لنا مدينة ميامي، فبعد أن أمضينا في شوارعها عدة ساعات وعلى ساحلها عدة دقائق والذي كان واضحًا عليه القذارة الأخلاقية وانعدام النظافة على رماله قررنا أن نرحل عن هذه المدينة إلى مدينة أورلاندو التي تبعد قرابة الثلاث ساعات..

 
 تتميز مدينة أورلاندو بأنها مدينة المعالم السياحية إذ يزورها أكثر من 57 مليون سائح سنويًا، وهذه المعالم هي: منتجع والت ديزني العالمي، يونيفيرسال ستوديوس، سي وورلد، إبكت سنتر،.. إلخ..
 
قضينا تقريبًا ثلاثة أيام زائرين لثلاثة من الأماكن السياحية: ديزني وولد، يونيفرسال ستوديوس، والإبكت سنتر.. يعلوك العجب من تلك المساحة لكل من هذه الأماكن السياحية والذي تحتاج أن تقضي في كل واحد منها عدة أيام، كما يذهلك أعداد الزائرين.. طوابير من الناس، صغارًا وكبارًا تنتظر الدخول. أعجبنا الإبكت سنتر حيث أنه مؤسَس للاحتفال بالإنجاز البشري، والابتكار التكنولوجي والثقافة الدولية.. كلمة إبكت مختصر للنموذج التجريبي لمجتمع الغد.. وكأنه عالم مصغر، إيطاليا، بريطانيا، كندا، وكانت دولة المغرب من ضمن البلدان المصغرة فيه.
 
 
في آخر ليلة لنا في أورلاندو قررنا أن نزور مدينة صغيرة بالقرب منها اسمها "كيسيمي" وبينما نتجول بالسيارة فيها وإذا بلافتة على مبنى معزول مكتوب عليها ليالي العرب "Arabian Nights"..
 
  
 
يتبع في الحلقة القادمة..

 
11 إبريل 2015

No comments:

Post a Comment