Friday, April 10, 2015

سلوكيّات فقدت روحها // محمود سهلان

 
 
- لماذا لا تذهبين لحفل زفاف ابن خالك؟
لأنّهم لم يأتوا لحفل زفاف أخي!
لماذا لم تذهبي لزيارة خالتك المريضة؟
لأنّها وعائلتها لم يزورونا عندما مرضت أمّي!
 
وهكذا تستمر حياة البعض، وكأنّ المسألة مسألة تبادلٍ أو صفقةٍ تجارية، فإنّ الزيارات وصلة الأرحام أصبحت إمّا بهذه الطريقة التبادلية، أو بطريقة شكلية، أو لرفع الحرج ومنع العتب، طبعًا ليس لدى الجميع، ولكنّ الكثير من الناس هذا هو أسلوبهم.
 
- سأسافر ـ وبضجر ـ محتارًا بالهدايا التي سأقدّمها للمقربين، وأصحاب الفضل علي، ممن قدّموا لي الهدايا..
 
أفكّر.. حسنًا سآتي لهم بشيء ما، كي لا يعتبوا علي.. خصوصًا مَن تفضّل عليّ ببعض الهدايا من قبل..
أو سأشتري بعض الهدايا، ثم أسافر ليكون الأمر أسهل عند عودتي.. (هل هذه هدية سفر أم لا)..
سأكتفي بمن أهداني شيئًا في سفراته السابقة..
سآتي لهم بهدايا ثمينة..
 
وغير ذلك من الأفكار كثير، ويصب الكثير منها باتجاه التبادل والتجارة وخوف العتب والإحراج، وتخرج مرّة أخرى عن روحية الهدايا وقيمتها، وقد تصل أحيانًا إلى حدّ تكليف النفس فوق طاقتها وقدرتها، وما إلى ذلك..
 
- في ذكرى يوم ميلادها، أو أيّ مناسبة أخرى، تخرج مع زوجها ليشتري لها هدية!
 
وفي الحقيقة فهي من اختارت الهدية مسبقًا، وأخبرته بما تريد مباشرة، وينتظران معًا ذلك اليوم الموعود، ليشتري لها ذلك الشيء على أنّه هدية..!!
 
إذًا هدية لا روح فيها، ولا مفاجأة ولا شيء، هي حاجة أو طلب كان منها، وحقّقه الزوج كما يشتري أيّ شيء آخر، واحتاج لمناسبة مّا يتكلف فيها (افهموها عالطاير - بالبحراني - لأن عيد الأم توه مخلص)، وكأنّ الهدايا صارت تحتاج لمناسبة، حقيقية أو مختلقة من هنا أو هناك، لنعبر عن مشاعرنا، التي نقتلها حقيقة عندما نعبر عنها بشكل آلي، فالهدية كما أرى، يجب أنْ تمتزج بشيء من الحب، بشيء من الروح، بشيء من الأدب والخلق..
 
قد تقول لماذا تحدث عن صلة الرحم، ثم تكلّم عن الهدية، ولا تجد ربطًا، لكنّني أقول أنّ هنالك ربط، وأُضيف له قبل ذلك مسألة حضور مجالس القرآن في شهر رمضان، فإنّني أدعي أنّها باتت قضايا شكلية عند الكثيرين، افتقدت لروحها ورونقها..
 
فصلة الأرحام مثلًا، لو تتبعنا القرآن الكريم، والروايات الواردة فيها عن رسول الله (ص) وأهل بيته (ع)، لوجدناها شيئًا مقدّسًا له قيمته الخاصة، ليستحيل فجأة لحالة تجارية شكلية، ولحصول نفس الأمر في سلوكيات أخرى، يثبت لدينا أنّ هناك علّة واحدة يشتركون فيها، تضاف إليها علل أخرى متفرقة لكلّ سلوك، تنتج هذه الحالة البعيدة عن روحية هذا السلوك، وعن روحية الحب والود والأريحية، لصالح المتاجرة والمبادلة والتّكلف.
 
لو سألتني لماذا كتبت بهذا الأسلوب، لقلت لك أنّني احترت كيف أبدأ هذا الموضوع، فاخترت طرح بعض الأمثلة المتفرقة، لأستلّ منها بعض ما أريد، وأُقرّب الصورة، ولا أُسقط الحالة على الجميع، لكنّ هذه السلوكيات موجودة بكلّ وضوح بيننا، ولا نفكّر فيها، بل لا نريد معالجتها، لنحصل على القيمة المطلوبة منها..
 
وللنوايا في هذه وتلك دورها..
 
 
٢٢ جمادى الآخرة ١٤٣٦ هـ

No comments:

Post a Comment