Friday, April 24, 2015

الزيجات والفتاوى العاطفية / أبو مقداد




"الخميني (قد) حينما سألوه كيف تكون رئيس دولة وعالم دين ورجل سياسة، بشجاعتك وتبقى على زوجة واحد؟ قال بحكمة العادل لنفسه: إني أخافُ أن ألقى الله تعالى وأنا ظالم لواحدة ولم أوفيها حقوقها فيكف ابلي نفسي باثنتين!

ومن قول للسيد السستاني لوصفه لزواج المتعة: ليس كل حلال يجب أن نقبله لأنفسنا ومن يتعلق بنا، فلو خطب بنتك مسلم أفريقي شديد السواد ونتن الرائحة وقبيح الوجه هل تقبله؟ مع أن التزويج حلال بل مستحب.

للأسف مشايخنا على المنابر ما يذكرون هذه النماذج الفريدة الخالدة، والتي تستحق التخليد، ويذكرون فقط مثنى وثلاث ورباع ومنقطع وكل ما يخدم حاجاتهم الخاصة"

هذا مقطع من (برودكاست) طويل تم تداوله في الأيام الأخيرة بشكلٍ كبير وغريب في المجموعات والحسابات الشخصية في مختلف برامج التواصل الاجتماعي، وخصوصًا من الفئة النسائية، وفي بعض المجموعات تحولت هذا الرسالة لنقاشٍ محتدمٍ بين من يؤيد وبين من يرفض، ليتحول الرجل الرافض لما جيءَ في مضمون الرسالة لمجرد (حيوانٍ شهواني) تحركه غرائزه، والمرأة التي توافقه الرأي قليلة أدب ووقحة، بينما الرجل المؤيد للرسالة هو رجل عاقل ومثالي وتتمناه كل بنت وامرأة، والمرأة المؤيدة، تمارس حالتها الطبيعية!

في الموضوع عدة زوايا أحاول الإحاطة بها بقدر الإمكان، متمنيًا عدم الإطالة عليكم..

أولًا: أتحدث عن موضوع النقل بلا مصدرٍ:-

في الآونة الأخيرة كما لاحظتُ كانت تُنشر وتنتقل عبر برامج التواصل الاجتماعي بعض العبارات أو المقولات وتُنسب للكاتب المسرحي ويليام شكسبير، أو العالم الفيزيائي ألبرت آينشتاين، ونيوتن وغيرهم، بعضها كان يُنسب لهم من باب الدعابة وبعضها كان جادًا، شخصيًا لم أتحقق من صحة تلك المنقولات فلم تكن تعنيني، ثم فجأة تطورت الحالة لأن صارت تُنسبُ بعضُ المقولات التافهة والسمجة لأمير الكلام الإمام المعصوم علي بن أبي طالب (ع) وعلى المراجع العظام، وحين تبحثُ عن مصادر لتلك المنقولات لا تجد سوى نقلها المتكرر والشائع بلا أي مصدر معتمدٍ من مصادر نقل الحديث. القضيةُ ليس هيّنة كالنقل لآينشتاين، لأن كلام المعصوم حجة على غيره، وكلام المعصوم قد يتسبب بآثار ونتائج سلبية وانحرافات عديدة والروايات لدينا في حرمة التقوّل على الله والمعصوم والفتيا بغير علمٍ كثيرة، أذكرُ منها "عن الباقر في صحيح أبي عبيدة قال: "من أفتى الناس بغير علمٍ ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه" وقال تعالى" قل إنما حرم ربي الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" وهذا نصٌّ صريحٌ على حرمة النقلِ بدون علمٍ وإن لم يعلم كذبه، والقضية لا تقتصر على اجتناب هذا الفعل لحرمته فقط، إنما لأثره المترتب عليه والذي ربما تسبب في حرمته بآيات صريحة وروايات صحيحة!

لذلك فنقل مثل هذه الرسائل أعلاه بلا أي مصدرٍ ودليل ستكون كذبًا وحكمها الحرمة إن لم تصدر فعلًا عن القائل.

ثانيًا: التأمل والتفكر في مضمون المنقول:-

الكثير الكثير من الروايات والمقولات المنقولة كذبًا على لسان المعصوم عليه السلام، لو رجعنا وقرأناها بأقل درجة تأملٍ سنكتشفُ ضعف سبكها وسوء صياغتها وركاكة مضمونها بالنسبة لما عُرف عن لغة المعصوم وفصاحته، فهناك الكثير مما يروج له وينتشر انتشار النار في الهشيم، لا يحتاج لأكثر من تأمل بسيط لرفضه، وبعضٌ منه مضمونه مخالفٌ للمنهج الإسلامي وفكره، إلا أنه ينتشر.. وأيضًا هناك مما يُنشر مما أُحسِنَ صياغته وذُيِّلَ بمصادرٍ وهمية، لذلك ينبغي على المؤمن قبل أن يتسرع في نشره لمثل هذه المقولات، أن يعود ليبحث عن المصدر الحقيقي، أو أن يسأل أهل الخبرة والاختصاص.

وكذلك نجر الأمر على الفقهاء والمراجع العظام، فالقضية أيضًا تحتاج تتبع وسؤال ومصدر، ومع عدم وجود المصدر الموثوق الحقيقي، وإن كان الكلام قد صدر فعلًا على لسان الفقيه فهل يجوز نشره باسمه؟!

في (البرودكاست) المنشور أعلاه مقولتان لفقيهين عادلين يشتهر بين عموم الشيعة عدلهما وتقواهما، الأولى على لسان السيد الإمام الخميني رحمه الله وقدس روحه الزكية الطاهرة، يقال فيها على لسانه بأنه يخاف أن يلقى الله وهو ظالمٌ لامرأةٍ واحدة، فكيف يبلي نفسه باثنتين!!!

أولًا: في هذه الكلمة دعوةٌ صريحة لنسف فكرة تعدد الزوجات خوف الوقوع في الظلم، فلا داعي لأن يبتلي الإنسان بزوجة ثانية بعد ويكفيه الابتلاء بالأولى، إن صح صدور هذا  على لسانه - وحاشاه - فببساطة سنقول له، وما الضمانة في أن لا تظلم الزوجة الأولى أيضًا، فهل ستلقى الله ظالمًا لامرأة؟ أم أن ظلمَ واحدةٍ قليلٌ أمام ظلم اثنتين على مرجعٍ بعظمتك؟

ثانيًا: كيف يقول الله وانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورُباع، ويأتي مرجعٌ حمل لواء تجديد نشر الدين في الكرة الأرضية بأجمعها ليخالف تشريعًا سماويًا بتصريحٍ كهذا، وهو القدوة فيه!

ثالثًا: كيف استطاع النبي محمدٌ أن يدير الدولة الإسلامية آنذاك ولم تعقه زيجاته؟

وإنّ من يطلع على كتب وكتابات السيد الخميني ببساطة يمكنه ملاحظة سطحية وتفاهة هذا الفكر المنقول في الرسالة الكاذبة هذه، وحاشى لروح الله أن ينطق بهذه الكلمات!!!

المقولة الثانية هي لآية الله العظمى وزعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله وحفظه الله أمينًا للدين وللعراق.. يقال فيها على لسانه بأنه يرفض الزواج المنقطع بحجة أنه ليس كل حلالٍ يجب أن نقبله على أنفسنا، فلو تقدم للخطبة (أفريقي شديد السواد نتن الرائحة قبيح الوجه) فهل ستزوجه ابنتك؟!

حين يقول نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وعلى آله، إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، وحين يقول، لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى؛ فنفهم رأسًا بأنه لا يمكن لفقيهٍ عادلٍ أن يفرق بين البشر بجنسيتهم أو بلونهم أو بقبحهم وجمالهم وما شابه، وهذه لن تكون في معاييره، بل أنه أولى من يطبق المعايير الشرعية، لذلك لا يمكن لأي عالم دين فضلا عن فقيهٍ كالسيستاني أن يتفوه بمثل هذه الكلمات التي ما أنزل الله بها من سلطان ويستنقص من رجل مسلم بسبب عرقه أو لونه!!

أغلق هذه النقطة وأقول بأن الكلام المذكور في الرسالة خاطئ وباطل، لانتفاء وجود المصدر ولعدم قبوله عقليًّا!

ثالثًا: فيما يخص قضية تعدد الزوجات والزواج المنقطع!

أتصور بأن هذا من أكثر المواضيع الجدلية المثارة بين النساء والرجال، والحرب الطاحنة التي لا يقبل رفضها الرجال باعتبارها حقًّا من حقوقهم، ولا تقبل قبولها النساء، باعتبارها انتهاكًا لحقوقهم، وقصة لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد، بإطارات مختلفة وتبريرات متعددة، وعواطف منفلتة، وغالبًا تنحصر تبريرات الرجال في أن هذه الزيجات بأنها حقٌ شرعي، واعتراض النساء بأنها ظلم باسم الشرع، ويكاد الرجال يختزل الشرع في روايات و آيات الزواج، في حين تكاد النساء تكفر بذات الآيات والروايات، والصراع مستمر!

الأحكام الشرعية الخمسة - الواجب، المستحب، المباح، المكروه، الحرام - أوجدها الله، والله عز وجل لا يوجِدُ شيئًا بلا علة ولا حكمة، فلكل حكمٍ شرعيٍّ علتهُ الخاصة به المنعكسة على الفرد المجتمع والدين، فلا يوجد محرَّمٌ عبثيٌ فقط من أجل تحريمه، ولا يوجد واجبٌ شرعي عبثي من أجل تطبيقه فقط، وهكذا على بقية الأحكام، لكلها علة وجودية، ومن الجيِّدِ بعد الإمتثال لها أن نبحث في عليتها وحكمتها، و بما أن لموضوعنا الأساسي في هذا المقال حكمًا شرعيًا فلا بد أن لهذا الحكم علة ما من الجيد أن نبحث فيها.

خلق الله الرجل تعدديًّا، والمرأة متفردةٌ بالفطرة، وهذا ما يمكن ملاحظته في السلوك البشري، فلا يكتفي الرجل الطبيعي بامرأة واحدة تلبي حاجاته العاطفية والنفسية، قد يقبل بواحدةٍ وقد يرضى بها، إلا أنه سيظل قادرًا على أن يرتبط بأخرى أو أخريات، وبالمقابل لا يمكن أن تتمكن المرأة الطبيعية أن تتقبل رجلين في حياتها تحت أي مبرر، وهذا أحد علل تشريع هذه الزيجات، كما أن من عللها الأخرى أنها تغطي حاجة وقابلية الرجل لأكثر من امرأةٍ من جهةٍ، وأنها تساهم بشكلٍ ما في حل مشكلة من أكبر مشاكل النساء، وهي النساء اللاتي تعذَّر بهم أمر الزواج لسببٍ أو لآخر، فوُجدَ هذا النوع من الزواج كمشروعِ حلٍّ قد يساهم في الحل مشاكل الكثير منهن.

طبعًا لا أحصر هنا عليّة وحكمة الزواجين المذكوريْن في ما عللته أنا، فهذه نتائج تأملي الشخصي، وقد يحتملان فلسفات أكثر وأعمق، ولكن الغرض هنا من الإشارة لهذا الأمر أن نتجنب إطلاق الفتاوى العاطفية التي تناسب أمزجتنا، وأن لا نعترض على حكمٍ شرعي بحجة أنه لا يناسبنا، بل من المفيد جدًّا لو بحثنا في فلسفة كل حكمٍ شرعي، وفهمناه جيدًا ومارسناه عن معرفة وقناعة.. ولكن بعد أن نمتثل له بالطبع.


25 أبريل 2015

No comments:

Post a Comment