Friday, April 17, 2015

يا دي الحب!! // إيمان الحبيشي



لن تفتح رواية اجتماعية، دون أن تجد أن أحد أحداثها المهمّة قصّة حبّ، ولن تتابع مسلسلًا تاريخيًا أو اجتماعيًا إلا وكان الحبّ بطلًا من أبطال حلقاته. استمع لأنشودة أو اقرأ قصيدة، أو حتى اطلع على مشكلة مكتوبة تحت بند "أريد حلًا" لتجد أن الحبّ، هو الجاني على صاحب/ة المشكلة!

صار الحبّ كعّبة يطوف بها الرّاكعون والسّاجدون، والخائفون والسّعيدون، والحالمون والواقعيون أيضًا! هو امّا جرح لأحد، أو حلم لأحد آخر..

ما هذا الحب الذي انغرس بعمق تكويننا، وأحلامنا وخططنا وأيامنا؟

في محاورة لسماحة السّيد محمّد حسين فضل الله*، سُئل خلالها: ألا تعتقد أنّ الحبّ يشكّل حافزًا أساسيًّا من حوافز الخلق والإبداع؟

أجاب:(من الطبيعيّ جدًّا أنّ الحبّ يمثّل حيويّة التجدّد الإنساني، حيث يفتح إنسانيّتك ليحرّك العقل عندما تخطِّط لحركة الحبّ في الواقع، ويحرّك القلب في نبضاته وخفقاته، ويحرّك الإحساس والشّعور؛ إنّه يمثّل الصّفاء الّذي يحسّ به الإنسان، وخصوصًا عندما يعيش إنسانيّته في إنسانيّة الآخر. ليس من الضّروريّ أن يكون الحبّ غريزةً في الجانب الحيوانيّ للغريزة، ولكنّ الحبّ ينفتح على كلّ الكون، فنحن نعيش في صوفيّتنا الإيمانيّة، نعيش الحبّ لله، وأذكر بعضًا من قصيدةٍ لي في مناجاةٍ مع الله، أقول له فيها:
ضمَّنـي في بحيـرة الحـبّ إنّي غارق في بحيرة من دمائـي
ربِّ هبني الصّفاء في الرّوح إنّي أغرق العمر في كؤوس الصّفاءِ)

حينها خرج السيد فضل الله من شرنقة الحبّ المتداول، وهو الحبّ بين المرأة والرجل، ليشمل كل الحب في أبعاده الرّبانية والإنسانية، ليؤكّد حقيقة واضحة نعيشها وندركها، أنّ الإنسان مفردة من مفردات الحب، كما أنّ الدّين الحبّ، كما يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله: (هَلِ الدّينُ إلَّا الحُبُّ وَالبُغضُ؟! قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ).

وإن كان الحبّ في فكر محمّد وآل محمّد مشّروطًا، لا ينطلق إلا من الله ولا يوصل إلا لله، فحبّ الزوجين لبعضهما حبّ في الله، منتهاه رضا الله - أو هكذا وجب أن يكون - وحبّ الأمّ لأبنائها حبّ في الله، وكل حبّ وكره لا بد أن يكون منطلقه هو.. لا شئ ولا أحد سواه.

لكن على أرض الواقع، وفي حيز المجتمع، صار الحبّ بين الرجل والمرأة سببًا للوّعة كثيرين، وسببًا لألم كثيرين، وسببًا لانتهاء حلم الكثيرين، وإن كان سببًا لسعادة كثيرين أيضًا. فما هو الحب الحقيقي الذي يجب أن يجمع قلبين في مجتمع مسلم يستظل بشرع الله؟

هل هو حبّ قيّس لليلى؟ التي ملئت أشعار لوعته لها الدنيا؟
هل هو حبّ رشدي أباظة لفاتن حمامة؟ الذي تتكرر تفاصيله في كل فيلم؟
هل هو حبّ الأفلام والمسلسلات الخليجية والأجنبية والتركية؟

فجأة.. صار هذا الحب يملأ الأرجاء، فتنجح رواية للكاتبة الفلانية بناء على حبكة قصة الحبّ في روايتها، وتُقتبس كلمات تلك الرواية، وتُتداول أكثر مما تُتداول الآيات والأحاديث، وتصير دستورًا يرجع له العاشقون، فيستشهدون بكلمات الفرح حين تسير قصّة عشّقهم على ما يرام، ثم يقتبسون كلمات الحزن والغدر والخديعة حين تتعثّر قصص عشّقهم، وهكذا دواليك حتى ملّت أسماعنا تلك الكلمات - أتحدّث عن سمعي على الأقل - وصرنا نعيش بين سندان الحبّ بما هو حبّ أوّجده الله في قلوبنا، وبين مطرقة حبّ بما هو حبّ زرعه التّجار والممثّلون ليروّجوا بضاعتهم عبر غريزة الإنسان!!

فما هو الحبّ الذي يجب أنّ نبحث عنه، وما هو الحبّ أصلًا؟

إجابة هذا السؤال لن تتجاوز أمرين:

كلمات حالمة سيُلقيها على أسماعك مغمور، أو
كلمات مجروحة سيُلقيها على أسماعك مفجوع..

بينما ما أجده حقًا، أننا في مجتمعنا وبناءً على تكويننا وثقافتنا، فليس الحبّ الذي يأسرنا سوى "خدعة" لحقيقة أضعْنا ملامحها، ونحتاج أن نعود لها بكل قوتنا، لعل قصص الزواج تعود لحالة الاستقامة التي فقدتها، ولعل حالات الطّلاق السريعة والتافهة تغادرنا إلى غير رجعة، ليحتفظ "علاج" الطلاق أيضًا بجدواه. 

الحب يا سادتي محتوىً في "وسيلة"، يسعى الإنسان لتحصيلها، ليحقق من خلالها عدة أهداف؛ الاحتواء والانتماء، والغريزة والصّداقة، والاسّتقرار والإنجاب، وكذلك الحبّ والاهتمام، والعديد من الحاجات، وتلك الوسيلة هي "الزواج".

ولكي يتزوج إنسان ما إنسانًا آخر، فهو يحتاج لأن يدرسّ درجة الانسجام معه، إنسان يتناسب مع أهدافه في الحياة وما بعد الحياة، إنسان يتناسب أو ينسجم مع طريقته وأسلوبه في الحياة، وهو ما قد يكون بطرق الزواج التقليدية.

ولأنّنا صرنا نعيش في مجتمع منفتح، يلتقي فيه الرجل بالمرأة في العديد من المواقع، فصار أي شعور لرجل تجاه امرأة، أو لامرأة تجاه رجل، يُشعرهما بأن هذا الإنسان الذي باتا يتعاملان معه، قد يكون قادرًا على تحقيق بعض أو كلّ الأهداف المذكورة أعلاه، فربما من الطبيعي أن يشعر تجاهه بالانجذاب.

وللانجذاب بين الجنسين أسباب غريزية أيضًا، إضافة للسبب الذي أشرت إليه، إذ أنّ الذّكر يميل للأنّثى والأنّثى تميل للذّكر - وهي حقيقة علمية ووجّودية لا يتّسع المجال لمناقشتها وليست هي موضوع المقال - لذلك فقبل أن يهتف رجل ما، أو امرأة ما بالحبّ، فالواجب أن يُنقّح الإثنان انجذابهما ذلك من العوامل الغريزية، ليتأكدا من العوامل الفكرية والمادية والشخصية والاجتماعية، دون إلغاء العوامل الغريزية والعاطفية بل بتهذيبها ثم ليسعيان للزواج، ومن كان غير قادر ولا راغب على تأسيس تلك المؤسّسة، فليحفظ وده بداخل قلبه، وليعالج سقمه بأدوات خُلقه، ولا يستخرج تلك المشاعر ليلقيها بقلب آخر، ليستميله ويشغل فكره ثم ليعتذر منه، إذ لا طاقة له على الزواج!

ما أجّمل أن يكلّل زواج بالحبّ، على أن يكلّل حبّ بالزواج.

يذكر الله سبحانه وتعالى أنه يلقي بين الزوجين "مودّة ورحمة" ويقال أنّ المودّة "فعل سلوكي" لا مجرد صفة نفسية عاطفية كـ"الحبّ" وهو قطعًا ما يحتاجه الزوجان داخل العلاقة الزوجية، عاطفة وسلوك تبني العلاقة بينهما ليكونا متحابين في الله، يودان بعضهما، ليكونا لبنة صحّية من لبنات مجتمع صحّي. 


18 إبريل 2015
___________________________________________
* من حوار لسماحة السيد محمد حسين فضل الله مع قناة العربية بتاريخ: 9/9/2004  الموافق جمادى الأولى 1425

No comments:

Post a Comment