Friday, April 17, 2015

الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها (25) - "رُؤى من القرآن والعترة (6) / محورية وجود المعصوم (عليه السلام) في اتخاذ القرار.. إشكال وجواب" // محمد علي العلوي

 
 
أفادني بعض مِمَّنْ أُقدِّرُ متابعتهم لهذه السلسلة من المقالات بإشكال استظهروه من الحلقات الأخيرة، ومُحَصَّله أنَّ الدعوة فيها توجِّه نحو التراخي وترك الساحة للظالمين دون مقاومة ولا ردع ولا جهاد، بحجَّة تعلُّق أمر القرار بالمعصوم أو لا أقل بنائبه من الفقهاء المراجع، وفي ذلك تكريس للبلادة والقبول بالذل المبرَّر (دينيًّا).
 
في الواقع أنَّ الجواب على الإشكال المذكور هو المرجو من هذه الحلقة والتي تليها، وفي مقامه نحتاج لمقدَّمات..
 
• المُقدَّمة الأولى:
 
يقول الله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)، ولاستيعاب بعض أبعاد ومضامين هذه الآية المحورية، علينا الإجابة على سؤال: خليفة لِمَنْ؟ من هو المُستَخْلَف؟
 
الجواب:
 
عن محمد بن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام): "ألا تدلني إلى من آخذ عنه ديني؟
فقال: هذا ابني علي، إنَّ أبي اخذ بيدي فأدخلني إلى قبر سول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا بني، إنَّ الله عزَّ وجلَّ قال: (ِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) وإن الله عزوجل إذا قال قولًا وفى به". (الكافي للكليني ج1 ص312).
 
وفي حديث طويل عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، إنَّ الله تعالى قال للملائكة: "إنِّي أُريد أنْ أخلُقَ خلقًا بيدي، وأجعلَ مِنْ ذرِّيته أنبياء ومرسلين، وعِبادًا صالحين، وأئمَّةً مهتدين، أجعلهم خُلفَاءَ على خلقي في أرضي، ينهونهم عن معصيتي، ويُنذرونهم من عذابي، ويهدونهم إلى طاعتي، ويسلكون بهم سبيلى، وأجعلَهم لي حجَّةً عليهم وعُذرًا ونذرًا". (علل الشرائع للصدوق ج1 ص105).
 
يظهر من هاتين الروايتين وغيرِهما، إنَّ الخليفة الذي أرادَ الله تعالى أنْ يجعله في الأرض هو المعصوم المُنتَجَب، وأمَّا من ولاه فهو على طريق الخلافة الإلهية، وإلَّا فالمحل للمعصوم (عليه السلام) كمحل القطب من الرحى.
 
ومن الواضح أنَّ المُستَخلِف هو الله تعالى، لصريح قوله (ِنِّي جَاعِلٌ)، وبذلك فإنَّ لهذه الأرض نظام إداري استوى عليه الله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، ثمَّ أرجع الخلائق إليه عن طريق النبيِّ والأئمة (عليهم السلام)، وهو قوله عزَّ وجلَّ (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ)، و(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
 
ونتيجة المقدَّمة الأولى، هي: إنَّ أمرَ المؤمنين في هذه الحياة الدنيا إنَّما هو للمعصوم (عليه السلام)، وليس في هذا حجر على العقول ولا مصادرات للفكر، وهذا ما تبينه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تحض على التدبر والتفكر والإبداع، ولكنَّ هذا كله مشروط بعدم الخروج عن أطر المنظومة الحاكمة لولاية المعصوم (عليهم السلام).
 
• المُقدِّمة الثانية:
 
يقول الله تعالى (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).
 
تتدخَّل الإدارةُ العُليا بشكل مباشر في وقت معلوم، ويكون حينها النصرُ للمستضعفين وتمكينهم في الأرض، بإرادة الله تعالى، وقيادة المعصوم (عليهم السلام)، فعن عبد الرحمن بن سمرة قال: قلت: يا رسول الله، أرشدني إلى النجاة.
فقال (صلى الله عليه وآله): "يا ابن سمرة، إذا اختلفت الأهواء، وتفرَّقت الآراء، فعليك بعلي بن أبي طالب؛ فإنَّه إمام أمتي، وخليفتي عليهم من بعدي، وهو الفاروق الذي يميز بين الحقِّ والباطل، من سأله أجابه، ومن استرشده أرشده، ومن طلب الحقَّ مِنْ عنده وجده، ومن التمس الهُدى لديه صادفه، ومن لجأ إليه آمنه، ومن استمسك به نجَّاه، ومن اقتدى به هداه.
يا ابن سمرة، سَلِمَ من سَلَّمَ له ووالاه، وهلك من ردَّ عليه وعاداه.
يا ابن سمرة، إنَّ عليًّا مني، روحه من روحي، وطينته من طينتي، وهو أخي وأنا أخوه، وهو زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الاوَّلين والآخرين، وإنَّ مِنْه إمامَي أمتي، وسيدَي شباب أهل الجنة: الحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين، تاسعهم قائم أمتي، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلِئت ظلمًا وجورًا". (الأمالي للصدوق ص78).
 
ومحصِّلة المقدمة الثانية هي إحراز القوس الثاني من قوسي الخلافة الإلهية التي انطلقت بآدم (عليه السلام) وتنتهي بالمهدي من آل محمد (صلوات الله وسلامه عليه).
 
• المقدَّمة الثالثة:
 
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم على لسان الملائكة الكرام (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ).
 
في تصوري أنَّ التخوف من الإفساد وسفك الدماء هو الذي كان مسيطرًا على الملائكة، وهو كاشف عن القصور الفكري العميق الذي يعيشه الإنسان في كُلِّه التكويني، فلا يتمكن من إشاعة التسبيح والتقديس، وهذا ما علِمَه عنه الملائكة، ولكنَّ الجواب الإلهي جاء مؤكِّدًا على القوسين المُتَحصِّلين من المقدَّمتين الأولى والثانية، وجوهره كما عن تفسير العسكري (عليه السلام): "ثمَّ قال: وعلَّم آدم الأسماء كلها، أسماء أنبياء الله وأسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهما، وأسماء رجال من خيار شيعتهم وعصاة أعدائهم، ثمَّ عرض محمَّدًا وعليًّا والأئمَّة على الملائكة، فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين.." (بحار الأنوار للمجلسي ج11 ص117).
 
وبذلك، فإنَّ الرافع للتخوُّفِ من قضية الإفساد وسفك الدماء، ليس إلَّا الخلافة الإلهية المتمثلة في الخلق الكامل الطاهر للأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام).
 
مشكلة:
 
في نظري، إنَّ القضية تدور حول المقدار الهائل من الغرور الذي يعيشه الإنسان، فهو يريد التخلص من كلِّ قيد، حتى لو كان المُحَقِّق لقوله عزَّ وجلَّ (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)!
 
ولأنَّ الكثير منَّا يعيش ردَّ فعل خطير ضدَّ مقتضيات الولاية (وهذا ما سوف أبيِّنه في المقال القادم إن شاء الله تعالى)، فإنَّنا اليوم، نشهد الكثير من دعاوى التخلص من الاتصال بالفقهاء، وهذا مفهوم - في نظري - وإنْ تلبَّست تلك الدعاوى بقميص العلمية.
 
وقد وصلنا مؤخَّرًا إلى توجُّهات تفرض على الجميع تحمُّل خياراتها، وكأنَّها هي الخلافة الإلهية في الأرض!
 
كيف كان، فنحن اليوم نواجه أصعب الامتحانات وأكثرها جِدِّيَّةً، والسؤال الذي ينبغي أن يُطرَحَ:
 
ما هو تكليف المؤمنين في زمن غيبة الخليفة المعصوم القائد (عليه السلام)؟
هل يُسلِّمون للطغاة والجبابرة؟
هل يعيشون الذلَّ والخنوع؟
 
أم:
 
يقاتلون ويجاهدون ويبذلون ما يملكون حتى ظهور القائد المهدي (عليه السلام)؟
 
ثُمَّ:
 
إلى أيِّ درجة يتسامح الله تعالى مع المؤمنين في أمر الدماء والأعراض إذا ما أخطئوا التشخيص؟
 
• ملاحظة مُهِمَّة: كان من المفترض أن يستطرد المقال في الإجابة على الأسئلة أعلاه وغيرها، ولكِنَّ الإشكال الذي طرحه البعض، جعلني أتريث وأترك مجالًا للقارئ الكريم لإجالة النظر وإطالة الفكر في قضية أحسبها من أهم وأعقد القضايا الفكرية التي نعيشها اليوم.

ويبقى سؤالان أطرحهُما الآن وفي خاتِمَة كل حلقة من حلقات هذه السلسلة:
 
بأيِّ عينٍ وثقافةٍ ونَفْسِيَّةٍ ورُوحيَّةٍ نقرأ كتابَ الله المجيد وأحاديثَ المعصومين (عليهم السلام)؟
 
هل نحن على الطريق الصحيح أو أنَّنا في حاجة إلى مراجعات عاجلة وجادَّة جِدًّا؟
 
نلتقي في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى..
 
 
18 إبريل 2015

No comments:

Post a Comment