Friday, April 10, 2015

مبررات الانحراف // أبو مقداد

 
 
لكلٍّ فعلٍ قيمتُهُ الإيجابية بالنسبة للفاعل، بغض النَّظرِ عن ما إذا كان هذا الفعل صالحًا أم فاسدًا!
فمثلًا مَن يتصدق ويبذل من ماله الخاص لوجه الله دون فائدة مادية تعود عليه، هو ينتظرُ أمرًا إيجابيًا بالنسبة له، وهو رضا الله وثوابه، ومن يسرقُ من أحدٍ مالًا، فهو ينتظرُ أمرًا إيجابيًا بالنسبة له أيضًا، وإن لم يكن أمرًا إيجابيا في أصله، وهو أن يحصل على المال الذي يحتاجه ليسد فراغه بواسطة هذه السرقة.
 
من هذه النظرية، أقول إن أراد صاحب فعلٍ ما أن ينشر ويعمم فعلته كحالة ثقافية، ينبغي عليه أن يتبع آلياتٍ معينه، يتمكن من خلالها صنع ثقافة وخلق واقعٍ جديد مختلف، فمثلًا حين يريد صاحب الصدقة أن يحول الصدقة لثقافة تكافلية للمجتمع، وسمةٍ يُعرف بها، وثقافة يمارسها، ينبغي عليه أن يعمل وفق آليات وتقنيات خاصة، لا أن تكون عشوائيةً أو متخبطة، إنما يحتاج - مثلًا - لمخاطب الناس بلغتهم ولغة عصرهم واحتياجاتهم، أن يحاول أن يشعرهم بضرورة وأثر هذه الثقافة، لا أن يكتفي بقول: من تصدق فله حسنة وأجر، إنما بالطبع هناك آثار ونتائج لنشر مثل هذه الحالات في المجتمع، وهذا مثال للتوضيح لا للتفصيل. الحالة الثانية هي حين ترغب في نُصح السارق بأن يتّقِ الله، وأن ينتهِ عن هذا الفعل القبيح، ينبغي الحذر الشديد في التعامل معه كي لا ينفر من ناصحه، فهو كما أسلفنا يعتقد في بواطن عقله أن ممارسته لهذا الفعل أمرًا إيجابيًا، وتركه لهذا الفعل أمرٌ سلبيٌ بالطبع، لذلك فمن غير المعقول أن تحاول حث سارقٍ على أن يتصدق مثلًا، لهذا أقول كذلك تحتاج لتقنية خاصة تخاطب بها هذا الإنسان أو هذا النموذج.
 
الكثير من المغريات قد يتعرض لها الفرد، وتحرفه عن الحق بالباطل، ولتعذر وجود المعصوم بيننا، وغياب صاحب الزمان عنّا، فإن مسؤليتنا تجاه الأمر والباطل على مستويين:-
الأول: أن نسلم بأحقية أمر ما أو بطلان أمر ما، لوجود نصّ عليه، كوجوب الصلاة وحرمة الزنا!
الثاني: أن نحتاط في حكمنا بأحقية وبطلان أمرٍ ما، لعدم وجود نصٍ ولتعذر المعصوم كما أسلفنا، وفي الاحتياط مستويين، مستوى نقلد فيه فقيهًا ونعمل بحكمه، ومستوى لا تقليد فيه، فنبقيه على حال الاحتياط. وفي وجه هذه المغريات وسوء ظروف المعيشة وصعوبة الحياة، قد ينجرف البعض لاهثًا خلف لقمة عيشه فيخسر مبادئه، وقد يبحث عن منصبٍ فيبيع مجتمعه، وقد يطمع في جاهٍ فينقلب على دينه، لا أغفلُ طبعًا أثر ودور الغزو الثقافي الذي يمارس ضدنا لحرفنا عن أي طريقٍ قد يوصلنا للحق. هنا لا أبرر أبدًا للمنحرف انحرافه ولسالك طريق الباطل سلوكه، إنما أشير لأمر مهمٍ جدًا ينبغي أن نلاحظه، ألا وهو أن لهذا المنحرف أو لمن يتخذ الباطل طريقًا له، أمور عديدة سببت له هذا الانحراف، ولو تمكنّا من علاج وإصلاح هذه الأسباب، سنتمكن من إنقاذه أولًا وحماية الكثيرين منها.
 
يقول الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رض) في كتابه مجتمعنا:
"الهاربون من مسرح الحياة اﻻجتماعية، المنعزلون عن الناس زهدًا وتعففًا وتقوى (كما يدّعون) هم في الحقيقة هاربون من المسؤولية."
 
لذلك فإن مسؤلية نشر ثقافة الحق، وإصلاح الثقافات الفاسدة وإنقاذ الناس وحمايتهم منها، هي مسؤوليتي أنا، وأنت، وهم، ونحن، وكل أفراد المجتمعِ معنيون بأن يساهموا في أن ينتشر الحق وينزهق الباطل، وإلا فلا عذر لهم على هروبهم من هذه المسؤولية، ويجب أن لا يتكل أحدنا على الآخر بل أن روح المبادرة تحتاج لأن نتقلدها جميعًا كمجتمع، لنتمكن من صناعة واقعنا المثالي الراقي.
 
الفئة المنحرفة ليست فئة منبوذة بيننا، ولا يجب أن تكون كذلك، بل هي أكثر فئة تحتاج لأن نتصالح معها، ونتعايش معها ونتآلف، وأن نفهمها حتى نتمكن من فهم دواعي انحرافها فنساهم في إصلاحها على أقل تقدير إن لم نستطع أن نصلح هذه الفئة، وأساسًا أجد تصنيف المجتمع وفق معادلة الفئة المؤمنة والفئة المنحرفة تصنيف ظالم تافه، وأول ما يصنعه هذا التصنيف هو بناء حاجز بين فئات المجتمع وطبقاتهم وعزل مجموعة عن أخرى مما يُصعب لغة التواصل بين الفئات لاحقًا، ولكن تسامحًا، وحتى تصل فكرتي أستخدمها هنا. لهذه الفئة التي توصف بأنها منحرفة - كما ذكرنا في بداية المقال - قيمة إيجابية لما تقوم به، ولو اخترقنا صفوفهم وحياتهم وشاركناهم همومهم لربما اتضحت لنا مبررات كثيرة تدفعهم ليكونوا ما يكونوا عليه، فمثلًا، السارق حين يسرق ونعزله عن المجتمع ونشير له فلان اللص، لا نعتقد بأنا بشكل الأشكال نساهم في توعية والارتقاء به وبمجتمعه، إنما ندمره مع الإبقاء ع مسببات حالته، بينما لو بحثنا في مبررات سرقته، واكتشفنا مثلًا أنها الفقر والحاجة، أو مشكلة في تربيته وتأسيسه، لتمكنّا بشكل من الأشكال إصلاح هذا الخل أو محاولة عدم حدوثه لآخرين من حولنا!
 
الكثيرون ممن يتخذون خيارات، وسلوكيات خاصة بهم، تختلف مع منهجيتنا أو أفكارنا، أو الحق الذي نحتاط و نعتقد بأننا نلتزم به وبحذافيره، نبدأ تلقائيًا في عزلهم عنا وعن مجتمعنا وعن بيئتنا، ونحرمهم حتى من أن نفترض لهم أسبابًا جعلتهم يسلكون هذا المسلك، وبشكل عاجل نطلق حكمنا عليهم بأنهم أناس سيؤون ومنحرفون، نعم.  ربما يكونون كذلك، ولكن السؤال هنا، ما هي وظيفتنا تجاههم، وطريقهم الذي اختاروه؟ ننبذهم، نحاول إصلاح ما نتمكن منه؟ نستفيد من تجربتهم على الأقل؟

#تأمل!

في مجتمعنا، وقبل أن نطلق أحكامنا على الآخرين هناك صنفان من الناس والحالات التي سنتعامل معها، الأول هو الصنف القريب منا، من بيئتنا أو القرية أو مجتمعنا الضيق، والصنف الثاني هي من المجتمع العام على مستوى واسع قد يصل على مستوى الوطن البحراني أو أكثر من ذلك، أقول أولًا أنه لا يوجد فرد في أي مجتمعٍ أنتمي له يقع خارح دائرة مسؤوليتي، فـ"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" سواء أكان هذا الفرد في الدائرة الضيقة أم المفتوحة في المجتمع، ثانيًا، إن موقع كل فرد بالنسبة لي تفرض عليَّ آليات وأساليب مختلفة في مخاطبته، فمثلًا إن كان هذا الفرد ابني أو أخي فالعملية أسهل من إن كان شخصيةً عامة في المجتمع!

أحدهم يكفي لمخاطبته اتصال، وربما أحدٌ آخر يحتاح لتعميم حالة ثقافية حتى يُصلَحُ حالُه، المهمّ في الأمر أن كليهما في دائرة المسؤولية، وبالطبع تختلف مسؤوليتنا تجاه كل فرد.

أن نطلق أحكامنا على أحد ما لا ينبغي أن يكون أولًا من باب الحسم بأن فلانًا على باطلٍ إن لم يكن من المحسومات كما ذكرناه أعلاه، فشارب الخمر يمارس رذيلة بلا شك، ولكن الكثير من الممارسات لا بد لأحكامنا فيها أن تأخذ منحى الاحتمال والاحتياط، وثانيًا لا ينبغي أن تُتخذ الأحكام قبل فهم دواعي ومبررات ومؤسِّسات السلوك الذي دفعنا لأخذ هذه الأحكام، لنتجنب ظلم الآخرين ولإيجاد مساحةَ إصلاحهم أو غيرهم، بعد إصلاح أنفسنا طبعًا.

ختامًا أقول.. كل نفسٍ أمارة بالسوء، إلا ما رحم ربي، وكل نفسٍ تحتاج لبقية الأنفس للتتعايش معها، لتؤثر فيها، وتتأثر منها، ليبقى المجتمع في حركة دائمة ضد الجمود..
"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى، وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم"



11 إبريل 2015

No comments:

Post a Comment