Friday, May 1, 2015

الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها (27) "رُؤى من القرآن والعترة (8)/ سلوك الوصاية / محمد علي العلوي




نَقْدُ الثقَافَةِ أكْثَرُ مشَقَّةً مِنْ نَحْتِ الجِبالِ قُصُورًا للسَلَاطِين..

ليست المسألة مسألة إصرار، ولكِنَّها أصل من الأصول التي تقوم عليها الفكرة الماركسية مقدِّمة انحصاريَّة للشيوعيَّة باضمحلال وتلاشي الطبقات في طبقة واحدة، فتحريك البروليتاريا باستبداد مقرَّرٌ أدبيًّا، هو في الواقع مرحلة يتوقَّف تحقُّق الرؤية الشيوعية عليها توقُّف النهار على طلوع الشمس، ولذلك، فإنَّ مَنْ لا يؤمن بالحراك (الثوري) للبروليتاريا، عليه الصبر بصمت تام؛ فهو لا يعرف مصلحته، وعليه التسليم للتعقلات الماركسيَّة، وإلَّا فهي قاضية بعزله إن لم يكن القضاء عليه!

فالماركسيَّة وعلى المستويين النظري والعملي قائمة على فكرة (أرى ما لا ترون).

إنَّه وبالرغم من القطع الجازم اليقيني، بأنَّ الحقَّ مع علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وإنَّ مصلحة الناس في بيعته والتسليم له، إلَّا إنَّه (عليه السلام) لم يفرض نفسه خيارًا على أحد..

ينقل السيد مرتضى العسكري في كتابه (عبد الله بن سبأ/ ج1 ص143) عن أنساب الأشراب (ج1 ص591)، وعن الجاحظ في العثمانية، أنَّ سلمان الفارسي قال حين بويع أبو بكر: "كَر داذ وناكَر داذ، أي: عملتم، وما عملتم، لو بايعوا عليًّا لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم".

ولكِنَّه..

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ: "دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) بِذِي قَارٍ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، فَقَالَ لِي: مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ؟

فَقُلْتُ لَا قِيمَةَ لَهَا.

فَقَالَ (عليه السلام) وَاللَّهِ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ، إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقًّا أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا".

عندما يُعرِضُ أميرُ المؤمنين (عليه السلام) عن إمْرَةِ المسلمين، فهذا لا يُصحِّحُ خياراتهم كما يظن البعض فيقول: لو كانت الخلافة حقًّا لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ولم يسعى لانتزاعها لكان متخاذلًا في ما لا يحق له التخاذل فيه، وبما أنَّه لم يسعى، بل وعمِل بإيجابية من غاصبي حقَّه في الخلافة، فهذا دليل ناقض لدعوى الشيعة الإمامية.

أقول: لا شك ولا شبهة –في نظري- في صعوبة تغيير هذه النظرة، فهي متشربة متغذيَّة، يقوم صلبها على جوهر وروح الانتزاع وإقصاء الآخر متى ما أمكن، والحاكم هو (أرى ما لا ترون)، وهذه العقليَّة لا تتمكن من استيعاب معادلة الاتصال بين الشهود والغيب، فهي لا ترى (قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)، وكذا يصعب عليها الانسجام مع (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).

أمَّا عليٌّ (عليه السلام) والخِلَافة، فلو كان الناس بمستوى التسليم له بها، لكان ذلك وتمَّ، ولكِنَّ عدمه يعني أنَّهم لم يصِلوا بعد للمستوى الثقافي المُغيِّر للمعادلات، وبالتالي، فإنَّ سعيه (لانتزاع الخلافة) لا معنى له في حكم العقل وموازين المنطق؛ وهذا لأنَّ الإسلام دينٌ يقوم في أتباعه على القابليات العلمية، ولذلك خاطب الله تعالى المؤمنين فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً)، وهي دعوة تحتاج في تلبيتها لكثير علم ومعرفة، وذلك لعَطفِ (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).

إنَّني لم أقف على نص فيه أنَّ المعصوم يتحدث باسم (الشعب) أو (الأمَّة)، ولكِنَّ هذه السياسة ختمت سيرة المستبدِّين على مرِّ التاريخ، حتى أظهرتها الشيوعيَّة واضحة وفي خطابات قويَّة، امتدَّت في التوجُّهات القوميَّة وغيرها من حملة رايات التصدِّي، ولذلك فإنَّ أغلب الأحزاب في البلد الواحد تدَّعي النيابة عن الشعب، ومثلها نظام الحكم في نفس بلدها، فالظالم والمظلوم والمتعاكسون والمتضادُّون، كلُّهم يتحدَّثون باسم نفس الشعب، وبنفس القوة والثِقة، ولذلك ساغت المواجهات والصدامات، وأصبحت كلُّها من أجل الحق وإحقاقه، فهذا يفعل ما يفعل قربةً للقضية وإخلاصًا ووفاءً للشعب، وهذا يُعَذِّبُ في سجونه حفاظًا وصيانة لأمن الشعب، والمُعَذَّبُ يخرج بعد حين بطلًا لأنَّه صبر صامِدًا لخلاص الشعب!

المشكلة ليست فقط في ادِّعاء النيابة عن الشعب، ولكِنَّها في استحالة العمل بسلام؛ إذ أنَّ الآخر ضِدٌّ بالضرورة، وهذه مسألة تحتاج لتأمل طويل جِدًّا من القارئ الكريم..

ومن جِهَةٍ أخرى، فإنَّ كُلَّ حاملِ راية يرى لنفسه الحقَّ في تحميل (الشعب) مسؤولية قراراته، ولا يتمكَّن من تصور المخالف في غير خانة الضِدِّ الذي لا مفرَّ من ضرورة تجاوزه أو حرقه!

وبالتالي، فإنَّ الشعب –في حقيقه الأمر- يتحمَّل مسؤوليَّةَ قرارات وأفعال كُل رايَةٍ في الساحة، وكُلَّما وقع في ضرر، فإنَّ كلَّ راية تُحمِّلُ غيرَها مسؤوليَّةَ ما وقع فيه (الشعب)، وهكذا تدور الطاحونة، وكُلٌّ يدَّعي تحمُّل المسؤولية، وفي الواقع، لا يتحمَّلها غير الشعب.

هذا بعيد عن الإسلام..

الإسلام في أحد أربع:

الأولى: قيادة المعصوم (عليه السلام)، ولا كلام.

الثانية: التأييد المطلق من الشعب، وهذا في الغالب متعذِّرٌ.

الثالثة: التوافق بين أطياف الشعب، وهذه ثقافة عالية، يرفضها أصحاب الرايات، فهي تعتمد الأناة في التأسيس والبناء، وتلك تريد حرق المراحل وإعادة حرق الحرق والمحروق، وفي أدبياتها، فإنَّ هذا هو قمَّة الحنكة السياسيَّة، وفي نفس الوقت، رأس الهامة (الثورية).

الرابعة: الاحتياط.

وبيان الثالثة يأتي في المقال القادم إن شاء الله تعالى.

ويبقى سؤالان أطرحهُما الآن وفي خاتِمَة كل حلقة من حلقات هذه السلسلة:

بأيِّ عينٍ وثقافةٍ ونَفْسِيَّةٍ ورُوحيَّةٍ نقرأ كتابَ الله المجيد وأحاديثَ المعصومين (عليهم السلام)؟

هل نحن على الطريق الصحيح أو أنَّنا في حاجة إلى مراجعات عاجلة وجادَّة جِدًّا؟

نلتقي في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى..


 
2 مايو 2015

No comments:

Post a Comment