Friday, May 29, 2015

ما يطفح الا اللوح \ ابو مقداد

 


 
من الأمور المؤسفة التي بُليَ بها المجتمعُ في وجهة نظري هو الاهتمامُ بسفاسف الأمور وتوافهها، فتجد الكثير من أبناء المجتمعِ لا يلفته ويشدّ انتباهه من البحرِ سوى زبده، أو حسب تمثيل المثل المذكور أعلاه لا يرى من البحر سوى ( اللوح الطافح ) ومشكلة حقيقة سنواجهها إن حولنا البحر كل البحر، لمجرد لوحٍ طافح!!
وعلى مستوياتٍ صغر حجمها أو كبر، سنجدُ أننا أمام مشكلاتٍ كبيرة ترتبت لسطحية نظرنا من جهةٍ وتفاهةِ اهتماماتنا من جهةٍ أخرى.

فمثلا نحن الشيعة أكثر ما نتمسك بهِ في عقيدتنا ويغذينا الولاء والتشيع هي قضية كربلاء الحسين، والتي تمثل الرافد الأبرز للتشيعِ، لما تحمل من قيمٍ سماويةٍ عظيمةٍ ومبادئ إسلامية مهمة وروحٍ رساليةٍ أساسية ونماذج تضحوية صريحة، وغيرها من التأسيسات المهمة والضرورية لبناء شخصية الإنسان الشيعي الحسيني، ولو اغترفنا في كلِّ يومٍ عبرةً من عِبَر كربلاء لما نفذَ بحرها الزاخر بالعطاء، إلا إننا نجد أن الكثيرون بيننا وعلى مدى سنينَ طويلةٍ نمرُّ بها، يختزل الحسينَ وقضيتهِ في مسألة موضوع التطبير مثلا، هل هو طقسٌ خرافي محرَّم، أم شعيرةٌ أساسية مستحبة؟ 
صراعٌ ننتظره كلَّ عامٍ ما إن يهلُّ هلال محرمٍ الحرام، يشغل فئة لا بأس بها ممن رفعوا " لبيك يا حسين" شعارًا لهم!
وحقيقةً لو تتبعنا أكثر الاهتمامات التي يهتم بها أبناء المذهب بالنسبة لقضية الحسين عليه السلام، لوجدنا أن الكثير منها - إن لم يكن الأكثر - هي من قشريات قضية الحسين العميقة والغزيرة والغنية بالقيمِ الكبرى. لن أدخل في التفاصيل، وسأتركها للتأمل!!


تابعتُ على مدى أيامٍ مضت .. موضوعًا  أثاره أحد علماء الدين عبر موقع التواصل بخصوص علاقة رجلٍ متزوجٍ بامرأةٍ متزوجة، وكيف برر علاقتهما وأسقطها على روايةٍ تذكر بأن سلمان المحمدي كان ينادي الصديقة الزهراء بلفظ " حبيبتي "، وتابعت الكثير من الردود التي صاحبت الموضوع في أربع مشاركات منفصلة، بالإضافة للكثير من الردود التي قرأتها خارج المواضيع الأربعة، وبشكلٍ منفصل في حسابات أخرى أو في برامجَ أخرى كالواتس أب ..

هنا لا أرغب في الهجوم على هذا العالم وموقفه وفكرته، ولا أودّ الدفاع عنه أو عن موقفه وفكرته أيضًا .. إنما ألتفتُ لأمرٍ آخر ومن زاويةٍ غير التي نوقِشت وأشبعت نقاشًا في الأيام المنصرمة، وأتمنى ممن يقرأني أن يفهم تحديدًا ما أقصد وأرمي له، إذ أني لن أناقش ما احتواهُ موضوعهُ تحديدًا وإن كان مصيبًا أو جانبَ الصواب، وإن لم يكن مقصدي واضح، سأستقبل النقاش حوله.. 

 * من خلال متابعتي للردود الكثيرة والتي تجاوزت الـ ألف ردٍ على الموضوع لمثار، ما ألاحظه أن أغلب الردود كانت في إتجاهين، الأول مدافعًا عن فكرة الموضوع، ليستخدمهُ كشرعيةً تناسب مقاسه، ويبرر انحرافاته ولو بجزءٍ مما قاله رجل الدين هذا بتأويلاتٍ أو تفسيرات معينة، والثاني اتجه لتسقيط شخص رجل الدين بشكلٍ مباشرٍ، أو غير مباشر ولاحظت أن بعضًا منهم كان من رجال وطلبة العلوم الدينية للأسف .. والقليل جدًا ممن رفض التسقيط لأن القائل رجل دين. والمشكلة أن أقل فئةٍ هي من ناقشت المضمون بشكلٍ علميٍّ هادئ محسنةً للظن في شخص الكاتب. 
بغضّ النظر عن صحة الفكرة من عدمها، فإن المشكلة التي ألاحظها حسب وجهة نظري، هي من جهةٍ في التوجه الشرس لإسقاط شخص صاحب الفكرة وسرعة وصفه بالضال المضل ونزع عمامته من على رأسه وغيره من الصفات، متجاهلين تأريخًا قضاه في طلب العلم ونشره، وبدون أن يتكلّف أحد بطرق بابه لمناقشته، وإن حدث فلم يُنشر أي بيانٍ بذلك حسب علمي حتى وقت كتابة هذا المقال .. أحدهم يقول إذا سقط العالم كهذه السقطات فعلى الدين السلام، والآخر يقول منذ زمنٍ كنتُ أشكُّ أصلًا في نواياه!! 

بغض النظر عن أن الشخصية المعنية هنا هو كاتب ذاك الموضوع ذاته، أنا أتحدث حول فكرة سرعة التسقيط هذه، واعلان البراءات وما لذ وطاب من الإتهامات، التي يتعرض لها، وطبعًا تعرض لها كثيرون قبله والأسماء معروفة، يطرحون فكرة تختلف عن ما هو متعارفٌ عليه في المجتمع، قد يكونونَ مخطئين فعلًا وقد لا يكونون، إلا أنهم من المؤكد أنهم ساقطون اجتماعيًا لا محالة بسبب فكرتهم هذه! أيعقل أنا لا نملك طرقا ووسائل لنعالج بها اختلافاتنا وأخطاءنا غير التسقيط والحرب؟!
ألا نملك استعدادًا لتصحيح أخطاء المجتمع الداخلية بنفس حجم استعدادنا لتسقيط أي شخصية تخطئ أو لا تتوافق مع أهوائنا أو تفكر بطريقة اختلفت عن ما نعتقده في مجتمعنا أو تديننا .. ونحن من ندّعي أننا أبناء مدرسة الباقر والصادق عليهما السلام اللذان أسسا أكبر مدارس العلم والفكر التي كانت تضربُ الأفكار بالأفكار ولم تدعُ يوما لما نمارسه هنا؟ لو نلاحظ قليلًا فقد تفوهت الكثير من الردود بما لا يرضي أهل البيت من إساءةٍ وقذفٍ وشتمٍ وتحقيرٍ وإساءة ظنٍ في كاتب الموضوع المعني، من أجل الدفاع عن مقامِ فاطمةَ الزهراء وإثبات أن سلمان المحمدي لم ينادِها بـ " حبيبتي " وكما يقول المثل الشعبي " ما يطفح الا اللوح" !!!

تأمل

* المشكلة الثانية، تُنشرُ في كل يومٍ العشرات من المقالات العلمية والدينية والثقافية والاجتماعية. وغيرها، والتي تحمل فائدة لا يستهان بها، فضلا عن الكتب الغير محدودة المتوفرة في المكتبات وفي الإنترنت، والأفكار الضخمة التي يجتهد أصحابها في التفكير والتأمل للوصول لها، سواء لهذا الكاتب أو لغيره، ولكن للأسف الشديد رغم وفرة هذه المواد إلا أننا أمة اقرأ التي لا تقرأ، وحجم التفاعل ونشر وقراءة هذه الكتب والمقالات المفيدة أقل من مجرد ضئيل، ولا تلاقي أي اهتمام، فهذه الأمور لا تجد بيننا رواجًا، ولا تجد بيننا محلًا ولا انتشارا، بينما وللأسف الشديد أن توافه الأمور وسفاسفها هي ما تلاقي الانتشار الواسع اللامحدود، واهتماما من أكثر طبقات المجتمع!!

كم كنت أتمنى - مثلا - لو تم هذا التحشيد للدعوة لصلاة الجمعة، أو الجماعة، أو لصلاة الفجر، أو لنبذِ الصراعات الحزبية داخل البيت الشيعي، أو الكثير من الأمور المهمة فعلًا والتي نغفل عنها في مجتمعنا وفي تديننا وفي مآتمنا وغيره، ولكن ربما لأن هذه الأمور تفتقد الـ"أكشن" فهي لا تستحق النشر والعناء، وكعادتهم البشر لا يميلون لحسن الظن والمصالحات والهدوء، لأنه لا يمنحهم الإثارة المطلوبة، وكما يقول المثل الشعبي " ما يطفح الا اللوح "

لست في مقام مناقشة ما طرحه كاتب الموضوع، وبغض النظر عن صوابيته من عدمه، أنا أناقش هنا سلوكيات يمارسها المجتمع، وفي كثير من الأحيان يُظلَم من لا ذنبَ له نتيجةً لهذه السلوكيات .. 

أقول في الختام: صحيح أنه : ما يطفح الا اللوح" فهو بطبيعته الخشبية لا يغوص ولكننا كبشر أصحاب عقولٍ وإدراك، لابد أن نعرفَ أن خلف اللوحِ هذا بحر كبيرٌ جدًا وفي أعماقه اللؤلؤ والمرجان، و يحتاجُ منا أن نغوصَ في أعماقهِ لننتفعَ به، وحتى اللوح الطافح هذا، ولأننا بشرٌ عقلاء، يمكننا أن نحولهُ لسفينةٍ تشقُّ أمواج البحرِ بدلَ أن نظل نشير للبحر دائمًا ونقول هناك لوح!

تأمل ..!

30 مايو 2015

No comments:

Post a Comment