Friday, May 1, 2015

شجعان من أجل التغيير / ايمان الحبيشي


 
 
 
الحياة في مجتمع كمجتمعنا، تستلزم أن يكون الإنسان شجاعا جدا، جريئا جدا، ومقداما جدا. ليس بالضرورة أن يكون شجاعا فيواجه تيارا ما، فمجرد بقائه حيا شجاعة! وليس بالضرورة أن يكون جريئا لأنه أذاع أمرا ما، فأحيانا مجرد أن يكون قادرا على الصمت جرأة، وليس بالضرورة أن يتقدم ليقوم بانجاز ما، فحين يقرر التوقف عن أمر يتجه اليه المجتمع، فذلك يعني أنه مقدام جدا.

يعتقد كثيرون أن تصحيح السلوك يكون بتغييره، والواقع أن خارطة الطريق لتصحيح أي سلوك، يكون عبر الأفكار لا الأفعال. فحين يتحول مجتمع روحاني لمجتمع مادي، فذلك لا يعني أبدا أن هذا المجتمع قد جرى تحول في سلوكه فحسب، انما كان تجلّي تغيير أفكار ذلك المجتمع تغيّر سلوكياته.  

اليوم نعاني من الكثير من السلوكيات والعادات الدخيلة والمضرة بالمجتمع، والتي نحتاج من أجل تغييرها، لتبنّي أفكار تختلف عن الأفكار التي صرنا نستقبلها من مجتمعنا باستسلام مؤذ. فعلى سبيل المثال؛ يتحدث كثيرون عن ظاهرة الاسراف بمختلف جوانبه، وقد يكون أبرزها، الاسراف الاجتماعي. فالزيجة التي يشار لها بالبنان، هي الزيجة التي كلّفت صاحبها ما كلفته، من مأكولات وزينة وقصائد وجلوات، وربما طرب! وصلة الرحم الممدوحة، هي تلك التي يجري خلالها تبادل لكل ما خف وزنه وغلى سعره من هدايا، حتى صار تقدير الإنسان للإنسان قيمته كائنة، بالقيمة المادية لتلك الهديه! 

هل نتمكن من تغيير سلوكيات الإسراف الاجتماعي، للتخلص من الويلات التي صارت تجرها علينا هذه الظاهرة، محوّلة ايانا من مجتمع قيمي لمجتمع مادي، عبر القدح في ظاهرة الاسراف؟ وعبر سطر الآيات والأحاديث التي تذمها، وتؤكد على الاعتدال؟ قطعا نحتاج لتلك الآيات وتلك الأحاديث لأنها العمود الفقري للقيم التي نحملها، كوننا مجتمع إسلامي موال، لكن لن تتمكن تلك المأثورات من تغيير نَحوِنا اتجاه الاسراف وحيدة منفردة، ذلك أن "حلاوة" الظهور الاجتماعي، وكذلك قسوة التيار الاجتماعي، مرتفعة جدا وستتألم الوحدة الاجتماعية حين تحاول منفردة الوقوف ضدها أشد الألم، اذ لن تأمن الهمز واللمز والاتهام، لذلك فما نحتاجه حقا، هو التأسيس الفكري الصحيح مقابل هذه الظاهرة بل كل ظاهرة سلبية لا تتناسب وطبيعة ثقافتنا وديننا وهويتنا. 

نحتاج لاستحضار القيمة الحقيقية للاعتدال، نحتاج لتوضيح نتائج الاسراف، نحتاج لإعادة ترتيب الأولويات، وكذلك نحتاج لإبراز الأثر المترتب على الإصرار على الظاهرة موضع الاهتمام. فالإسراف عند الثري قد يكون من لوازم وجاهته الاجتماعية، لكن تغير فكرة الناس تجاه "ضرورية" أمر غير ضروري، أثقل كاهل بقية الفئات الاجتماعية، حتى صار الخروج من شرنقة العزوبية، عبأً ثقيلا يفر منه الشباب، وتقع ضحاياه الفتيات. 

وعلى ذلك نستطيع القياس، حول مختلف الظواهر الاجتماعية والسلوكية السلبية، والتي صارت تؤرقنا، وتمتلأ منتدياتنا ومنابرنا بالحديث عنها، دون أن نلحظ انحسارها، بل على العكس نراها تتفاقم وتتسع وتختلف أشكالها ومجالاتها. 

نحتاج لاتباع طريقة علاج مثمرة، نواجه بها السلوكيات المرضية، بحيث تأخذ المجتمع نحو تصحيح بعض الانحرافات التي قد يتسبب بها، التطور المادي والالكتروني والاجتماعي، ونحتاج حينها لنماذج فريدة لا يخلو منها مجتمع متطور قابل للتغيير، هي نماذج لأفراد أو جماعة أو فئة، جريئة وشجاعة ومقدامة، تكون قادرة على تشخيص المشكلة وطرح حلولها، لا نظريا بل عبر جرأة التنفيذ. لذلك فلا يمكنني المرور ببساطة على واقع فتاة آمنت بالزواج كمؤسسة وجودية، أكبر من حفلات باذخة يرمي الشاب على أعتاب صالتها ما يكفيه الحياة لسنوات قادمة، فأخذت على عاتقها الوقوف بقوة، أمام همسات اللمز والاتهام بالبخل بل والذل لكونها "فلتت روحها هالفلتة"! لا يمكنني أن أقف دون تصفيق لشاب واجه مجتمعه حين قرر الارتباط بفتاة قيمتها "ما تحمله من أخلاق" لا من جمال أو لقب، غير مكترث بما عاشته من ظروف اجتماعية سبقت زواجه منها ككونها أرملة أو مطلقة!

من الملاحظ في دول الغرب، أن وسيلة تغيير المجتمع، تكون عبر ضخ ملايين الأفكار وبمختلف الوسائل، المقروءة والمسموعة والمرئية، للدفع اتجاه رؤية محددة. لقد تحولت المجتمعات لتكون سوقا استهلاكية ضخمة عبر تغيير أفكار الانسان، وعبر اشعاره بحاجته للمزيد من المنتجات الكمالية، حتى تستمر الأسواق الاقتصادية بالانتعاش. فكانت الملعقة أداة الطهي الرئيسية ترافقها طنجة الطبخ، فتحولنا لملاعق خشبية، وبلاستيكية، وملاعق وأواني طبخ سهلة التنظيف، قاعدتها مصنوعة من معدن خاص، ومقابضها مصنوعة من عازل حراري، وهكذا تحولت مطابخ الانسان لمستودع أوان وأجهزة الكترونية من أجل طهو ما لذ وطاب من الطعام. لا أقصد من خلال مثالي، تقييم الحاجة لتلك المنتجات، لكن الهدف هو توضيح كيفية تغير أفكار الناس وبالتالي أنماطهم السلوكية. 

الحديث عن الظواهر والسلوكيات الاجتماعية، من الممكن اسقاطه على السلوكيات الفردية، يستطيع كل فرد فينا أن يغير الكثير من سلوكياته المؤذية بسلوكيات صحيحة ليست على مستوى الاخلاق والتدين فحسب بل حتى على مستوى العادات الصحية والحياتية.


 
2 مايو 2015 

No comments:

Post a Comment