Saturday, May 9, 2015

الخطبة الزينبية دلائل وعِبر // محمد يوسف العرادي




الخطابة فن وموهبة، وتزداد أهميتها عندما تجمع المنطق والارتجالية معاً، لتصوغ خطبة عصماء تهز القلوب والأسماع، فالصوت ونبرته تعطي كاريزمية قوية في التأثير على الجماهير، ولكن ليس كل شخص قادر على ذلك مهما بلغ من المواهب الخطابية، ولو رجعت للخطب التاريخية فلن تجد مثل خطبة الزهراء عليها السلام في مسجد أبيها صلوات الله عليه، فرغم إحاطتها بالأعداء والمغرر بهم إلا إنها عندما ( أنت أنة أجهش القوم بالبكاء فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة، حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم ) لقد كانت خطبة عظيمة هزت أركان مدينة الرسول صلى الله عليه وآله، وكان لها الأبعاد الخطيرة في زعزعة الحكم الجائر على مر التاريخ، ومن هذه الخطبة الشريفة استلهم آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي معالم فَقِهيه كان نتاجها كتاب ( من فقه الزهراء عليها السلام ) في خمسة مجلدات.

والسيدة زينب عليها السلام ليست غريبة عن هذا البيت المطهر فأبوها أمير المؤمنين عليه السلام صاحب الفصاحة وأمها سيدة نساء العالمين وجدها رسول رب العالمين، وأخواها سيدا شباب أهل الجنة، وجاءت كثير من الدراسات عن السيدة زينب عليها السلام لتركز على شجاعتها وصبرها، ولكن هناك جانب آخر يعكس علمها ومنطقها الذي لا يخرج من إمرأة غيرها، فخطبتها سلام الله عليها قد اشتملت على حقائق تاريخية تجلت في خطبتها الشريفة، فلقد كانت الأجواء التي ألقيت فيها هذه الخطبة أجواء مشحونة بالإرهاب، ولكنها رأت ان تكليفها الشرعي فضح الطاغية يزيد وحزبه لتكشف للعالم، جريمته النكراء على مر التاريخ والتي لن يغسل عارها (( ولا يرحض عنك عارها )) وقد اشارت السيدة زينب عليها السلام إلى عمر يزيد القصير وذلك إخبار بالمستقبل عندما قالت (( وأيامك إلا عدد )) وفعلا ان يزيد كما ورد في التاريخ عاش بعد فاجعة كربلاء سنتين وشهرين وأربعة أيام، وبعدها العذاب الشديد ومقدمة ذلك (( وجمعك إلا بدد )) والتفرق والنهاية، لقد كشفت السيدة زينب عليها السلام المجرمين الذين قتلوا سيد الشهداء عليه السلام للعالم كله بقولها (( فالعجب كل العجب لقتل الأتقياء ، وأسباط الأنبياء ، وسليل الأوصياء ، بايدي الطلقاء الخبيثة ، ونسل العهرة الفجرة )) لقد قالتها رغم السيوف المسلطة عليها وعلى أهل البيت الأطهار، لقد كانت كل كلمة في خطبتها سهما قاتلا في قلب يزيد، لانها عرَّته أمام من انخدع به (( وفعلت فعلتك التي فعلت ، وما فريت إلا جلدك، وما جزرت إلا لحمك )) و (( سترد على رسول الله بما تحملت من دم ذريته، وانتهكت من حرمته، وسفكت من دماء عترته ولحمته )) (( فلا يستفزنك الفرح بقتلهم )) فلا تفرح بنشوة نصرك الظاهري الهاوي فهو وعد إلهي (( ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله، وحسبك بالله ولياً وحاكماً ، وبرسول الله خصماً وبجبرائيل ظهيرا ))

ماذا أقول في خطبة كخطب أبيها وجدها وأمها الزهراء عليهم السلام، قد جمعت العبر والاعتبار، ولا تضاهيها في منطقها خطبة على مر الأيام والدهور، وسيكون صوت الإمام الحسين عليه السلام وصوتها يهز عروش الظالمين، وسيظل اسم زينب عليها السلام يرجف قلوب الحاقدين، وستظل كلماتها ونظراتها سهام في مجالس اليزيديين .

٩ مايو ٢٠١٥

No comments:

Post a Comment