Friday, May 15, 2015

هل فرَّقتنا الفرقة الناجية؟! / أبو مقداد




نعيش في مجتمعٍ يحكمه الدين الإسلامي والنهج العلوي في صورته العامة، وبسبب تعرضهِ للعديد من عوامل التعرية والتجوية، ومشاكل الغزو الثقافي، والحرب على المذهب، وإهمالِه للاهتمام بتثقيف نفسه وحماية نفسه من الوهن والضعف، فقد تعرَّض المجتمع الإسلامي الشيعي للعديد من النكسات على مرّ التاريخ، التي تركت آثارها على جبينه، فصار الخلاص منها ومـن تباعتها اليوم من أصعب الأمور، حتى ظن بعض أفراد المجتمع أن بعض هذه النكسات أو آثارها من سمة المذهب وأساسياتها فتكرست أكثـر فأكثر ...

ولأننا أمة إسلاميةٌ اعتمد إسلامها – للأسف- بشكلٍ كبيرٍ على البحث عن الفرقة الناجية استنادًا لرواية مرويةٍ عن رسول الله أنه تحدث عن الفرقة الناجية في إحدى وصاياه لأمته، فقد انشغلت كل أطياف المجتمع إما في البحث عن هذه الفرقة الناجية، أو في الصراع مع بقية الفرق الهالكة لإثبات أن فرقتها هي الناجية!

وهكذا نطوي سنين العمر في هذه الصراعات، التي لم نحصد منها أن عثرنا على هذه الفرقة من جهة ولم تتمكن أي فرقةٍ من اثبات نفسها أنها الناجية حتماً!


وفي خضمِّ هذا البحث المستمر، وفي مساحة شعارات تحرير العقول، والحريات كحرية التعبير عن الرأي، وأن لا شيء فوق النقد، كنوعٍ من الغزو الثقافي الذي تعرض له مجتمعنا، نجد أننا نواجه عدة مشاكل، منها: 

أن فهم مصطلح الفرقة الناجية والأمة الفائزة بشكلٍ خاطئ، وتكرسيه بذات الشكل، جعل كل الفرق المقابلة لهذه الفرقة - المحظوظة والتي يظن جميع المسلمين أنهم ينتمون إليها – في الفرق الخاسرة، وفرق النار والجحيم ومن هذا ما يمارسه علنًا الدواعش، ويستنكره الجميع عليهم، ولكن لو فتشنا في داخل مجتمعاتنا .. ترى . . على كم فكرٍ داعشي سنعثر؟
نحن لا نسفك الدماء ولا نستحيي النساء، ولكنا على استعدادِ بأن نقابل كل فكرةٍ لا تتفق مع أفكارنا أو انتماءاتنا أو خياراتنا بالتكفير المبطن أو غير ذلك، وكله باسم حرية التعبير وحرية النقد، صرنا أمةً تريد أن تنتقد كل شيءٍ في الوجود، وبالطبع فهي تحرم انتقادها، لأنها الفرقة الناجية ومن تنتقدهم هم من فرق النار كما أسلفنا!

فصار الجميع يعتقد بأنه الوحيد والأفضل وأنه شعب الله المختار، وأن سواه للأسف في قعر جهنم، بالرغم من أن فكر الغالبية وعقائدهم تتعلق بموروثات لا دخل لهم في اختيارها بشكلٍ رئيسي.

ولذلك فما إن تختلف فكريًا مع أحدهم، حتى تكون قد خرجتَ تلقائِيًّا من صفوف الفرقة الناجية للفرق الخاسرة، وتخلفت عن جيش الحسين لصالح جيش يزيد.

إن هذا الفكر وسيطرته على عقول الكثير حوّلنا فعلًا لأمة مفككة جدًّا، ليبني صاحب كل فكرٍ فيها فرقته الخاصة، فلا ضير أن تكون لوحدك تؤمن بشيء ما، فما دمت مقتنعًا، إذا أنت ناج، وهكذا صار يتولَد لنا من كلِّ فرقةِ فرق، في كل فرقةٍ منهم عدد لا بأس به من الفرق، وكلهم يدّعون بأنهم الفرقة الناجية، والأمر بالطبع لا يقف عند الإنشقاق الطائفي والمذهبي، إنما وللأسف الشديد يصل حتى لإختلاف الأذواق أحيانا ..!!

الكثير منا –وللأسف- لا يتمكن أبدًا من فهم الإختلافات هذه، ويقصر نظره عن الرؤية التعددية للأشياء، ولا يتمكن حتى من التعامل معها بشكلٍ عقلاني متزن، لذلك تجده قبال أي دعوة لفهم الآخر المختلف واحتوائه ينجر للتطرف لفكرته فورًا، يبتكر الجدل، ويخلق المبررات، ويستعين بأي شيءٍ قد يدعم رأيه أو فكرته أو ذوقه، وكأنه وحده من تسلّم الوحيَ الذي أملى عليه ما يحمله حاليا من أفكار.

حتى يكون من أصعب ما يمكننا أن ندعوا له في مجتمعنا هو أن نقبل الآخرين على ما هم عليه، من أفكار، آراء، أذواق، وجهات نظر، وغيره ..
وتعدُّ الدعوة هذه كلامًا إنشائيًا، بعيدًا عن إمكانية التطبيق، لا لشيء سوى أن الداعشية الفكرية أصبحت سمة بارزة!


في تصوري أن الفرقة الناجية التي يبحث عنها الجميع، من يؤمن بوجودها ومن لم يؤمن، لم تَدعُ يوما لبث الفتنة ولا لمحاربة أفكار الآخرين وقمعها، ولا بمحاكمة النوايا والضمائر، بل كانت تدعو دائمًا للألفة والتسامح والأخوَّة، نحن وللأسف نغفل عن الكثير مما يحث عليه الإسلام الذي نبحث عن فرقته الناجية، بينما نركز على قشريات أو جزئيات الأمور لنكفر بعضنا البعض من خلالها!

 وحيث أن الرواية هذه تكررت  بأكثر من صياغة لذات المضمون، فإن مدلولاتها لا يمكن أن تكون داعية لرفض الفرق الأخرى، ولا يمكن أن تهدف لتكفير هذه الفِرق على حساب الفرقة الناجية، فالفرقة الناجية هذه لا يمكنُ أن تُعرفَ تحديدًا قبل يوم الظهورِ أو القيامة، ولا نملك إلا أن ندعوا الله أن يجعلنا من الناجين، ويثبتنا على دينه القويم، وسراطه المستقيم.

سأختم مقالي بسؤالٍ لا أنتظر إجابته، وأتركه للتأمل ..
كم عدد الغاضبين لخلو الكثير من المساجد في  فترة صلاة الصبح..
وكم عمر الصراع بين أتباع المرجع الفلاني .. والمرجع الآخر؟!

بالإجابة على هذا التساؤل، يتضح حجم المشكلة الحاصلة ما بين الفرقة الناجية .. ومن يدعي الانتماء إليها!


16 مايو 2015

No comments:

Post a Comment