Saturday, May 9, 2015

مشروع "المشروع" .. الأستاذ أحمد الاسكافي أنموذجا // أبو مقداد



 
مجتمعٌ كالمجتمعِ البحراني، مجتمعٌ مليء بالطاقات والإمكانيات والفعاليات والأنشطة وغيرها، لدرجةِ أنك قد تزدحمَ في الليلة الواحدة أو في اليوم الواحد بأكثر من نشاطٍ وفعالية ولا تتمكن من إدراكها جميعها، وتتنوع الفعاليات في العديد من مجالاتها الدينية، والثقافية، والاجتماعية والرياضية، والعلمية والتربوية وما شابه ذلك من المجالات الغير محصورة، وحقيقةً فالمجتمع مبدعٌ ومنتجٌ في مجالاته، المشكلة التي تقع فيها الكثير من فعالياتنا وأنشطتنا والكوادر، هي غياب المشروع الحاضن للكثير من هذه الأعمال وعشوائية التنظيم، مما يفقدها روح استمراريتها، ويؤول مصيرها للانتهاء سريعًا رغم إبداعها وانطلاقها الجيد، فتضيع للأسف الكثير من نتاجات هذه الطاقات، وتتحول لتاريخ قد لا يُذكر أصلا، فقد نملك الكوادر وقد نملك المواد الأساسية لبناء أي لبنة لتأسيس نشاط ما، ولكن قد نفتقد التخطيط بعيد المدى والخطة الاستراتيجية التي تضمن لنا استمرارية المشروع وإثماره لأطول مدة ممكنة، وإيصاله لأجيال قادمةٍ بشكلٍ أوسع.

نملك في المجتمع بعض الأمثلة والشواهد للفعاليات والأنشطة التي كتب لها أن تنجح وتتحول بإذن الله لمشاريع ناجحة، ولكن في المقابل نملك العديد من الأمور التي وللأسف لم تكلل بالنجاح وكان مصيرها أن تندثر بسبب غياب المشروع والتنظيم، لذلك فإن ما أدعو له من خلال هذا المقال هو أننا نحتاج لأن نحول كل أفكارنا وتخصصاتنا لمشاريع جادة نعمل عليها ونؤسس من خلالها لقيام مشاريعٍ ضخمة تساهم في بناء المجتمع وصناعة جيلٍ متقدمٍ عن السابق.





 
أتطرق لفكرةٍ ربما بدأت صغيرة في حجمها ولكن لأنها كانت فكرة مشروعٍ لا فعالية فقط، فقد كُتب لها أن تستمرَّ لحد الآن لما يقارب الثلاثة عقود من الزمن، وهي فكرة مشروع تعليم الصلاة في قرية السنابس، والذي بدأه الأستاذ أحمد الإسكافي رحمة الله عليه في عام ١٩٧٧، وهو مشروعٌ لا يعنى فقط بتعليم الصلاة لأطفال المنطقة كما هو حال الكثير من المشاريع المشابهة إنما هو مشروع لإعدادهم منذ طفولتهم لأن يكونوا جيلا إسلاميًا، مثقفا، منغمسا في العمل التطوعي، ومشروع إنتاج كوادر لامحدودة في العديد من المجالات، فقد بدأ هذا المشروع في أحد مآتم السنابس وشيئا فشيئا انتقل للمآتم الأخرى رجالا ونساءً ثم انتقل للعديد من مناطق البلاد في حركة رسالية راقية. الطلبة الذين ينضمون لهذا المشروع عادةً ما يتم احتوائهم منذ البداية، عبر برنامجٍ شيق لتعليم الصلاة بما يناسب تلك المرحلة العمرية، وبنظامٍ تربوي خاص بهم، وبعد انتهائهم من دروس تعليم الصلاة يتم إدخالهم للمرحلة التعليمية الثانية، التي تشمل التعليم الديني والثقافي والاجتماعي، كما يتم صقل مواهبهم وهواياتهم، ليتم قبل انتهائهم من هذه المرحلة تهيئتهم للانخراط في اللجان المرتبطة بالمشروع الأساسي،  أو استثمارهم في عملية التدريس في المشروع، أو في أقل التقديرات فهم يُنتجُونَ كوادرا للعمل التطوعي الاجتماعي الإسلامي بشكلٍ عام.

ويذكر في اللائحة الداخلية للمشروع أنه "بعد انهاء الطالب جميع المستويات في الحلقة الثانية، ينتخب الإشراف الإداري بالتعاون مع مجلس إدارة المشروع الطلاب المتميزين لتشكيل فرقة التخرج، والتي تعتبر أنها مرحلة تدريب كادر تدريسي جديد مؤهل للعمل في سلك التدريس بالمشروع، وعلى صعيد آخر يتم ترشيح الطلاب الذين يمكن الاستفادة من خبراتهم للانخراط في المجموعات العاملة بالمشروع كالثقافية والترفيهية والإعلامية".
 




لو تمعنا في مثل هذا المشروع وتتبعنا أسباب نجاحه لوجدنا عدة أمور ساهمت في نجاحه واستمراره لهذه المدة الطويلة وبهذه الجودة وبهذا المقدار من التطور وهي عدة نقاط حريّ بنا أن نتأمل فيها و نفهمها ونمارسها:

أولا: بدأ المشروع في عام ١٩٧٧ على يد الأستاذ أحمد الإسكافي رحمه الله، وكان عمره آنذاك حوالي ٢٢ عاما فقط، وبدأهُ مع مجموعةٍ من شباب القرية الذين كان يدرس معهم واستطاع أن يبني الكثير منهم بناءً إسلاميًا، أي أن المشروع تأسس وبدأ واستمر دائمًا على أيدي الشباب، ولم يخضع لسيطرة كبار شخصيات المجتمع والمخضرمين، بل كان أحد سِمات هذا المشروع، أن يبدأه الشباب، ويستمر على يدهم، ولهذا فإن إيماننا بالطاقات الشابة والكوادر الفتية كبيرٌ جدًا على إحداث عملية التغيير، ولا استغناء بالطبع عن خبرات الكبار وأصحاب التاريخ والباع في المجال، ولكن في تصوري أن غالبية هذه المشاريع تحتاج لأن تعتمد على العقول الشابة والفتية لتنجح، وتستمر، وتثمر، فكهول اليوم هم شباب الأمس وقد أخذوا مساحتهم الكافية للانخراط في مختلف الأنشطة، ولا بد أن نعي كشباب بأن أطفال اليوم هم قادة المرحلة القادمة والجيل القادم ولا بد أن نهيأهم للقيادة، ونفسح لهم المجال حينها.

ثانيا: لم يكن همّ المشروع منذ البدء بأن يعلم الأطفال الصلاة وينتهي دوره، بل كان يؤمن بأن للعمل الرسالي دورة حياة لا تنتهي، ولا بد أن يسلمها كل جيلٍ للجيل الذي يليه، لذلك فقد وضع المشروع نقطة الانطلاقة ولم يضع نقطة الختام، حتى يضمن استمراره لأطول مدة ممكنة، فمن كل دفعةٍ تتخرج من المشروع، لا بد وأن تخرج لها عدد لا بأس بهِ من الكوادر والطاقات التي ستحمل همّ المشروع وتسلمه للجيل التالي.

ثالثا: لم يضع المشروع خطة تُحصدُ ثمارها في العام الأول من تنفيذها، بل كان خطته بعيدة المدى، وأتحدث هنا عن حوالي ٣٠ سنة من انطلاقه، وألاحظ عن قربٍ نتائج هذه الخطة وآثارها في المجتمع الذي انطلقت فيه الخطة والمشروع، وربما للآن مازالت في المشروع ثمارًا لم يحن موسمُ حصادها بعد، مما يعني أن طول مدى خطة المشروع وعدم آنيتها سرٌ من أسرار نجاحها واستمرارها.

رابعًا: لم يعتمد البرنامج على شخصية ورمزيتها فحسب، بل كان المشروع روحًا وهما يحمله جميع من ينتسب له، سواء أكانت الشخصية المؤسِّسة ( الأستاذ الإسكافي) موجودةٌ بينهم أم لم تكن، فهمّ المشروع قد زُرِع في روح كل فردٍ وسيحمله بكل أمانة ومسؤولية لمن يليه في الحياة الاجتماعية، بل وسيتعدى جدران المآتم ليدخل - أي همّ المشروع - لداخل المنازل ليساهم في العملية التربوية للأبناء.

خامسًا: استهدف المشروع أطفال المجتمع ليصنعهم ويؤسسهم من طفولتهم على أن يؤمنوا به وبفكرته وبمبادئ الدين الإسلامي ويحملوا همّ المشروع وروحه الرسالية في دمائهم. يقول أحد الأصدقاء الذين بدأ مع المشروع مبكرًا ولم ينتهِ مشواره معه لهذا اليوم: "لفَت انتباهي في المأتم مجموعة من الأطفال في مثل سنِّي يقفون للصلاة جميعا في صفوف متراصة ويؤدّون الصلاة بصوتٍ جماعيّ واحد، فأحببت مشاركتهم وتوقعت أن تنتهي المسألة بانتهاء الصلاة، ولكن فرحت عندما قال الأستاذ في النهاية، نلقاكم غدا في نفس الموعد وسنقرأ لكم قصةً بعد انتهائنا من الصلاة، فعدت لوالديّ أطلب منهما تسجيلي مع هؤلاء الأطفال لأشاركهم تعليمهم، وبالفعل حدث ذلك، وأصبح لي المأتم بيتًا ثانٍ، لدرجة أنني عندما كنت طفلا وأتشاجر مع أهلي، أهرب منهم وأتسور المأتم لأنام فيه، من شدة إيماني بأنه فعلا بيتي الثاني، وأكملت مشواري معهم حتى كبرت وأدمنت التواجد في المأتم والمشاركة فيه وأصبح المأتم هو أوكسجيني الذي أتنفس به الحياة، فصقل المشروع شخصيتي واكتشف مواهبي وأعطاني الثقة حتى انتهى بي الحال اليوم لأن أتسلم منصبًا مهما جدًا ورئيسيًا في أحدى اللجان وأكون أحد قادة المشروع"

هكذا يصنع المشروع نفسه، وتلك لمحات من ملاحظاتي الشخصية وأثق بأن هناك الكثير من العوامل التي لم أذكرها هنا. وددت أن أشارككم هذا المشروع أولا لنستفيد جميعا من قصة نجاحٍ لمشروعٍ ضخم جدًا ومهم جدًا، ثانيا لأقول لي ولكم، بأن تأسيس وإنجاح هذه المشاريع في غاية الإمكان، فقط نحتاج أن نريد ذلك!

هوامش:-
 
الأستاذ أحمد الإسكافي مؤسس مشروع تعليم الصلاة في قرية السنابس في سطور:
http://www.alsalat.org/upgrade/?page_id=41

نظام الدراسة، الذي يمثل اللائحة الداخلية للمشروع:
http://www.alsalat.org/upgrade/?page_id=46

موقع مشروع تعليم الصلاة - السنابس / للاطلاع والفائدة
http://www.alsalat.org/upgrade/

 

٩ مايو ٢٠١٥

No comments:

Post a Comment