Friday, March 14, 2014

آفاق و مدارك



قال لي أستاذي يوما هذه العبارة (يستجيب الفرد للحدث كما يدركه، لا كما هو في الواقع، فلربما وافق إدراكه الواقع وربما لا، وفي الحالتين هو غالبًا يعتمد ما يدركه). وطلب مني أن تتفكر بها وإن استطعت أن أكتب ما أتوصل إليه بناءا عليها.
في الواقع ظننتها عبارة فلسفية في البداية مما أثار استغرابي بحكم أنني والفلسفة نقيضان لا يجتمعان. وبعد التوضيح من قبله تبين أنها ليست كذلك مما جعلني أرسم في مخيلتي شكل هذا المقال وبدايته.
* معنى كلمة مدارك في معجم المعاني الجامع هو :
مَدارِك ( إسم ): المدارِكُ الخمسُ : الحواسُّ الخَمْسُ؛ وهي: السَّمع والشَّمُّ والبصر والذَّوق واللَّمس. نمت مدارِكُه بسرعة، عَلَى قَدْرِ مَدَارِكِهِ العَقْلِيَّةِ : مَلَكَاتُهُ، قُوَاهُ، قُدُرَاتُهُ الحِسِّيَّة.
ُ
فالمدارك إذن هي الحواس التي تعطي للإنسان قدرة التفاعل مع العالم الخارجي وتكون ملكاته العقلية وقدرته على التعامل مع الأحداث. وإذا ما فرضنا أن هناك قصور في إحداها، فبالضرورة سيكون هناك خلل في تواصل الإنسان مع محيطه. كذلك لو أنه بالمثال لم تستطع إحدى أدوات المدارك كالعين مثلا أن ترى نقطة معينة في منطقة ما فسيكون حكم المدرك انه لا وجود لهذه النقطة، أما في حال لو أنه اقترب من هذه النقطة أو غير من زاوية نظره فالنتيجة وضوحها له وتكشفها وسيكون تعامله معها بشكل مختلف عن مقامه الأول.
في مثالنا السابق نستطيع أن نطلق على النقطة أنها ( الحدث ) والعين ( المدارك ) وتغيير زاوية النظر هي ( الآفاق ). فالإنسان كلما كان أقرب إلى الحدث كانت آفاقه لإستيعابه وإدراكه أشمل وأوضح، فكيف لو أنه استطاع أن يتطلع على الحدث من عدة زوايا ومن مكان أقرب؟
* (وفي الحالتين هو غالبًا يعتمد ما يدركه) 
إنها طبيعة الإنسان الغالبة أن لا يصدق أو لا يعتمد إلا ماهو محدود بإدراكه و استيعابه وأفقه الخاص. وغالبا نحن لا ندرك الا ماهو في حدود عقولنا القاصرة، فإذا ما تليت علينا أنباء لم نشهدها مثلا فنحن نسقطها على ما نراه نحن وندركه بحواسنا. فلو أننا سمعنا في كتاب الله وصفا للجنة أو النار مثلا فلا نستطيع إلا أن نسقط ما بهما على ما نراه في الدنيا. فعندما توصف الأشجار أو أنهار الجنة، فعقلنا يرسمها على صورة شجر و
نهار الدنيا لا لتشابهها ولكن لقصور عقولنا عن استيعاب ان هناك شجرا لا كالاشجار وأنهارا لا كالأنهر التي نعرفها.
* مسؤليتنا تجاه الحدث:
(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)   { الإسراء ٣٦ }
تتحدد مسئولية الفرد نحو الحدث هو توسيع آفاقنا نحوه، فمن المفترض أن لا يكتفي الفرد بالتعامل معه على مستوى نظرته للأمور بل أن يحيط به لكي تتسع رؤيته نحوه وتصح طريقة تعامله مع. إنها المسؤولية التي نحن دائما نغض الطرف عن تحملها ونكتفي بحكمنا على الأمور حتى ونحن نعلم بعدم إحاطتنا بكل جوانبه واحداثياته رغم مقدرتنا على ذلك، رغم ان الأمر لا يتطلب الا الوقوف لتصحيح زاوية الرؤية، فلو أنني محيط على الأقل بمعنى علم الفلسفة لما أطلقت حكمي بتفلسف عبارة معلمنا ،،،


محمد الأشتر
11 مارس 2014

Email: ms4redstar@hotmail.com    
Blogg :  http://alashtar-bh.blogspot.com/?m=1

No comments:

Post a Comment