يطرقون أبواب العرافين ومن يدعي أنه اكتسب من العلم علمًا يجعله يطلع على خفايا الأمور وأسرار النفوس فيكشف عمن حسد صاحبه ومن حاك لقريبه أمرًا..
سنوات طويلة يقضيها البعض متبخرًا ببخور مقروء عليه ومتدرعًا بحرز خاص وجب عليه أن لا يعرف محتواه..
أموال طائلة أهدرت، وعلاقات استنزفت، وجهد بذله الباذلون ليفكوا طلسمًا تعسر حاجةً أرادوها أو علاقةً فشلوا فيها، أو مصدر رزق تعسر عليهم فتحه.. أو ذريةً حرموا منها..
لست بصدد الدخول في حقيقة (السحر ومس الجان أو حتى مناقشة إمكانية الحسد) لأني أدرك أن هذا الموضوع بمثابة القلعة الحصينة الملئى بالدهاليز، وأخشى كثيرًا أن نتوه بينما نحاول التفكير معًا في تشخيص مشكلة ما ومن ثم التفكر ربما في حلها..
لذلك دعونا نفكر قليلًا في كم القصص من حولنا والتي كان للسحر والجان حضور فيها..
(١) علاقة زوجية اطلعت عليها عن قرب.. بدأت بتجانس جيد، وكعادة العلاقات الجديده كان الزوجان يخوضان مخاضًا للخروج بخارطة طريق حياتهم الزوجية القادمة..
سوء فهم عابر.. زعل خفيف و.. وبدلًا من محاولة رسم تلك الخارطة انشغلت الزوجة بفكرة سيطرت على كل فصول العلاقة (هناك من يريد بنا سوءًا)!!
طرقت أبوابًا ما أنزل الله بها من سلطان..
تواجدت عند أحدهم وفور بداية (القراءة) هزت رجلها وأيديها فصرخ الشيخ: (هاااا.. صدناه)!
همس للزوج (زوجتك مصابة بمس، فأحد أقاربها الذي أرادها زوجةً دونك وضع ما وضع لها في الشراب)!!
كل التجانس الذي كان واضحًا للعيان في علاقتهما (تقارب في: السن/ الإلتزام الديني/ المستوى الإجتماعي والثقافي)، ضُرب بعرض الحائط من قبل تلك الزوجة، فصارت تطرق الأبواب تلو الأبواب، وتستنرف الأموال تلو الأموال، ورغم إنجاب الأطفال، إلا أن وهمًا سكن تلك الزوجة فأنساها زوجها ومنزلها، حتى إذا طرقت باب أحد ليخبرها أنها تتوهم، كانت تعربد: إنه (لا يفقه شيئًا) وإنها لا بد أن تطرق أبواب آخرين.. وفي كل تلك الغمرة فقد الزوج مشاعره تجاهها وأعلن عن استسلامه في مواصلة التجديف بقارب مثقوب ربانه منتش لا يقوى على التفكير.. فوقع الطلاق.
قد أستنزفُ الكثير من الوقت بينما أتلو على مسامع حضراتكم قصصًا مشابهة، لا تتشابه فيها فصول الحكاية بقدر ماتتشابه فيها هلوسات الوهم واليأس وربما الجهل..
في اعتقادي أنها مشكلة ذات ركنين أو لنقل ثلاثة أركان:
- الركن الأول: (إنسان بأرضية مستعدة جدًا لتلقي بذرة الهوس.. هوس الإبتلاء بالجان والسحر، بل لربما كان هذا الإنسان صاحب البذرة والزرع أصلًا نتيجة عملية تربوية قائمة على علاج الحمى بكسر بيضة! واستدعاء وقوع الطفل (الطبيعي جدًا) الذي للتو يخطو أولى خطواته للبخور وحرق الأسماء!)
- الركن الثاني (إنسان يعيش نشوة القدرة على حل مشكلات الناس، فعن طريق حرز يكتبه يكون له الفضل في علاج مشكلة زوجين وحماية كيان أسرة أو -وأستغفر الله مما أقول - يكون له الفضل في أن ترزق أسرة ما بالذرية، وربما امتزجت تلك النشوة بحب المال والشهرة إلا من رحم ربي..
وربما كان ركنهم الثالث مجتمعنا الذي لا زال ينتفض خوفًا من الجن والمس والسحر فيتورع حتى عن مناقشة الأمر لئلا يبتلى به، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لاحتفاءه بمن ادعى العلم بعالم مجهول غامض طمعًا في أن يخرج أحدهم من محنته التي لطالما أعيته.
أكرر، لست هنا بصدد مناقشة حقيقة تلك الأمور أو القدرات، لكني أناقش مشكلة (تعامل) البعض معها.
ترى ما حقيقة المرض؟ أو تعسر الرزق؟ أو الحرمان من الذرية؟ أو عدم التوفق للزواج؟
أليست هي مجموعة ابتلاءات قد يبتلى بها أي إنسان مؤمنًا كان أم فاسقًا؟ كبيرًا كان أم صغيرًا؟
أوليس الأجدر بنا أن نجتهد لنغير واقعنا المعاش الذي لم يعد يرضينا؟!
إذًا، فعلام الركون لزيد وعمرو ليضع يده على رأسنا أو ليبخرنا أو ليقرأ طلاسمه علينا؟!
لست متبحرة في الدين ولا أدعي فيه علمًا، لكني وبفهمي البسيط القاصر أدعي وبكل ثقة أن تصريح الله لنا (فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعاني) هي كلمة فصل في أننا لا نحتاج لعراف ولا مستفتح بكتاب، إنما نحتاج للعمل والرضا والقرب من قاضي الحاجات مفرج الهموم دافع الكربات..
نعم قد نحتاج لمن يرشدنا.. لمن يسمعنا.. لمن يتفهم ما نعانيه، ولكن يجب أن تبقى تلك الحاجة حبيسة حدودها وإلا تحولت لوهم قاتل يلتف حول كل جميل في حياتنا ليغتاله، والسبب أننا نعيش قبحًا في جانب من جوانب الحياة.
إيمان الحبيشي
21 مارس 2014
No comments:
Post a Comment