Saturday, March 8, 2014

أنجبتما.. وثم ماذا؟ لماذا تظلمان؟

لم أرى زوجين قد كُتِبَ عليهما أن يتأخر إنجابهما أو لا يكون، إلا وكان من أولوياتهما البحث عن حلول لرفع الموانع، فيقصدان الطبيب و(المُلا)، ولا يبرحان الدعاء والنذور وسُفَرٍ لأم البنين والخضر والعباس (عليهم السلام)، وإنهما لا يقفان عادةً عند طائل الأموال إن كان في بذلها بويضة تُلَّقحُ فجنين يتحرك في أحشاء الأم ليطل بعد أشهر طفلًا يلتقم ثديها وينام على صدر والده..

كتب الله لهما الذرية وأنجبا طفلًا فَسُمِّىَ وأُرضِعَ وعُقَّ عنه، وقامت الإحتفالات وابتيعت لعيونه جميل الملابس وأحلى الزينات.. كبر قليلًا وبدأ يتخطى..

إنه مشوار جديد، فما لم يكن مقدورًا له الإمساك به، بات اليوم تحت سيطرته بمجرد أن يصل إليه، فربما كسر مزهرية أو مزق مستندًا أو قلب كرسيًا أو سكب شرابه على السجاد.. وقس –أيها الحليم- على ذلك.

الغريب أن كل ما يكون منه فإنه وفي غاية الإمكان أن يكون من أمه أو أبيه أو غيرهما مطلقًا، ولكن (الخلق) يضيق والمزاج لا يستقر إذا كان (الفاعل) هو الطفل!!

نعم، فليس من الغريب أنهما يتعاملان معه برفق في المرة الأولى وربما الثانية، ولكنه إذا كان ممن كُتِبَ عليهم النشاط والحركة، ففي الغالب أنه قريبًا يكون محلًّا لعصبية أمه و(ضيق خلق) أبيه، وهذا في حد ذاته جريمة لن يلتفتا إليها كما لم يلتفت إليها غيرهما، ولكنها أصغر من جريمة أخرى تُرتكب منهما في حق طفلهما (المسكين)..

إنه يرى منهما الخطأ، ولا يجد من يحاسبهما، بل يشهد منهما التبرير تلو التبرير، فالصحن تكسره الأم لأن (كلشي في البيت على راسها)، والأب (مشغول مجهد) فمن (الطبيعي جدًا) أن يُوقِعَ المزهرية أو ينسى أين وضع دفتره الخاص، ولكن الطفل إذا ما صدر منه ما يصدر من والديه فلا مبرر ينفع ولا بكاء ولا عزلة، بل وأكثر من ذلك أن بكاءه يكون داعيًا عند والديه لتعنيفه أكثر وربما ضربه ومعاقبته بما يعاقب به السَجَّانُ معتلقه (السياسي)!!

شَهِدْتُ بعض الحالات التي لا أتمكن من فهمها واقعًا.. ومنها:

أم تتأفف ويتعكر مزاجها وقد (تُزمْجِرُ) في وجه رضيعها عندما يرتفع معدل (خروجه) اليومي، مما (يجبرها) على تغيير حفاظاته (البامبرز) أو غيرها، وقد شهدتُ بالفعل أمًّا كانت تصرخ على رضيعها وتجذبه بقوة إلى الحمام لأنه (تغوط) و(سرب)!!

ومنها:

أب يضرب ولده لأنه سقط عن ركضة وبكى، فكان يضربه لأنه سقط، ويضربه أيضًا لأنه يبكي!!

ومنها:

طفل اصطدم بالطاولة أثناء لعبه فبكى متألمًا، وإذا بأمه تصرخ عليه وتقول: (عساك زود عشان تتعلم)!!

و(ياما) أمهات وآباء يدعون على أبنائهم.. الله يلعنك.. عساك الموت.. وريح.. وعلة.. وعمى.. وصمخ.. عساك أولاد يطلعون عيونك..

و(ياما) أمهات وآباء يصرخون على أولادهم بنعوت تهدم الجبال.. يا الحمار.. يا البومة.. يا الكلب.. يا الخنزير..

ناهيك عما لا أتمكن من ذكره لشدة قذارته ودناءته..

كل هذا لا يدل أبدًا على أن الآباء من هذه الشاكلة لا يحبون أبناءهم، فالقضية ليست هكذا أبدًا، ولكن الحق أنهم يقدمون للمجتمع أجيالًا ملؤها العقد النفسية التي أصبحت طبيعية بين الناس إلى درجة أنها لا تلاحظ، ولكن آثارها واضحة جدًا في العجز عن التغيير والإصلاح والإبداع والإنجاز الحقيقي المُبرِز للوعي والتحضر، والسبب أنها أجيال تعاني ضعفًا شديدًا في الثقة بالنفس وربما أكثر من ذلك مما أخشى الإفصاح عنه، ولكنها الحقيقة وهو الواقع الذي ينبغي لنا مواجهته والعمل على إصلاحه ما استطعنا..

فلنحذر تعنيف الأبناء.. فلنحذر الاستنقاص من شخصياتهم.. فلنحذر تقريعهم.. فلنحذر تحقيرهم..

ولنسعى دائمًا لتقوية شخصياتهم وإشعارهم بالثقة في النفس والقدرة على الإنجاز، ولنعلمهم الصح من الخطأ بالتفهيم ومخاطبة العقول، فهم عقلاء وإن قلت تجاربهم، فإنهم قادرون على الفهم حتمًا، ولكنهم يحتاجون إلى صدور واسعة من أمهات وآباء يعون مسؤولية التربية تجاه المجتمع بل والأمة..

وكلمة أخيرة أقولها بالبحراني (الفصيح):

إذا ما كنتون كفو فاتركوا عنكم جيبان الأولاد، وإدا ما تقدرون إلا يكون عندكم أولاد فيا جماعة تعالوا نتعلم التربية شويه وكفاية ظلم لأنفسنا ولأولادنا وبالتالي لهالمجتمع المطحون..

محمد علي العلوي
7 مارس 2014

No comments:

Post a Comment