Thursday, July 16, 2015

كيمياء الحديد والروابط المجتمعية // أنور السميع

 


عندما نسبر أغوار الكوكب الأزرق وهو كوكبنا كوكب الأرض، سنجد أن لب الأرض يحوي كمية ضخمة جدًا من عنصر الحديد الذي ذكر القرآن الكريم بأن الله أنزله (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) [1]، (عبر النيازك الساقطة على الأرض والتي تحتوي على كميات من الحديد قد تصل إلى 90% من كتلة النيازك)، ليستفيد الناس منه في إقامة الحضارة عبر هذه الدعامة القوية الموهوبة لنا من السماء.


 

 

 
ونحن في ثقافتنا المحلية نشير إلى قوة الحديد وصلابته عن طريق استخدام الأمثال الشعبية ومن ضمنها "لا يفل الحديد إلا الحديد" وكذلك "سنضرب بيد من حديد". ومن جهة أخرى فإن الحديد عنصر ضروري لحياة الانسان كونه يدخل في تركيب هيموجلوبين الدم، والموجود أيضًا في أغلب الحيوانات، وكذلك هو مهم لحياة النباتات لكونه يدخل في تركيب الكلوروفيل والذي به يستطيع النبات صنع الغذاء لنفسه ولباقي المستهلِكات.

ولكن هناك سؤال يطرح نفسه بنفس قوة الحديد!
وما هي علاقة الحديد وقوته بالروابط المجتمعية؟!
هيا معًا أحبتي نستكشف هذه العلاقة العجيبة عبر أخذ الإجابة من الحديد نفسه!!
 
إذا نظرنا للموقع الاجتماعي للحديد بين أفراد أسرته (العناصر الكيميائية) والذي عددها يفوق الـ100 عنصر، لوجدنا أنه يقع في المرتبة 26 (أي يحتوي على 26 بروتون، وكذلك 26 إلكترون في حالة الاستقرار الكيميائي) ورمزه [Fe]، ودعونا نقول أن موقعه يقترب من وسط العائلة المحيطة به (شاهد الجدول الدوري للعناصر الكيميائية أدناه).

 
 
 

قال تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) [2]، ونحن يجب علينا أن نستفيد من أمر القرآن لنا بأن نجعل من أنفسنا وسطيين في أغلب أمور حياتنا بعيدًا عن التطرف بشقيه. ولو دققنا في كتابنا الكريم لوجدناه (تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) [3]، وهو بالطبع قد سبق جميع العلوم الحديثة ومن ضمنها علم البرمجة اللغوية العصبية (NLP) والذي جزء كبير منه يتحدث عن هذه الوسطية، ويؤكد عليها وعلينا لنكون أقوياء ووسطيين مثل الحديد!
ولو تبحرنا قليلًا لنتعرف على بعض مميزات عنصر الحديد لوجدنا بأنه فلز انتقالي، معدني ذو بريق لامع، صلب، درجة حرارة انصهاره عالية جدًا، قابل للتمغنط، موصل ممتاز للحرارة والكهرباء والصوت، له معامل جيد للتمدد وله 7 نظائر.
لو أخذنا هذه المميزات بشكل إجمالي سنجد بأنه معدن قابل للطرق والسحب والتشكيل، بمعنى أنه لو أردنا تطبيق هذه المواصفات على أنفسنا، فإنه يتوجب علينا أن نكون قابلين للطرق من صعاب الأمور، نتشكل مع شكل الظروف المحيطة بنا، مرنين مع الناس من حوالينا وخصوصًا أفراد أسرتنا الذين هم أقرب الناس إلينا، والذين تهمنا مصلحتهم وسعادتهم، وتهمهم مصلحتنا وسعادتنا بلا أدنى شك، فقد يقومون بإسداء نصيحة أو القيام بموقف ما قد نراه سلبيًا في لحظتها، وحينها يجب علينا أن نتذكر وسطية الحديد ونتأنى ونتحكم في ردود الفعل الطبيعية التي قد تنتج عنا قبل أن نصدر الحكم.
 
كذلك نجد الحديد يقوم بعمل روابط تساهمية أحادية أو ثنائية أو ثلاثية وحيدًا فريدًا مع نفسه ليعطينا مادة الحديد القوية (نتيجة لعدم اكتمال مداره الأخير بالإلكترونات). والاسم العلمي للحديد هو [Ferrum] ولو قمنا على سبيل النكتة بتحريف اسمه بالعربية سنجد بأن اسمه يتحول لـ فرّ (من الفرار)، ولكننا على العكس سنجد بأن الحديد من أصلب المواد على الأرض عند الشدائد، والتي نستخدمها يوميًا ولا غنى لنا عنها، لذا يجب علينا أن نكون بنفس صلابته أو حتى أقوى منه في مصارعة الأهواء والنفس الأمارة بالسوء لنستطيع أن نقيم دعامة توصلنا بكل قوة لمرادنا بصورة مشروعة في حياتنا الدنيا، وكذلك للحياة الحقيقية في الآخرة والتي هي دار القرار.
 
أيضًا يمكن أن يساهم الحديد بروابط تساهمية قطبية مع بعض إخوته العناصر الفلزية الإيجابية ليصنعوا مركّبات مفيدة مختلفة، وهذا ينطبق حقًا علينا نحن البشر في واقعنا الذي نعيشه حاليًا في أن نتساهم إيجابيًا مع بعضنا البعض رغم اختلافنا في الفكر وطريقة الحياة، وأن نتشارك في السراء والضراء ونتحاور بشكل حضاري واعٍ، ونجعل هذه الثقافة تتنامى يومًا بعد يوم.
 
من جهة أخرى نجد أيضًا بأن عنصر الحديد يكون إيجابيًا جدًا عندما يرتبط بروابط أيونية قوية مع عناصر سلبية جدًا، وبصورة أقوى من ارتباطه مع إخوته الإيجابيين أو حتى مع نفسه، وحقيقة الأمر أن الحديد يخبرنا بأنه يحتاج بصورة كبيرة جدًا للإرتباط الوثيق مع تلك العناصر السلبية الموجودة في المجتمع وهم يحتاجونه أيضًا لأنهم في بوتقة واحدة وأن في الاتحاد قوة، وأنه يحتاج لحرارة عالية وضغط شديد حتى يفك علاقته بهم. ورغم هذا الانفكاك القهري أو الاختياري لا يفتأ الحديد إلا ويرجع ليبني روابط قوية جديدة عندما يبرد الجو ولو قليلًا، لأنه يعلم أن المصلحة مشتركة في المجتمع، وأن النتيجة ستكون استفادة الجميع رغم احتمالية وجود اختلافات في وجهات النظر.
ومن عجائب الحديد أنه يتمغنط!
والبشر كذلك يتمغنطون!؟
كيف؟؟!

قطعة الحديد يمكن أن تتمغنط باستخدام عملية الدلك أو التأثير أو الكهرباء، عبر ترتيب الجسيمات المغناطيسية بداخلها في اتجاه واحد، وكذلك يفقد الحديد مغنطته عند طرقه بشدة أو بتسخينه إلى درجة حرارة عالية لأن تلك الجسيمات في هاتين الحالتين تتبعثر من جديد.
 
      
 
كذلك الناس يوجد بداخلهم إحساس وشعور وميول ورغبة وتحدى ونفس حائرة تريد من يرشدها للطريق. فعندما يتأثرون بشخصية أو فكر أو بثقافة ما فإن (جسيماتهم الإحساسية والشعورية والفكرية) تتوجه في اتجاه ما يؤثر عليها سواءً كان جيدًا أم غير جيد، مما قد يؤدي إلى حصولنا على تمغنط وتأثر دائم أو مؤقت بحسب طريقة المغنطة. فلذلك قد يجد المصلح صعوبة في فك شفرة تلك الجسيمات إن كانت قد ضلت طريقها، من أجل إعادة برمجتها وترتيبها بالاتجاه الصحيح القويم ليكون الفرد كالمغناطيس الحقيقي الدائم القوي النافع لنفسه ومجتمعه.
 
ورغم كل هذه القوة الحديدية، وحسن اختياره عند الترابط مع بعض إخوته، قد يخطيء الحديد ويرتبط مع أخ يبدو ظاهره بأنه سر الحياة والوجود وهو غاز الأكسجين، ظنًا منه أنه سيعيش عبر تنفسه ويرتقي ويتطور، ولكنه بعد فترة من الاستنشاق والارتباط الخادع يكتشف بأنه يجب أن يفك الارتباط حالًا لأنه يحتضر بسبب تكون الصدأ (باطن الأكسجين الخفي في هذه الحالة). قد يفكر الحديد في هذه الحالة بأنه لو لم يلمّه في أحضانه بحب ساذج، ولو أنه تريث قليلًا ليعرفه على حقيقته أو حتى ليتزود بمناعة تمنع الصدأ لكان في حال أفضل. فبعض الناس عندما يرتبط بشخص ما وثم يكتشف حقيقته السلبية والتي قد لا تناسبه، فإنه حين تضرره يبكي بدون فائدة وينعزل عن المجتمع وينتظر تغير الواقع من تلقاء نفسه دونما حركة تغيير نابعة من الذات. والبعض الآخر الذكي الذي هو حقًا حديد صلب، يُصّر ويقاوم الصدأ بنفسه وقد يتصل بأهل الاختصاص لتدارك الأمر قبل الفوات، وعندها سيجد بأن الصدأ يزول ويزول إلى أن ينتهي تمامًا من الوجود.
 
17 يوليو 2015
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] :: [ الحديد : 25]
[2] :: [ البقرة : 143 ]
[3] :: [ النحل : 89 ]
17 يوليو 2015

No comments:

Post a Comment