تعذيب الأطفال.. مرة أخرى // إيمان الحبيشي
بعد نشر مقال الأسبوع الماضي بعنوان “تعذيب الأطفال” وجدت أن طريقة المزاح مع الأطفال والتي انتقدتها في المقال أكثر انتشارًا مما توقعت، وهو ما قرأته من خلال بعض النقاشات والتعليقات التي جاءتني بعد النشر، لذلك فقد قمت بمحاولة البحث عن دراسة أو بحث لجهه أو شخصية تخصصية تتناول الأثر السلبي لاستفزاز الأطفال وإثارة غضبهم من أجل التندر، وذلك لمحاولة توضيحه أو الرجوع لها من أجل تقريب الصورة التي رأيتها لأذهان المربين وعموم الأسرة.. إلا أن ذلك لم يكن متوفرًا!
بل لعله على العكس تمامًا، فإن الدراسات والأبحاث أشبعت موضوع “عناد الاطفال” وهو ما يعاني منه أغلب الآباء والتربويين لكون العناد “مرحلة” لا بد وأن يمر بها الطفل، ولا بد من التعامل معها بطرق سليمة لكونها مسؤولة عن صقل شخصية مستقلة وذكية للطفل في حالة حسن التعامل معها كما أن لسوء معالجتها عواقبه أيضًا.
لوهلة وبينما أتجول بين كم الدراسات تلك شعرت بالأسى الشديد فمعنى أن يغيب موضوع “استفزاز الاطفال وأثره السلبي على شخصياتهم” عن التداول والنقاش والبحث، أمران لا ثالث لهما أسوأهما أن الأطفال لا صوت لهم ليرتفع معبرًا عن معاناتهم ورفضهم للاستفزاز الموجود داخل بيئتهم المسؤولة عن تربيتهم وما يتركه ذلك من أثر على شخصياتهم وسلوكياتهم، وهو ما يعني فقدان حلقة مهمة من حلقات العلاج وهي “استشعار المشكلة”. أما الأمر الآخر فربما أن غياب بحث هذا الموضوع يعني أن أسلوب استفزاز الأطفال وما يتبعه من آثار سلبية انما هو مشكلة تربوية أو سلوك ينفرد به مجتمعنا فحسب، لذلك فلم توجد حاجة لدراسته من قبل جهات أو شخصيات تخصصية خارج اطار مجتمعنا!
حينها وجدتني اسأل نفسي:
إذًا من أين لنا هذا؟
إن كان عناد الأطفال مرحلة طبيعية يمر بها الطفل في سني حياته، وهو من باب التسامح يدعى عنادًا – ذلك أن الواقع يقول أن إصرار الطفل على بعض الطلبات أو السلوكيات إنما هو تطور ونمو لا يجيد الآباء فهمه والتعامل معه – فهل “استفزازنا” لهم مرحلة أسرية لا بد منها؟ كيف تحوّل المزاح لدرجة متقدمة جدًا وصلت لعدم الاكتراث بآثاره على بناء شخصية طفل اليوم وشاب الغد؟ وهل يمكن فصل الأثر السلبي الواقع على “الفرد” عن المجتمع؟
واقعا فإن أي مشكلة سلوكية تربوية لا بد وأن تلقي بظلالها على عموم المجتمع، وربما لا نزال في طور عدم الوعي لسوء أثر أسلوب تربوي أو آخر، لكن بمجرد أن نستشعر احتمال وجود أثر سلبي لسلوك تربوي فالواجب علينا أن نضع ذلك السلوك تحت المجهر وذلك من أجل رصد كل أثر يتركه “سلبًا أو إيجابًا” لنصل أولًا لمرحلة فرزه بشكل صحيح فإن كان ذا أثر سلبي فالواجب محاولة إيقافه أو استبداله ثم علاج تركته على نفسية الطفل وإن كان ذا أثر إيجابي فوجب تعزيزه وجعله أكثر فاعلية.
وأقول.. حين لا يوجد بحث أو دراسة لظاهرة أو مشكلة ما فلا يعني ذلك عدم وجودها، كما لا يعني أيضًا تركها وإهمالها..
بل يعني ذلك بكل بساطة أننا أمام مسؤولية الأخذ بزمام المبادرة لإيقافها أو تحييدها ومن ثم علاج تركتها بل ووضع خطة تكون في متناول يد الجميع لتكون بمثابة خارطة طريق للحل.. وعلى أقل تقدير نكون أمام مسؤولية تنبيه المجتمع بسلبياتها.
إن المسؤولية الأولى إنما تقع على عاتق الأبوين الذين يجب عليهما أن يوفرا بيئة تربوية مناسبة لأطفالهما، وحين نطالب أولياء الأمور بالتنبه لسوء أسلوب الاستفزاز كطريقة مزاح مع أطفالهم، فلا يعني ذلك أن يتحولوا لرجال شرطة ليعتقلوا الابتسامة ما بين أفراد أسرتهم وأطفالهم بل يعني ذلك أن واجبهم يقتضي أولًا معرفة الوقت المناسب للتدخل وهو ما لا يمكن وضع قاعدة رياضية جامدة له..
فطفل يدرك أن خاله أو عمه يتعمد ممازحته عبر إيهامه بأخذ أخته حديثة الولادة معه لمنزله، ليبتسم ضاحكًا أو حتى ليفكر قليلًا ومن ثم يجد إجابة تكون ردة فعل لمزحة قريبه، قد لا يكون محتاجًا لأكثر من ابتسامة من أبيه وهزة رأس تطمئنه أنه لا يمكن لأي كائن أن يسلبه أخته..
وعلى العكس فإن طفلًا وبحسب شخصيته وإدراكه لا يمكنه التمييز بين المزحة والصدق، فتتغير ملامح وجهه وربما يعيش قلقًا مستمرًا خوفًا من أن أحدهم قد يسلبه أخته التي وصلت للتو للحياة، فإن على والديه مثلًا أن يوقفا قريبهما عن هذا النوع من المزاح وبشكل حازم بعيدًا عن مسامع الطفل وإن استدعى الأمر فأمامه أيضًا على أن يؤكدا لطفلهما أن تلك ليست سوى مزحة لا يمكن أن يقبلا بها وعلى ذلك قس..
في اعتقادي وبناء على مجموعة من ردود الأفعال على المقال السابق، أن هناك نسبة كبيرة من الجهل بأثر الاستفزاز الذي يمارسه الكبار مع الأطفال، وهو ما يتسبب بأكثر من الأثر السلبي الذي يقع على الطفل ذاته، لذلك فان أول الحلول تكمن في إشاعة درجة من المعرفة بأثر ذلك السلوك وهو ما يمكن تحقيقه من خلال نقاشات وحوارات صحيحة وصريحة داخل إطار العائلة الواحدة أو حتى في عموم التجمعات الاجتماعية مستثمرين وجود أفراد من المجتمع بمختلف الفئات العمرية.
تجتمع العائلة على أقل تقدير كل أسبوع في إجازتها المعتادة لتناول وجبة غداء أو عشاء أو إفطار، فما المانع في أن يقوم أحد الكبار ممن يرون ويستشعرون ويعانون من آثار الاستفزاز السلبية في العملية التربوية كأولياء أمور ومربين، من طرح هذا السلوك كعنوان عام يتم على أساسه مناقشة الأسباب التي تحفز الكبار على استفزاز الصغار، ثم مناقشة الآثار وتوضيح بعض أوجه المعاناة ومن ثم إشعار كل أفراد العائلة والمجتمع بأن لهم يدًا في تربية ذلك الطفل، وأنها قد تكون يد خير تساهم في غرس القيم والحب والمتعة في تربة الأسرة لتثمر أجيالًا صالحة، أو قد تكون بمثابة الوباء الذي يخرب المحصول ويهلك الحرث ثم يتسبب بالدمار لعموم العائلة والمجتمع وذلك لامتداد الأثر لأوسع من دائرة الطفل وأبيه لعموم العائلة والمجتمع.
قد يجد البعض أن المقال يهول ويضخم أمرًا طبيعيًا فطم عليه أطفال المجتمع، إنما هو دعوة للتوقف قليلًا ثم محاولة استقراء الحقيقة، لنضع أيدينا على مصدر قلق بعض الآباء ومن ثم لنبدأ في محاولة طمأنتهم إما عن طريق إثبات أن الأمر أبسط من أن يقلقوا بسببه أو عن طريق القضاء على ما قد نجده أثرًا سلبيًا أو سلوكًا ضارًا لنعيد الأمور إلى نصابها داخل الأسرة.
ذلك أن أول طرق الحل، معرفة المشكلة واستشعار أهمية معالجتها.
1 أغسطس 2015
شكرا اخت ايمان لطرحك هذا الموضوع و طالما رأيته دائما حتى انني اقولها صريحة انا اكره ان يستفزني احدهم فأقول لهم لما هذا اﻻسلوب اسلوب التطفير و كأنه شيء جميل انه بمنتهى التخلف ان اجعل الطفل يبكي او اخرجه عن هدوءه باﻻستفزاز و نقول لما اصبحوا هكذا لما ﻻ يسمعون الكﻻم او يحترمون الموضوع ان المجتمع نفسه بحاجة لتربية قبل تربية اﻻطفال و شكرا و عذرا
ReplyDeleteمقال ممتاز جدا ،
ReplyDelete