Friday, July 31, 2015

الهوية الضائعة: النظام الدراسي نموذجًا // ياسر المعلم

 

 

كثير ما ربط علماء الاجتماع صفات وسمات الفرد بصفات وسمات المجتمع، فعلى سبيل المثال دورة الحياة للإنسان تشبه إلى حد كبير دورة الحياة للمجتمع، فكلاهما يمران بمرحلة الولادة والنمو، ومن ثَم مرحلة الشباب (القوة)، وأخيرًا مرحلة الشيخوخة (الضعف) والموت، وبدء دائرة جديدة للحياة.

وتتداخل مواضيع ومشاكل الفرد بمواضيع ومشاكل المجتمع إلى حد يصعب في كثير من الأحيان الفصل بينها عند القيام بدراسة وتحليل للمواقف والمواضيع الإنسانية.. فعندما يصاب الإنسان بمرض “فسيولوجي”، عادةً ما تكون هناك أسباب ومقدمات وعوارض للمرض نستطيع من خلالها اكتشاف المرض وتشخيصه.. وكذلك الأمر بالنسبة للأمراض “السيكولوجية” النفسية، مع الأخذ في عين الاعتبار التعقيدات المحاطة بالنفس البشرية، وهذا ينسحب أيضًا على المجتمعات. فالمجتمع قد يصاب بالأمراض والمشاكل والضعف، وتلك المشاكل بطبيعة الحال أشد تعقيدًا من الأمراض الفردية، لطبيعة المكونات والظروف المختلفة والمتشابكة في كل مجتمع.

لا يختلف اثنان على مدى التدهور والضعف الذي وصلت إليه الأمة (مجتمعاتنا) في شتى المجالات وعلى مختلف الأصعدة، ولو أردنا تحديد الأمراض لغرقنا فيها لكثرتها، ولوجدنا أن أسبابها لا تقل عددًا عن الأمراض التي أصابت هذه الأمة على مدى عقود من الزمن مما سبب الكثير من الهزات والنكبات وأسهم في تهشيم وضياع هوية الأمة، وتحولنا من أمة ذات حضارة قوية مؤثرة في الآخرين إلى أمة تستورد كل شيء من مأكولها وملبوسها الجسدي وصولًا إلى مأكولها وملبوسها العقلي والروحي.. نستورد ونقلّد دون قياس ودون تقييم ومن كل مكان، ومع الأسف حتى استيراد وتقليد الأفكار والأنظمة فشلنا فيه ولم نستطع مجاراة من نقلدهم، حتى أصبحنا حضارة لا لون ولا طعم لها وبلا هوية.

إن من بين أهم الأنظمة التي لها دور محوري في بناء أي حضارة وتطورها هو النظام التعليمي والتحصيل المعرفي، وقد أسس النبي محمد (ص) وأولى اهتمام كبير للعلم منذ اليوم الأول (اقرأ)، وكان لدوره التحفيز لأسرى الحرب في تعليم المسلمين رسالة مهمة إلى دور العلم، حتى وصلت الحضارة الإسلامية إلى مراتب متقدمة في مجال المعرفة كمًا و كيفًا في مرحلة من المراحل، ولعبت دور كبير على مستوى الحضارات الإنسانية.. وكانت الرحلة طويلة في هذا المجال ارتقت وهبطت لأسباب كثيرة ذاتية وخارجية لا مجال لمناقشتها في هذا المقام.. الشاهد هنا أننا حتى ما كنا نجيده تخلينا عنه لنستورد الغث والسمين من الآخرين، فتخلينا عن نظامنا ومنهجنا التعليمي وقمنا باستيراد أنظمة لا تلائم بالضرورة واقعنا، وكان لذلك الأثر السلبي الكبير على مناحي كثيرة في نظامنا الاجتماعي.. وسأسلط الضوء هنا على النظام التعليمي الحالي وتأثيره على جانب اجتماعي واحد فقط من باب المثال لا الحصر.

سأبدأ هنا بطرح السؤال التالي، والذي قد طرحته على كثير من الأشخاص في حلقات نقاشية أو جلسات حوارية وقد جاءت الإجابات متقاربة إلى حدٍ ما، والسؤال هو كالتالي:

ما هو رأيك في الزواج المبكر؟ جاءت الإجابات إجمالًا إنهم يرون أن الزواج المبكر جيد و له إيجابيات كثيرة، ولكن الزواج المبكر لا يناسب واقعنا، فالشاب أو الفتاة  أمامهم رحلة طويلة لإنهاء المرحلة الجامعية والبدء بالدخول في سوق العمل وحينها قد بلغوا من العمر 25 أو 26 سنة.. فمع الإقرار بإيجابية الموضوع إلا أنه (متخلف) عن نظامنا وعصرنا.

السؤال التالي: هل الخطأ في الزواج المبكر أم عصرنا ونظامنا؟ فتأتيك المقارنة الظالمة بين المجتمع الغربي ونجاحاته العلمية ونظامه التعليمي الذي (نطبقه) نحن، ناسين أو متناسين أمور كثيره أهمها الفروقات في العادات الاجتماعية،  والأهم من ذلك مَن قال أن النظام التعليمي هو الأنسب والأصلح لهذا العصر؟!

إن (نظامنا التعليمي) الحالي يتكون من 6 سنوات للمرحلة الابتدائية، و3 سنوات للمتوسطة و3 سنوات للثانوية وبعدها 4 إلى 5 سنوات للمرحلة الجامعية!! ناهيك عن الحشو الزائد في المواد التعليمية بما لا ينفع الناس، والأسلوب البائس المتبع حاليًا في طريقة التعليم. وعلى فرض أنه نظام تعليمي يتميز بجودة عالية، هل من المعقول إمضاء ما يقارب نصف العمر الافتراضي للإنسان كطالب وليس كفرد مسؤول في هذه الحياة!! حيث إن تنشئة الفرد في هذه المراحل يكون التعامل معها في الغالب على أن مرحلة الابتدائية هي مرحلة الطفولة، ومرحلة المتوسطة على أنها انتقال من الطفولة إلى مرحلة المراهقة، ومرحلة الثانوية على أنها مرحلة المراهقة وقد تمتد إلى مرحلة الجامعة في كثير من الأحيان. فيصل الفرد إلى مرحلة العشرينات من العمر بعقلية المراهق الغير مسؤول، ويبدأ بعدها مرحلة العمل، ومطلوب منه التحول إلى مرحلة الرجولة والمسؤولية وتكوين أسرة في تحول (دراماتيكي)! ولك أن تتخيل السيناريوهات المحتملة لهكذا نموذج وما أكثرها في مجتمعاتنا، وعندها تأتي الحلول لمشاكلنا الاجتماعية حلولًا ترقيعية وبشكل ردات فعل وعلاج جزئي آني.

إذًا هل النظام التعليمي صالح للاستعمال؟

للإجابة على هدا السؤال يجب علينا فحص وتقصي نشأة هذا النظام ومصدره:

يعود نشأة النظام التعليمي الحالي بشكله ومضمونه إلى فترة العصر الفيكتوري في (القرن التاسع عشر)، وكان أثر ظهور و اختراع الآلة من أهم المراحل لانتهاء العصر الزراعي الإقطاعي، ودخول العصر الصناعي كمظهر للقوة وترسيخ مفهوم البقاء للأقوى. ومع ظهور الآلة التي تشبه في عصرنا اختراع الكمبيوتر وأثره في بدء عصر التكنولوجيا والسرعة، وتحول الشعار من البقاء للأقوى إلى البقاء للأسرع.

فكان العصر الصناعي نقطة تحول مهمة صاحبته ظهور بعض الأفكار الفلسفية (كالفلسفة المادية – النفعية)، والتي مهدت للعصر الصناعي وقد أثرت هذه الأفكار وطبيعة هذه الحقبة في نظام التربية والتعليم. ومع توسع مستعمرات الإمبراطورية ونشوء النظام (البيروقراطي)، كانت الحاجة ملحة لتداول وتخزين قاعدة البيانات والمعلومات واستعمالها في أنحاء مستعمرات الإمبراطورية فكانت مجاميع الموظفين تقوم مقام عمل الكمبيوتر في ذلك العصر، وكانت الضرورة تحتم توفير نظام تعليمي يضمن تدفق أعدادًا بشرية مهيأة لاستمرار حركة قاعدة البيانات والتواصل عبر أطراف كل الإمبراطورية، فكان التعليم يعتمد على ما يسمى بالعلوم التطبيقية والتي تفتقر في الوقت نفسه إلى أي أبعاد روحية وأخلاقية، مما حول المتعلمين في الفصول التعليمية إلى مجرد آلات لحفظ المعلومات بعيدة كل البعد عن جوهر العلم بدرجاته العليا، وجوهر المعرفة والأخلاق.

هناك نقاش كبير يدور منذ سنوات في أروقة الجامعات الغربية، في مراجعة شاملة للنظام التعليمي وأساليبه وطرق التعامل مع الجيل الجديد، حيث يرون أنه في القريب العاجل سيضطرون إلى التعامل مع المتغيرات الجديدة في النسق التعليمي والتعامل مع هذه الأجيال الجديدة ذات التطلعات المختلفة والرافضة لأسلوب التلقي والتلقيم للمعلومات دون نقاش هذا من جهة، وتأثير التطور التكنولوجي الهائل من جهة أخرى.

في حين لا زالت مجتمعاتنا تدور حول نفسها مع النظام التعليمي، وما زلنا متشبثين ومقتنعين بهذا النظام التعليمي الذي انتهت صلاحيته منذ عقود مضت. إن هذا النظام التعليمي الذي استوردناه مما يقارب ال 300 عام هو أحد أهم الأسباب لكثير من مشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية، والتخلف العلمي والحضاري. وأعتقد جازمًا أنه قد حان الأوان لوقفة جادة لإعادة تقييم النظام التعليمي ومخرجاته بشكل كلي وتكاتف كل الجهات الرسمية والأهلية، والاستعانة بمتخصصين في شتى المجالات والعلوم للوصول إلى نظام تعليمي يتلاءم مع المتطلبات الحالية ويتواءم مع طبيعة المجتمع ونظامه.

كلمة أخيرة:

ليس بالضرورة معنى التوصل إلى نظام تعليمي جيد هو البحث عن الجديد أو من خارج المجتمع، فبعض الأنظمة التعليمية التقليدية ( كالحوزات الدينية) مثال جيد في تخريج نوعيات قوية من الطلبة فيمكن الاستفادة من الإيجابيات الموجودة هناك:

  • كجودة المادة التعليمية وإخلاص ومقدرة المعلم على إيصال المعرفة إلى طلابه.

  • نموذج الفصل التعليمي (الحلقة الدراسية) تضم مختلف الفئات العمرية والمستويات العلمية.

  • تواضع المعلم والتلميذ أمام الدليل العلمي.

 

1 أغسطس 2015

1 comment:

  1. شكرا لطرحك استاذ ياسر المشكلة تكمن اننا تحولنا لمتلقين فقط و بكل شيء بمعنى صار تشبيهي للواقع اننا في مجتمع قرود فقط تقليد دون وعي و ادراك و هدر للكل شيء بدأت باستيراد الموضة و انتهاء بالوضع اﻻجتماعي فما نرى اﻻ اللهث وراء الدنيا وسط تيه و ضياع حتى هويتنا اصبحت من غير معنى مجرد عادات و تقاليد فقط الموضوع طويل و متشعب جدا يحتاج مناقشة طويلة

    ReplyDelete