Friday, July 3, 2015

الخطابة.. بناءٌ أو هدم / محمود سهلان

 
 

يمكن للخطيب أنْ يحرّك المياه الرّاكدة، ويمكن له أنْ يوقف الأمواج الشديدة العاتية عن الحركة، ويمكن له أنْ يرتقي بالمجتمعات والأمم لأرفع المستويات، ويمكن له أنْ يتراجع بها ويدفنها بأعماق التّراب، وهذا ما يجعل هذا الدّور مهمًّا وخطيرًا جدًّا، خصوصًا إذا كان المجتمع من المجتمعات التي تتفاعل مع الخطباء لسببٍ أو لآخر، فيمكن للخطيب حينها استثمار هذه الحالة لتطوير ثقافات المجتمع، ويمكنه أيضًا استغلال ذلك لتمرير بعض الثّقافات، كما قد يكون قاصرًا أو مقصّرًا فيؤثر على المجتمع بسبب ذلك للأسوء.

مجتمعنا البحراني من تلك المجتمعات التي ترتبط بالخطباء عن طريق أحد الرّوابط المتينة، وهي الارتباط الشديد بأهل البيت (ع) عمومًا، وبالأخصّ قضية كربلاء والإمام الحسين (ع)، ففي هذه الحالة العديد من الأمور التي تلعب دورها، كالحالة العاطفية الحزينة، وحالة الحماس من جهة أخرى، وغيرها من الأمور. وكما تعلم فإنّ عدد الخطب والفعاليات على مدار العام في البلد مما يشقّ حصره، فلا تكاد أيامٌ قلائلٌ تخلوا من هذه الفعاليات والخطب، مما يؤكد الدّور الكبير للخطباء والمحاضرين في كلّ مكان.

هذا الارتباط بالمآتم والحسينيات وغيرها، مع العوامل التي عرفت، من الحزن المرتبط بالمناسبات، والفرح المرتبط ببعضها، والحماس الشّديد في أغلبها، ومع الكم الكبير جدًا لها، من شأنه أنْ يلعب دورًا رئيسيًا، قد يكون الأبرز في صياغة المجتمع، عقائديًا، وأخلاقيًا، وثقافيًا، لذلك لزم مراعاة هذا الدور، والاعتناء به، وبمخرجاته، فإنّ مصير الكثيرين يتوقف عليه، بل مصير المجتمعات والأمم، ممّا هي على شاكلة مجتمعاتنا.

عدة أطرافٍ يجب أنْ تحمل هذا الموضوع على محمل الجد، على رأسهم المتلقي (أبناء المجتمع)، ثمّ القائمين على إدارة هذه الفعاليات والمنظمين لها، والخطيب..

فإنّني مع التزامي بالمشاركة إنْ أردت ذلك، فلا ينبغي أنْ أتلقى من أيّ فرد، وأسلّم عقلي وقلبي له، دون تدقيقٍ وتدبر وتفكير ومراجعة، فهو في النهاية غير معصوم، لذلك فلا بدّ لي أنْ أختار الخطيب الذي يثريني، ويزيدني علمًا، ويقوي عقيدتي، ويحسن ثقافاتي للأفضل، ومع ذلك أكون مستعدًا دائمًا لنقاش ما يطرح من أفكار، وحبذا لو سجلت ملاحظاتي وراجعتها لاحقا، بل حتى الآياتِ والرّوايات التي تُطرح ينبغي أنْ أتتبعها، وهكذا، كي لا أكون كآلة التّسجيل، لا أكثر من ذلك.

أمّا المنظمون فلا بدّ لهم أن يراعوا حسن الاختيار، والبحث عن الخطيب أو المحاضر الملائم، وقبل ذلك لا بد أن يعوا أهمية دور الخطيب جيدًا، ليستشعروا المسؤولية، ولا يكتفوا بشغل الفراغ بأيّ خطيب، كي يجلس على المنبر، وتنقضي الليلة أو اليوم، وقد أحيت هذه الجهة أو تلك هذه المناسبة، وكأنّ المطلوب منهم هو هذا! فتتلخص مهمة هؤلاء في اختيار الخطيب الملائم، المتحلي بالمسؤولية تجاه المجتمع والأمة.

أمّا الخطباء فقد يطول الكلام حولهم، لكنّ المطلوب هنا هو التّأكيد على كلّ من يعتلي المنبر، أنْ يراقب الله تعالى قبل أي شيء، وأي أحد، وأن يكون صريحًا مع نفسه، من جهة كونه قادرًا على لعب هذا الدور، وتأديته بأمانة ومسؤولية أم لا، كما يجب عليه أنْ يكون مخلصا في عمله ليكون لخطاباته أبلغ الأثر، لا أنْ يعمل من أجل المال أو الشّهرة أو الوجاهة، كما أنّه ينبغي عليه بذل الجهد في طلب العلم، والتّحضير، والاستعداد الجيد للمشاركة والخطابة..

في الحقيقة، القضية أكبر مما ذُكر، لكنّني أردت الإشارة هنا، خصوصًا ونحن مقبلون على موسم مهم جدًا، وهو موسم بوسط آخر، ففي قلب شهر رمضان وعمقه ستأتينا بعد أيام ذكرى استشهاد أمير المؤمنين (ع)، وما أعظمها من ذكرى ومناسبة، لو استثمرت بالشكل الصحيح لأنتجت الكثير الكثير، فنرجوا أن تكون الذكرى هذا العام مميزة ومفيدة، وأن تكون خطوة للتّقدم والارتقاء بالمجتمع البحراني..

نعلم أنّ عليًا (ع) وُلد بجوف الكعبة، واستشهد بعد ضربة في محرابه، وأنّه خير الخلق بعد رسول الله (ص)، ولكن.. ما هي الخطوة التالية؟ وماذا نحتاج لأن يطُرح على المنابر؟ وكيف لنا أن نخرج من حالة التّخلف الحالية على بعض المستويات؟ لنتقدم خطوة تلو أخرى، لنضاهي كل الأمم ونتقدم عليها..

 
4 يوليو 2015

No comments:

Post a Comment