Friday, July 31, 2015

بذورُ الخير، وقطف الثّمار // محمود سهلان

 

 

الثمار قد تتأخر أحيانًا عن البذر طويلا، وقد تظهر لكنها لا تكون يانعةً إلا بعد طول انتظار، تلك حالة قد تكون على جميع المستويات، لكنّ الكثير منا لا يستوعبها، ليس لأنها عصيةٌ على الاستيعاب، لكنْ لخلل ما في دواعي البذر، أو الهدف من وراءه، أو أهداف ما وراء الهدف.

هذا هو حال الكثير من المشاريع الثقافية والخيرية، فإنّها إذا تجاوزت مرحلة الحرث ثم البذر، لا يُضمن لها الاستمرار لسبب أو لآخر، ولعل أهم هذه الأسباب هو استعجال قطف الثمار، فإذا لم يتحقق ذلك بدأ اليأس يأخذ محله في الصدور، فيتلاشى العمل شيئًا فشيئا، في إحدى مراحل النمو، فلا يأتي الدور حينها للإثمار علاوةً على قطفه.

الاستعجال الحاصل قد يكون لضعف التخطيط والنظر، إضافة لفقدان صفة الصبر والتريث، فلو كان التخطيط لمشاريعنا صحيحًا، لما دخل اليأس إلى قلوبنا، لأن الرؤية حينها ستكون واضحة، والخطط البديلة على الأغلب ستكون موجودة، فترى أصحاب المشروع يعملون بهدوءٍ وروية، حيث الإيمان بالمشروع وقيمته وسموه يريح ما بداخل الصدور..

الأمر الآخر هو الأنانية، وربما الشوق المفرط لروية النتائج، فإن كانت ثمرة الزراعة (الحقيقية) نراها ونلامسها غالبًا، ونعيش لحظاتها، فإن الكثير وربما الغالب من الأعمال الثقافية، يصعب أن نتمكن من رؤية ثمارها على المدى القريب، وقد لا نراها، لكننا قد نتمكن من بعثها للأجيال القادمة، وما أعظمه من عمل، فلا يجب أن نتخلى عن صبرنا وطول بالنا في مثل هذه الأعمال والمشاريع.

حبُّ الظهور كذلك، قد يكون أحد تلك الآفات الفتاكة القاتلة، فلأجله قد تُقتل ألف فكرة، والعديد من المخططات الرصينة، والاستراتيجيات الفعّالة، لأنها لا تناسب ذوق فلان، فلا يترك المجال لها، لأنه يجب أن يظهر، ويكون في قلب الصورة، داخليًا وخارجيًا، سرا وعلانية، أوَلَم يرى أنّ الجذور تغوص في عمق الأرض، ليظهر غيرها من الأجزاء للعلن، لأنها تلعب الدور المناسب لها..

في أحد المشاريع التي أشترك فيها اليوم، رأيت روحًا غريبةً عجيبةً من العاملين فيها، لا تكل ولا تمل، تؤمن بأن عليها أن تحرث، وتبذر، وتسقي، وتفعل كلّ شيء، ثم تترك أمر الثمرة لله تعالى، وهذا فعلا ما ينبغي أن نكون عليه، وهذا بإذن الله من علامات إخلاص هؤلاء في عملهم، دون كلل أو ملل، ولا يأس وقنوط، ولا أنانية في البين، حيث ذابت كلّ الفوارق، ووظفت الإمكانيات دون تفرقة لصالح المشروع، مهما تفاوتت المستويات والقدرات.

فلنبذر اليوم كلّ ما هو صالح، وننسى أمرًا واحدًا، وهو (من الذي سيقطف الثمار؟)، فقط فليكن عملنا في أرضٍ خصبة، وموجهًا بالشكل الصحيح، مغلفًا بالصبر والإخلاص، وما فيه الخير سيكتبه الله تعالى.

 

١ أغسطس ٢٠١٥

No comments:

Post a Comment