Friday, July 3, 2015

سوالف أفلاطونية جديدة / أحمد مهدي المدحوب


 

أمشي… أمشي، أنظر و أتأمَّل هنا و هناك، أتجول و أتنقل، اُصغي فأتكلم مع هذا و ذاك، أقرأ ثم بعد ذلك أكتب… لحظةلماذا يكتب هذا؟ إنه شخص معقد، قل لهتعال امشي معنا، و اقعد هنا لتعيش حياتك بشكل طبيعي مثل الناس، و سوف نقوم بإضافتك إلى قائمة الـ"واتساب"… قف، أمامك سؤال واحد فقطهل لديك حقيبة؟ فنحن قوم لا نجلس على طاولة ليس عليها أوراق.

أغلب الناس هنا -بما فيهم أنافي جل اللحظات الغيبوبية المستدامة يعيشون ضمن نطاق القوم الذين لا يريدون أن يغيروا ما بأنفسهمو الدليل على ذلك هو الرفض الجمعي لأي حركة تحمل أمل التغيير الجذري، أمَّا الأدهى من ذلك هو أنهم يظنون هذه حالة مثالية في الحياة مثلما ينبغي أن نعيش بشكل "طبيعي"، و أن الدول الصناعية الكبرى ليست إلا متقدمة في الجانب العلمي فقط بينما هي متخلفة وراء ظهورنا في الاجتماع و غير ذلك… دعنا من ذلك، و لكن لنكن على يقين أن الأقوام المتقدمة ما أصبحت متقدمة لو أنها قعدت مثل ما بقومنا من "قعداتو هذر فارغ حول سطحيات المجتمع، لأن أولئك أساساً يمتلكون المشروع حتى و إن كان شراً و نحن (القومنمتلك اللا-مشروع حتى و إن كان خيراً… فقد جاء في نهج البلاغة عن سيدنا الأمير علي بن أبي طالب (عليه السلام): "عدو عاقل خير من صديق أحمق" [1]، و في هذا الشأن يقول الشاعر عمر الخيّام:
اشرَبْ نَقيعَ السَمِّ منْ عَاقِلٍ *** وَ اسْكُبْ عَلىٰ الأَرضِ دَواءَ الجَهُول [2]

من باب الاعتراف بالذنب، جدير أن نعترف أنه ليس لدينا رؤية هرمية (على مستوى الفرد و الجماعةفي واقع مشاريع المجتمع المدني، و إن كانت موجودة بعدد كبير و تعمل لوحدها بشكل جيد و لأهداف راقية جداًبعد تحديد المشكلة، لا بد لنا من نظرة إلى الغرب و الشرق لنرى كيف تجري الأمور هناك، أن ننفتح على تجارب الأمم الأخرى، و إذا كانت "الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة و لو من أهل النفاق" [3]، فكيف بها لو كانت من أهل الإيمان؟… يشير المفكِّر و الباحث الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، السيد مصطفى القزويني (حفظه اللهفي إحدى محاضراته القيّمة إلى أهمية مفهوم الرؤية و الرسالة (Vision & Missionعند الغربفحقيق بكل فرد أن تكون له رؤية و رسالة في الحياة، يحددها لنفسه بشكل واضح، و يا حبذا لو يدونها عنده في دفتر الأفكار الخاص به و بمشروعه، لتتبعها بعد ذلك قائمة أهداف (Goalsو خطط عمل (Action plansأساسية و احتياطية على المدى القريب و المتوسط و البعيد (ولما بعد الموت). فإذا أمسى كل فرد و رؤيته، أصبحت الرؤى المشتركة مجتمعة في خير لقاء و ارتقاء.

ها قد توزعت الآراء و التوجهات بشكل منسق جميل، ماذا بعد؟… لا يمكن أن يكون لهذا أية فائدة إلا بالتوجه إلى العلم قبل الشروع في أية خطوة عمليةجاء في وصية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلاملكميل بن زياد (رضي الله عنه): "ما من حركة إلا و أنت محتاج فيها إلى معرفة" [4]، و إن التحصيل العلمي هو السبيل المتوفر لدينا للوصول إلى المعرفة بمفهومها الاجتماعي ضمن المشروع العلمي المعاصر عند علماء الغربو هناك نموذج بياني يوضع العلاقة بين المعلومات و المعرفة، قمنا بدراسته من منهاج تقنية المعلومات في الجامعة، و قد يحسن إيراده هنا للتوضيح:
 
 


لكن لحظة، يوجد كم هائل من المعلومات حولنا، فكيف يمكننا تحصيل كل هذا؟… لو رجعنا إلى الجامعات الغربية لوجدنا أنها مبنية على أساس تقسيم المعرفة إلى حقول (Academic disciplines)، بحيث تمسك كل مجموعة من المختصين بحقلٍ محددأما العظيم في الأمر، هو أن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلامقد سبق الغرب في العمل بمثل هذا النظام الأكاديمي، حسب ما أثبتت أوراق بحثية صادرة عن ندوة نظمتها جامعة ستراسبورغ الفرنسية [5]. بلغنا عن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلامأنه قال: "قيمة كل امرئ ما يحسنه"، و يعقب عليها الشريف الرضي في كتابه نهج البلاغة: (و هذه الكلمة التي لا تصاب لها قيمة، و لا توزن بها حكمة، و لا تقرن إليها كلمة) [6]. نعم… إن هذه الحكمة هي التي تنبثق منها كل التخصصات الأكاديمية في الشرق و الغربو في هذا الموضوع يقول المفكّر الاجتماعي و المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي (حفظه الله): إنّ مَن يتخصّص في علم واحد و يستفرغ له كلَّ و سعه و جهده يبلغ أعلى الدرجات فيه و يتفوَّق غالباً على مَن كان ذلك العلم أحد اهتماماته [7].

إذاً، إذا أردنا مشروعاً علينا العلم أنه لا مشروعية من دون اختصاص، و بالبحراني: "عط الخباز خبزه و لو باق نصه". أما الزبدة التي دائماً ما تسأل عنها الأمة البحرانية، فهي كما يلي:
1عقد النية، فتحديد الرؤية و الرسالة.
2اعتماد البحث العلمي قبل إيجاد العمل.
3تقسيم الأعمال وفق الاختصاصات المتاحة.

الآن، لو أردنا إسقاط تلك النقاط مثلاً على هذا المشروع المبارك في مجال التدوين و النشر الإلكتروني، فعلينا أولاً التخلص من أحد آفات اللا-هدفية المركبة التي لا يسلم منها المثقف المبتلى بالعدوى وسط هذا العالم الحقيقي و الافتراضي المفتوح، ألا و هو داء الكلام من أجل الكلام، الذي ما هو بكلام في حقيقتهقال عالم النحو العربي ابن آجروم: "الكَلاَمُ هُوَ اللَّفْظُ المُرَكَّبُ المُفِيدُ بِالوَضْعِ" [8]. منذ المدرسة الابتدائية و الطفل يتعلم أن يكتب جملة مفيدة (بشتى مفاهيم الإفادةحتى إذا وصل إلى المدرسة الجامعة يستطيع كتابة المقالة المفيدة (Essayفي مجاله المحددإن رسائل الدراسات العليا (Master, Doctoral...) تحمل في طياتها نقطة واحدة دقيقة جداًهكذا إذاً، فالماضي، الحاضر و المستقبل هو لأهل الاختصاص، المشاريع التخصصية و التأليف المختص المنبثق من رؤية و رسالة واضحةو لو تأملنا في كتابات سلطان المؤلفين الشيرازي (رضوان الله عليهلوجدناه لا يكتب بشكل عشوائي في جميع المجالات بل أنه كان دقيقاً متخصصاً في الكتابة الموسوعية، و كأني به يركز حبره نحو إعادة صياغة المفاهيم المتغيرة و التأسيس لنظام ثقافي عالمي جديد مستند إلى الثقلين، و هذا من صميم موقعيته و اختصاصه، فلا يصح لنا تقمص دور الآخر بل يجدر بكل فرد أن يتمركز في موقعه الخاص فينطلق إلى آفاق جديدة.

أخيراً… عطفاً على الـ"سوالف أفلاطونيةالواردة في العنوان، فإنها كانت لأسباب ترويجية بحتهإلا أن هذا الأفلاطون هو رجل له من الحكمة و الشأن الاجتماعي الرفيع و لنا أن ننفتح على أقواله و محاوراته، فـ"الحكمة ضالة المؤمن" كما اتفقنا، و لكن أحسن القول يبقى هو كتاب الله و كلمات أولياءه (صلوات الله عليهمكما يشير المفسّر القرآني و المرجع الديني السيد محمدتقي الحسيني المدرسي (حفظه الله) [9]، فلقمان الحكيم المذكور في القرآن الكريم هو أولى بالحكمة إن أردناهالو رجعنا إلى كبار كتّاب و شعراء أوروبا، أمثال شكسبير، غوته، دانتي… لوجدنا أنهم كانوا يستندون إلى كتابهم المقدّس (العهدين القديم و الجديدرغم ما به من نسبة خطأ، فما بالنا نحن و كتاب {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [10]. حري بنا أن نعتمد هذا الكتاب كنظام عام نبدأ به كل منطلق سليم في الكتابة، الخطابة، المكاتبة و المحاورةهكذا نحن نمتلك أساس الـ"ستراتيجياالأمثل، و لكن نحتاج إلى صياغة تنبثق منها "تاكتيكسخاص بكل واحد منا.

هل أنت تمسك حقيبتك بيمينك جيداً؟ إذاً سوف يمشي معنا المزيد و يكونون جزء من قائمة التواصل و التفاعل أيضاًو بعد كل هذه النقاط المبعثرة جدير أن نضع نقطة أدبية قبل النقطة الإملائية لنختم بها هذه السطورو شكراً لحسن قراءتكم.

__________________________
 
مراجع و مصادر:
أالقرآن الكريم – كتاب الله (سبحانه و تعالى)
بنهج البلاغة – كلام الإمام علي (عليه السلام)
جكيف تخطط لحياتك؟ – دصلاح الراشد
دمقومات التخطيط و التفكير الاستراتيجي – دمدحت أبو النصر
هـExtended Writing and Research Skills – University of Reading
وكيف يمكن نجاة الغرب؟ – سلطان المؤلفين الشيرازي (رضوان الله عليه)
زتجربتي في الغربمن كربلاء إلى كاليفورنيا – السيد مصطفى القزويني
حالإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب – مجموعة من الباحثين

هوامش:
[1العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، الجزء (٧٥)، الصفحة (12).
[2عمر الخيّام، ديوان رباعيات خيام (ترجمةأحمد رامي).
[3الشريف الرضي، نهج البلاغة، الجزء الرابع، الحكمة (80).
[4ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، الصفحة (171).
[5مجموعة من الباحثين، الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب (ترجمةدنور الدين آل علي).
[6الشريف الرضي، نهج البلاغة، الجزء الرابع، الحكمة (81).
[7http://arabic.shirazi.ir/upload/lectuer/students/04.htm
[8ابن آجروم، مَتْنُ المُقَدِّمَة الآجُرّومِيَّة.
[9http://www.almodarresi.com/ar/archives/5014
[10كتاب الله (عز و جل)، القرآن الكريم، سورة فصلت، الآية (42).

 

4 يوليو 2015

No comments:

Post a Comment