من منا لا يريد أن يعيش بأمان واطمئنان؟ من منا لا يريد أن تربطه علاقة ودية ومحترمة مع كل من حوله مهما اختلف معهم في اللون والعرق والدين والطائفة والمرجعية؟ من منا لا يطمح لأن يلقى الابتسامة على وجوه الجميع ممن يعرفونه في الحي والعمل ومكان الدراسة وفي بلده وخارجه؟
حين نكرر القول بأن الإنسان كائن اجتماعي، فذلك لنقر الحقيقة بأن الإنسان لا يعيش منفردًا، بل يندمج مع مجموعة يشترك معها في الهدف أحيانًا وفي الخوف أحيانًا أخرى!
كأن يكون ابن الدين الفلاني والعرق العلاني، ومن البلد الفلاني ولغته اللغة العلانية، فيجد نفسه منسجمًا مع بقية أفراد الجماعة الذين يشتركون معه في خاصية أو أكثر. ثم ولمقتضيات الحياة فقد تجد جماعة تختلف تمامًا عن جماعة أخرى، أنّه من الضرورة بمكان أن تعيش الجماعتان رغم اختلافهما درجة من درجات الانسجام، ذلك أنهما تعيشان على ذات الرقعة الجغرافية مثلًا، وتتعرضان لذات المخاطر ويتربص بهما ذات العدو!
إلا أن الدعوة للعيش المشترك ما بين الجماعة الواحدة، أو ما بين عدة مجموعات مختلفة في بيئة واحدة، يجب أن تكون من الدرجة الأولى، وفق دوافع إنسانية بحتة لم يغفلها ديننا - الذي شوّهت مبادءه جماعات مشبوهه توغل في إقصاء الآخر حد قطع رأسه! - انطلاقًا من قاعدة إنسانية أقرّها منذ أكثر من ألف عام خليفة رسول الرحمة صلى الله عليه وآله الإمام علي عليه السلام حين قال (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).
إلا أن الدعوة للعيش المشترك ما بين الجماعة الواحدة، أو ما بين عدة مجموعات مختلفة في بيئة واحدة، يجب أن تكون من الدرجة الأولى، وفق دوافع إنسانية بحتة لم يغفلها ديننا - الذي شوّهت مبادءه جماعات مشبوهه توغل في إقصاء الآخر حد قطع رأسه! - انطلاقًا من قاعدة إنسانية أقرّها منذ أكثر من ألف عام خليفة رسول الرحمة صلى الله عليه وآله الإمام علي عليه السلام حين قال (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).
الواقع المعاش يختلف تمامًا عما يجب أن تكون عليه الأمور، وهو أكثر ألمًا ونزفًا مما نتخيل، فأبناء الجماعة الواحدة فضلًا عن الجماعات المختلفة، في المجتمع الواحد أو ضمن مختلف المجتمعات، يجيدون ابتكار كل ما يتسبب بالشقاق وكل ما يتسبب بإراقة دماء بعضها، مهما كثرت وتعددت مشتركاتهم التي تُحتم أن يكونوا حريصين جدًا على الانسجام، حتى ملّ الكثيرون تلك المهاترات والمشاحنات والتسقيط والتخوين والوغول في الأعراض والدماء، وصار كثيرون يهتفون باسم (الوحدة)، تلك العروس التي يأمل الجميع أن تُحقَن بخطب ودّها دماء المختلفين.
اتحدوا،،
شعار جميل صار كثيرون يهتفون به، داعين لأن يكون أبناء المجتمع كلهم (مثل بعضهم) ظاهريًا على الأقل، فمِن هلال شهر رمضان والعيد، إلى مواقيت الصلاة واللغة واللبس والثقافة وكل ما قد يخطر لنا على بال، حتى وصل كثير منهم للادعاء بأن الاختلاف الديني مثلًا هو أسّ وأساس المشكلات، فاحتفظوا بأديانكم في مساجد قراكم، وحين تخرجون اخلعوا هوياتكم على أعتابها لتكونوا مع بقية أفراد المجتمع وحدّة واحدة وكفى الله المسلمين القتال!!
نعم من الجميل جدًا أن نكون وحدة واحدة، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن أكون أو تكون جماعة ما بلا لون ولا طعم ولا رائحة! ذلك لا يعني أن يغوص الإنسان كفرد أو جماعة ضمن بحر لجي من المواصفات التي لا صلة له بها تحت دعاوى أن نكون متحدين، فالاتحاد لا يعني الذوبان في الآخر.
هبّ أن رجلًا ما احتاج لصنع (حبال) يعينه في عمله مثلًا، فجمع كل الخيوط التي تتوفر لديه في منزله وعمله، فكانت تلك الخيوط مختلفة الألوان، جمعها ونسجها لتكون حبلًا متينا يعينه على أداء الأعمال، فهل يفقد كل خيط منهم لونه؟ أم ينتج حبلًا مختلف الألوان لكنه يؤدي وظيفة محددة؟!
إنما يجب أن يدعى إليه أنما هو تقبل الاختلاف، واحتضان الآخر، والإقرار بحقه في أن يكون له دين مختلف أو مرجعية مختلفة أو حتى رأي مختلف، أنما يجب أن يدعى إليه هو أن يحترم كل فرد أو جماعة اختلاف فردٍ آخر أو جماعة أخرى ولا يعني ذلك أن يذوب أحدهما في الآخر، فحين يكون للفقهاء مثلًا أيًا كانت طائفتهم مبنى شرعيًا معينًا وعلى أساسه يتم إقرار كل شهر هجري، فالواجب أن يحترم كل طرف مبنى الآخر أما الدعوة لنتحد على موعد إفطار واحد فليس من الوحدة في شيء! هب أننا اتفقنا على عيد فطر محدد ولبسنا الملابس الجديدة في يوم عيد موحد، فهل يعني ذلك بالضرورة أني صرت أحترم الاخر وأحبه وأن مشكلاتنا التي تنبت كما الفقع سيتوقف نباتها وفجأة تتصافى القلوب وتحقن الدماء؟!
من الطبيعي أن يؤمن كل فرد بفكرة أو دين أو رأي بحسب خبرته في الحياة وتجربته فيها ونضجه الذي وصل إليه وبحسب عدد من الموروثات العقلية والنفسية والاجتماعية والدعوة لإلغاء كل اختلاف هو محض شعار سمج لا يمكن أن يتحقق يومًا، وإن كانت الإرادة العالمية تسعى لذلك وربما نجحت في جزء كبير منه داعية لعولمة كل الحضارات والقيم والمجتمعات لنكون كلنا من رواد ستاربكس وماكدونالدز وما هو أبعد من ذلك بكثير ألا أن إلغاء الهويات والحضارات والقيم وتذويبها في قالب عالمي واحد أمر في غاية الخطورة على الفرد وعلى المجتمع ذلك أن الإنسان لا يمكن أن يكون بلا تاريخ ولا هوية إنسان لا يشبه نفسه ولا معتقده ولا فكره!!
نحتاج أن نقف كثيرًا عند بعض الدعوات ذات المصطلحات الرنانة، فرغم أني أتفهم دوافعها وأسبابها الجديرة بالأخذ في الاعتبار إلا أن من الظلم للنفس وللمجتمع أن نتلقفها على عواهنها، ذلك أن الكثير منها كلمة حق يراد بها باطل، أو كلمة جاهل يصاب بها عالم.
إنما نحتاجه حقًا هو أن نحترم بعضنا أي أن نحترم وجود الاختلافات بيننا ونتفهم منشأها وأسبابها ونناقش الجزئيات التي من الممكن أن تنطلق بنا نحو تحقيق أهداف عامة سامية تسير باتجاه مصلحة الفرد والمجتمع داخليًا أو حتى تسير باتجاه الإنسانية والتكامل خارج إطار المجتمع الواحد.
17 يوليو 2015
17 يوليو 2015
No comments:
Post a Comment