في العامين الماضيين شغلَ منصب المدير التنفيذي بالشركة شخصٌ لا يجيد الاستماع، ولا يجيد التواصل مع الآخر، سواء كان الآخر موظفًا أو مسؤولًا أو زبونًا أو غير ذلك، لذلك فإن الشركة خسرت خلال تلك الفترة العديد من موظفيها المتميزين، كما خسرت العديد من الزبائن والمشتركين بالنادي.
وفي نفس هذين العامين بدأتُ دراستي الحوزوية بإحدى الحوزات المتميزة في البلد، وعلى النقيض من المدير التنفيذي السابق الذكر، وجدت مجموعةً كبيرةً من الأفراد ممّن يجيدون الاستماع والإنصات للآخرين، ويجيدون التواصل بشكل فعالٍ جدًّا، يقل نظيره في مكان آخر.
في طرف ثالث تمّت دعوتي للمشاركة بإحدى المجموعات عبر أحد تطبيقات وبرامج التواصل الاجتماعي، في ذات الفترة تقريبًا أو قبل ذلك، فلم تكن فرصة للالتقاء بمن يجيد الاستماع والتواصل فقط، بل كانت فرصةً ذهبيةً لتعلم ذلك، وبمستويات عاليةٍ جدًا، فكانت مرحلة إيجابية بالنسبة لي، تعلمت ولا زلت أتعلم منها الكثير، خصوصًا إذا ما قارنت هذه المجموعة بمجموعات وملتقيات أخرى.
أعود للشركة، فمع بدايات هذا العام انتهى عقد المدير التنفيذي السابق، ولم تجدد الشركة عقده، بعد أن دمّر الكثير من قواعدها، وبعد أن خسرت العديد من أفضل موظفيها، وأتت بمدير تنفيذي جديد، صاحب خبرة، عمل مع هذه الشركة الإدارية لسنوات في أماكن أخرى، والمفارقة أنّه على النقيض تمامًا، فهو مستمعٌ متميزٌ جدًا، ويجيد التواصل مع الجميع بشكل رائع، فبدأ تأثيره يظهر على بعض الأقسام سريعًا، منها القسم الذي أعمل فيه.
في الحقيقة قد صارحته سريعًا عن الأثر الكبير الذي تركه أسلوبه معنا، على مستوى القسم أو على المستوى الفردي، خصوصًا وأنّه يعمل معنا بثقةٍ تامّةٍ لا كما كان يفعل نظيره السابق، إضافة لما ذكرت من مهارات التواصل والاستماع.
اليوم ينبغي أن يعرف الجميع أن الاستماع للآخر باهتمام، أمرٌ مهمٌّ للغاية، ولا ينبغي تجاهله، وهو ليس تفضّل منك، بل هو واجب أخلاقي عليك، مهما كان موقعك وكان موقع الآخر، كنت في مرتبة أعلى - ترتيبًا - أو العكس، فهذه المهارات مطلوبةٌ من الجميع دون استثناء، ولعلها من الأعلى وصاحب القرار أكثر.
رسول الله (ص)، وأهل البيت (ع)، وهم المعصومون كانوا أبرز الأمثلة على ما نطرح، فمن هو في موقع العصمة لا يحتاج لغيره، فهو في درجةٍ عاليةٍ من الكمال لا يبلغها أحد، إلا أنّهم كانوا يعطون لغيرهم حق إبداء الرأي، وكانوا يستشيرونهم، ويستمعون لشكواهم، ولتساؤلاتهم، بل وكانوا على استعداد للحوار مع أيّ أحد، مهما كان شأن هذا الأحد.
إذا كانوا هكذا، فمن نحن كي لا نمنح للناس حقّ الاستماع، خصوصًا من يحتاجون لذلك، كالزوجة والأبناء والزملاء، ألم يكن لنا في رسول الله (ص) أسوة حسنة؟ بلى يجب أنْ يكون ذلك.
من المؤسف أن نرى الكثير - إن لم نقلِ الغالبية - من أبناء مجتمعنا لا يجيدون هذه الفنون، وربما يعاندون أيضًا حال تنبيههم لذلك، فيريدون فقط أن تسمع لهم، أمَا أن يستمعوا لأحدٍ فذاك أمرٌ محال، فهم أصحاب الرأي السديد، وهم الغالبون دائما (إذ كثير منهم يسعى للغلبة)، وغيرهم لا يساوي شيئًا.
على مستوى الحوارات والمحادثات بشتّى أنواعها، تحتاج لهذه المهارات دائمًا، خصوصًا عندما تكون صاحب الرتبة الأعلى اجتماعيا (إن صحّ التعبير)، وهناك من يحتاج لمن تستمع إليه، لا تبخل عليه بذلك، فإنّك دون شك ستعيش داخل قلبه كلما حافظت على هذه المهارات، وعلى هذه الأخلاق الرفيعة.
كلما كنت مستمعًا جيدًا، كلما استطعت استخراج ما في قلوب وعقول الآخرين، وساعدتهم على زيادة انتاجيتهم، ورسم الابتسامة على وجوههم.
ألا تريد أنْ يستمع لك الآخرون؟! إذن إبدأ بنفسك واستمع لهم..
٢٤ رمضان ١٤٣٦ هـ
No comments:
Post a Comment