Friday, July 3, 2015

السقوط الى أعلى / ايمان الحبيشي


نسمع كثيرا عن خسارة تكبدها إنسان، لأنه أصرّ على التمسك بفكرة أو قيمة بين جموع تؤمن أو تتمسك بعكس فكرته أو تمارس ضد قيمته، هل سمع أحدكم عن رجل كان قد خسر وظيفته مثلا لأنه أصرّ على الصلاح بين فاسدين؟ أظنكم سمعتم كما سمعت أنا!

تُصور لنا بعض القصص والروايات والمسلسلات، أنّ الحق دائما منتصر، وأنّ الخاتمة حتما مع الخير مهما طال أمد الشر، نظريا فتلك حقيقة تحدّث عنها الله سبحانه وتعالى، إذ ماذا يعني أن يبني رجل صالح هو نبي الله نوح عليه السلام، سفينة في الصحراء على مدى مئات السنين، وهو يتعرض للقذف والاستهزاء والكفر برسالته، ثم يغرق الجميع الا هو ومن ركب السفينة؟ انه انتصار الحق الذي نعرفه تماما. 
لكن دنيا اليوم بلا أنبياء وان كانت لم تخلو من عترة محمد وآل محمد عليهم السلام. 

نعيش في زمن الإمهال، أو كما يقول الامام علي عليه السلام "اليوم عمل بلا حساب" وذلك من شأنه أن يعني بأننا قد لا نتمكن من حضور لحظة تحقق النصر للحق!

فرجل وجد أن الرشوة نظام معمول به في عمل التحق به، فرفضها انطلاقا من ايمانه بحرمتها، والتزاما بتكليفه الشرعي في رفضها، وايمانا بأن الرشوة لا تبني مجتمعا صالحا، قد يواجَه أولا من قبل المستفيدين من نظام الرشوة من زملاء عمل، أو قد يواجَه ويحارَب من قبل المتسلقين بالرشوة لانجاز أعمالهم، والأدهى بأنه قد يواجَه ويحارَب من رؤوس كبيرة قامت بإنفاذ هذا النظام للاستكثار من الثروة والإستحواذ على الأعمال تحقيقا للربح، بل ما هو أمرّ حقا بأنه قد يواجَه ويحارَب من مجتمعه المحيط به، حين يطالبه بأن: "ما يطلع فيها والكل ماشي عليها وبلا مثالية زايدة .. فيد واستفيد"!

هذا الرجل من شأنه في حال ثبت على موقفه برفض الرشوة ورفض تمرير عمل غير منجز أو مشروع بلا فائدة، من باب الانصاف ورعاية المصلحة العامة وانجاز ما يقبله ضميره وخلقه ومبادئه بأن يسقط! فقد يخسر عمله وربما زوجته وعياله وربما سمعته! الا أن هذا النوع من السقوط المؤلم انما يتجه للأعلى حيث تستقبله السماء، ليشعر بأنه على أديم هذه الأرض غريب وحيد! وربما وبعد سنوات طوال يكون لموقفه أثر تراكمي يؤدي لمحاسبة المرتشين، وانفاذ قانون حازم ضد الفساد، واصلاح حال العمل بينما يكون هذا الرجل قد قضى نحبه ونُسي اسمه! 

تعتبر نظرية العقل الجمعي احدى النظريات التي تفسر حركة المجتمعات وسلوكيات أفرادها، والتي تشكلها تراكمات التوافقات الاجتماعية بين افراد المجتمع على مدى فترات زمنية طويلة، تؤدي لأن يقبل المجتمع سلوكيات وعادات معينة ويرفض سلوكيات وعادات معينة، دون التفكير في سبب القبول أو الرفض وجدواهما. 

حين يقرّ المجتمع قيمة ما، ايجابية كانت أو سلبية، فان التفكير في جدواها لا يتم الا عند تلمس حاجة لاعادة التفكير والنظر بتلك القيمة، وهو أمر لا يمارسه كل أفراد المجتمع بل أولئك الذين يمتلكون قدرة كبيرة على الشعور بمسؤولية التغيير، وحين تبدأ حالة المخاض الفكري فقد يرفض المجتمع ما قد ينتج عنها، لا لأن الناتج سلبي لكن لأنه يختلف عما درجوا عليه، فمقاومة ما ينتج في البداية يكاد يكون أمرا حتميا، الغريب أن عملية اقرار قيمة أو عادة ما، ثم عملية مراجعتها ثم مقاومتها حتى تتخذ نمطا جديدا ومختلفا يتناسب وحاجة المجتمع ووعيه الراهن، إنما تحتاج لمدة زمنية ومخاض فكري واجتماعي قد يطول وخلال تلك الفترة فقد يتساقط كثير من أفراد ذلك المجتمع للأعلى! 

ان تكلفة ذلك السقوط ليست عادية، فقد يعني ذلك أن يفقد انسان مكانته وسمعته الاجتماعية، وقد يعني ذلك أن يفقد انسان حريته وصحبه وأحبته، بل قد يعني أحيانا بأن يفقد الانسان حتى عمره! وقد يراه المجتمع الغاضب من جرأته على التصحيح مجرد ابن عاق "وهو الي جابه لروحه" الا أن هؤلاء المجهولين المغتربين المضحين، هم من يساهمون حقا في تغيير مجتمعاتهم للأفضل، لكن لا يتم ذلك الا حين يسقطون! 

الكثير من الظواهر الإجتماعية السلبية، والتي تقع على النقيض تماما من ديننا ومبادئنا وقناعاتنا، نمارسها لأننا نخشى السقوط للأعلى ادراكا بمدى وجعه وتكلفته وجهلا بحقيقة ذلك السقوط الملائكي وأثره, ونقصا في درجة احساسنا بالواجب تجاه تغيير المجتمع للأفضل.. 


ومن يمتلك جرأة لأن يختار السقوط وإن كان للأعلى؟

 
4 يوليو 2015

No comments:

Post a Comment