Friday, July 10, 2015

حرية الفكر.. ليست خيانة // إيمان الحبيشي

 
قال: لم أعد أعتقد بجدوى ما أقوم به.. تغيرت نظرتي للأمور
قيل له: إذًا.. اعقلها وتوكل
قال: أخشى أن أُتهم بالخيانة!!
 
بينما نتخطى مراحل الحياة، نتوقف مجبرين أمام بعض المحطات، نستغرق حينًا من الدهر عند هذه المحطة أو تلك، وحين نغادرها لا نكون نحن من توقفنا عندها، لأنها تركت بعمق قلوبنا أو عقولنا أو أرواحنا أثرًا، فغادرناها على غير ما أقبلنا عليها!
 
يؤمن البعض بأن التغيير فعلًا سنة الحياة، فيقبل إقبال النهار وإدبار الليل، ويقبل فقدان إنسان وولادة آخر، ويقبل سقوط ملوك واستخلاف آخرين، لكنه لن يقبل أن تغير وجهة نظرك في أمر ما!، رغم أن الإنسان مخلوق مفكر، ويعني ذلك أن عقله وشخصيته وإدراكه قابل للنمو أو التراجع بحسب ما يؤول إليه جهده وخبرته في الحياة.
 
فمن كان يعتقد مثلًا أن خروج المرأة للعمل "عيب" صار يعتقد أنه "ضرورة" وبعيدًا عن فلسفة وتصويب وتخطئة هذا الخيار، إلا أننا شهدنا تغيرًا كبيرًا في وجهة نظر الفرد والمجتمع اتجاه عمل المرأة.
 
تلك قضية مصيرية كبرى، حدث ما حدث لها من تغيير على مدى سنوات طويلة، ونتيجة لعدد من المتغيرات الداخلية والخارجية، حتى صار عمل المرأة عنوانًا محترمًا في المجتمع، لكن لنطرح السؤال التالي: ماذا لو وجد أحدهم بعد أن كان مقتنعًا بضرورة عمل المرأة أن ذلك أمر يجب إعادة النظر فيه؟ قد يجد كثيرون أن هذا الرجل أو المرأة قد أصابهم مس من "تراجع" في الفكر والشخصية، ذلك أنهم ربما نادوا يومًا بضرورة عمل المرأة. 
 
إلى أي مدى نتقبل أن يغير الإنسان وجهة نظره دون أن نتهمه بالتخاذل والتراجع والجبن والتخلف؟!
إلى أي مدى نمتلك القدرة على الاستماع لفكرة إنسان نعتقد أنها تنقض فكرة كان ينادي بها مسبقًا؟!
إلى أي مدى نفترض أن سبب تغير وجهة نظر إنسان هو سبب وجيه بالنسبة إليه على الأقل؟!
إلى أي مدى نحن قادرون على احتضان صديق أو أخ أو قريب رغم تغير وجهة نظر كانت هي العامل في جمعنا معه على طريق الحياة؟!
 
يعيش كثيرون رهبة الإفصاح عن حقيقة أفكارهم بعد أن نضجت لتختلف ولو بجزء صغير عما كان يحمله من فكر! الكثير يردد عبارة "لو أقولك رأيي بتكفرني!" تندرًا إلا أنها تكشف عن حالة هلع فكري نعيشه كأفراد وسط جماعتنا، ومهما بلغت درجة اقتناعنا بوجهة نظر ما إلا أننا قد نلتزم الصمت لنتقي شر التهمة الجاهزة للإنسان المفكر. لستُ أدعي أن كل تغير في وجهات النظر هو تغير محمود، لكنني أدعي أن كل تغير يحمل معه أسبابًا وقد تكون تلك الأسباب وجيهة حتى لو كانت النتيجة من وجهة نظرك عقيمة، إن محاولة الاستماع لوجهة نظر الآخر، وأسباب تغير فكرة كان يحملها، قد تساهم في تصحيح ما تظنه خطئًا.
 
نحتاج للتحرر من بعبع الاتهام، نحتاج للتحرر من رهبة الإفصاح عن الأفكار، نحتاج للتحرر من تقديس الشعارات، نحتاج لنتقدم عبر النظر للأهداف والقيم والمبادئ الثابتة، فقد يجد إنسان أن تحقيق هدف ما طريقه (أ) فيجتمع مع آخرين ليحفروا ذلك الطريق ويعبدوه حتى يوصلهم للهدف المنشود، لكن ونتيجة للعمل الجماعي والاطلاع على الظروف فقد يعتقد هذا الإنسان أن الطريق (أ) لن يوصلهم لهدفهم، وأن عليهم تغيير خطة سيرهم أو لا أقل تغيير وسيلة تعبيدهم لذلك الطريق، إلا أنه قد يخشى الإفصاح عن فكرته حتى لا يُتهم بالخيانة أو التراجع أو الكسل أو الأنانية، وستكون كارثة عظمى إن واصل السير في طريق يظنه "مضيعة للوقت والجهد" وقد تكون مصيبة أيضًا إن ترك أصدقاءه في منتصف الطريق عائدًا ملتزمًا الصمت عن أسباب تغيير وجهة مسيره!
 
الحاجة بين هذا الفرد وفريقه متبادلة، فكما أنه يحتاج ليفصح عن فكرته الجديدة، فإن هذا الفريق ومن أجل أن يتقدم محتاج ليسمع تقييم أعضائه للأداء والوسيلة بل وحتى الهدف المنشود! فلماذا نحجز أبناء المجتمع في زاوية الخوف والترهيب وإطلاق الأحكام!! أليس الأفضل أن يعبر فرد ما عن فكرة "سيئة" فنحاورها وننقضها ليواصل مسيرته معنا راضيًا مقتنعًا متفاعلًا؟ على أن يحاصره الخوف من التعبير عن أفكاره فيفقد نفسه ومجتمعه وعمله ليفقده المجتمع تباعًا!
 
إن سمة التغيير مؤشر على أن الإنسان حي!
 
فعقله لا زال يفكر
وروحه لا زالت تتمرد
والمجتمع الذي يحوي بشرًا قادرين على التغير بوعي هو مجتمع قادر على التطور، المجتمع الذي يكون قادرًا على الاستماع لأفراده هو مجتمع نادر رأس ماله الحقيقي أفراده، وإن أفرادًا قادرون على التعبير عن وجهة نظر تغيرت نظرًا لخبرتهم في الحياة هم أفراد شجعان مبدعون يحتاج المجتمع لاحتضانهم لا لإرهابهم.
 
 
11 يوليو 2015

No comments:

Post a Comment