إنّ للإنسان طرقًا متعددة لإيصال المعاني، تختلف من شخصٍ لآخر من جهة قدرة الاستعمال، وقوة إيصال المعنى، وغير ذلك، فترى شخصًا يبدع عندما يتحدث مع شخصٍ آخر، أو يخطب في جمع، أو يحاضر فيهم، وترى آخر يبدع في كتاباته ويتألق، بغض النظر عن قدرته على التعبير اللفظي، وترى آخر لا قدرة له على الكلام، وربّما الكتابة، فيكون أسلوبه هو الإشارة، وقد يجمع البعض بين قوّتين أو ثلاث، كلٌ بحسبه.
لولا هذه الطرق لأصبحت الحياة صعبةً جدًّا، فكلما أردت معنى حينها، ستضطر لإحضاره بنفسه، إذ لا طريق لديك غير ذلك، لكنّ ذلك أيضًا غير متيسر، فعندما تريد معنى الجبل، أنت لا يمكنك أنْ تحضر الجبل، وعندما تريد معنى الأسد، فأنت لا تتمكن من إحضاره عادةً. وهنا تتضح أهمية الأساليب السالفة الذكر.
ما مرّ لو كان الحديث فيه عن أناس في نفس العصر فقط، لكفى لبيان أهمية هذه الأساليب، فكيف بنا لو كان الحديث عن أجيالٍ متعاقبة، أو أناسٍ يعيشون في أماكن مختلفة متباعدة، لا سيما لو كان الحديث عن الأزمان القديمة، والحضارات السّالفة!
بالطبع ستكون الحاجة حينها أكبر، وستصبح كلّ الأساليب مطلوبة، وذات أهمية كبرى، إذ أنّ نقل ما تملك اليوم لقادم الأجيال يحتاج لطريق مناسب له، وأنّ التواصل مع من هم في أماكن مختلفة ومتباعدة، يحتاج لأسلوبٍ ملائمٍ أيضا، وهكذا، لذلك تتضح أهمية ما مرّ ذكره من أساليب، وغيرها، وتثبت لدينا أهمية الكتابة على مرّ العصور، ويكفي أنّ الكتابة هي المفتاح للقراءة واقعًا، فلا قراءة من غير كتابة، فلو لم يكتب فلان، ماذا سيقرأ الأخر؟! وكلّنا نعلم أهمية الكتابة ودورها في حياة كلّ فرد.
الكثير من أبناء مجتمعنا يدّعي عدم قدرته على الكتابة والتأليف، دون أنْ يحاول ذلك، فكلّما طلبت منه الكتابة، أجابك بأنّه غير قادرٍ على ذلك، وكأنّ الكتابة أمرٌ خاصٌ بأناسٍ معينين، لكنّ الأمر في الحقيقة ليس كذلك، فكلّ إنسان قادر على الكتابة والتأليف ما لم يكن لديه إعاقةٌ أو نقصٌ معين، فما نفكر فيه، وما نتلفظ به، نستطيع دائمًا تحويله إلى حروفٍ على الورق، لكنّنا نُرهب أنفسنا، ونوهمها أنّنا غير قادرين على الكتابة، مع أنّ الكثير ممّن يدّعون عدم القدرة هم ممّن يقرأون الكتب والمجلات، بل يلتهمونها التهامًا، ما يعني وجود مخزونٍ هائلٍ في أذهانهم إذا أضيف لتجاربهم الشخصية.
أظنّ أنّ من أهم أسباب العزوف عن الكتابة لدى الكثيرين ما يلي:
١- عدم إتقان علوم اللغة العربية، وعلم النحو خصوصًا.
٢- الرهبة والخوف من عدم النجاح في البداية، وردود فعل القرّاء.
٣- ضعف التجربة في هذا المجال.
٤- ضعف المسؤولية تجاه المجتمع والأمة.
٥- الاكتفاء بالقراءة من جهة السعي في تطوير الذات، وتغييرها للأفضل، وتجاهل دور الكتابة في ذلك.
٦- الخمول والكسل، وضعف الهمم.
٧- الاعتماد على الآخرين في كلّ شيء (كما اعتمد مجتمعنا على الغير تكنولوجيًا وصناعيًا، اعتمد أبناءه على غيرهم علميًا وثقافيًا).
هذه بعض الأسباب كما قادني إليها تفكيري، وفي الحقيقة إمكانية التغلب عليها يسيرةٌ جدًّا، ولا تستدعي الكثير من الجهد، فلو حرّكتنا الهمم العالية، لوجدنا حلًا لقضية الأخطاء اللغوية، إمّا بالتّعلم أو طلب المساعدة من القادر على ذلك، ولحملنا مسؤولية مجتمعاتنا كما ينبغي، ولم نتخاذل عن بذل القليل من أجلها، وكذا كلّ الأسباب المطروحة يمكن التغلب عليها بطريقةٍ أو بأخرى.
عُودوا للفقرات الأربع الأولى لتجدوا بعض ما يثبت أهمية الكتابة، وانطلقوا معنا في هذا العالم، لعلّنا نضع يدًا على يدٍ لننطلق بالمجتمع لما هو أفضل، فلنشارك تجاربنا، ونرتقي مع بعضنا البعض، كلٌّ يرفع الآخر.
كلّنا نستطيع الكتابة، بشتى قوالبها وأنواعها، فلا ينبغي أنْ نبخل على أنفسنا ومجتمعنا بما قد يرتقي به للأفضل يومًا مّا.
أنت تستطيع أنْ تكتب أيضًا!!
17 يوليو 2015
No comments:
Post a Comment