Friday, April 11, 2014

ليكن مشروعاً وجوديا

الكثيرُ منا يتحدثُ اليوم عن ضرورةِ التأسيسِ لمشروعٍ متكاملٍ ينهضُ بالشعبِ، في مقابلِ خصمٍ متمكنٍ، نافذٍ يملكُ السلطةَ والنفوذَ والمال والسلاحَ والدعمِ الدوليِ اللا متناهي، مشروعٌ ينطلقُ من هويتنا وتاريخنا وثقافتنا، مُعززٌ بالجوانبِ الاقتصاديةِ والإجتماعية، يُلقي بقوتهِ على الجانبِ السياسي، وربما العسكري لاحقاً، لنَتحول من أُمَّة مُستضعفة يَسهلُ استهدافها وحصارها، لأُمةٍ قادرة على أن تَدفعَ الأذى عن نفسها، على أقل تقدير لتَمضي قُدما في بناءِ مستقبلٍ أفضلَ لها ولأجيالها.

لكنَّ مشروعنا هذا مُحاصر بِكمٍ من الأسئلةِ أولها وأكثرها أهمية هي (ماهيةِ هذا المشروع)؟!

تُرى، ما هو المشروع الذي يجبُ أن نطرحهُ نحنُ الجيلَ الذي يقع على كاهله عبئ التغيير؟ مشروعٌ ذو هدفٍ سياسي؟ أم اقتصادي؟ أم كما نُردد أن يكونَ مشروعاً متكاملاً ؟! وحتى المشروع المتكامل، تُرى ما منطلقاته، من أين يبدأ؟ ماهي أهدافه قريبة، وبعيدة المدى؟

أولًا، لنُحاول الإجابةَ عن سؤالٍ غايةٍ في الأهميةِ هو؛

اليوم، مَن المُحارب على أرض أوال؟
كُل مُعارض لسياسات السلطةِ؟ أم كُل شيعي؟ أم الإثنان معاً؟

رُبما يُجيب كثيرون؛ أن المُحاربُ هُوَ (كُل) مَن يَتَجرأُ على السلطةِ بكلمةِ حق، سنياً كانَ أم شيعياً، وأزيدُكم، بل المُحارب كُل مَن يَتَجرأُ على السلطةِ أكانَ مِن أهلِ البلد أم من خارجِها، حكومةً أم شعباً، مُنَظمة أهليةٍ، دوليةٍ أو إذاعةٍ أخبارية.. فقدْ بَلَغَ الغُرور والتجبرُ عِندَ هذهِ السلطةُ مَبالغَ مُتقدمةٍ جداً.

لكن نحتاجُ للتركيزِ على المحارَبين من أبناءِ البلد، أتفق مع كثيرين يُؤمنون بأنَّ السُلطة تُعاقِبُ وتُحارب (كُل)َ مَن يقفُ بِوجهها أياً كانَ مذهبهُ وانتمائُه، إلا أنها تسيرُ بخطىً واضحةٍ لإبادةِ ومحاربةِ ابن البلد الأصلي (الشيعي طبعاً) وأجدُ أن من يكتفي بالقول أنَّ جميعَ المعارضين محاربون، يُساهم عن درايةٍ أو جهلٍ - مع كامل الإحترام- في بترِ الحقيقة المُرَّة؛ (أنَّ السُلطة مَشروعٌ قائِم على إبادة المواطنين الشيعة ويعنى التوقفُ عن إبادتنا -طوعاً أو كرهاً- فشلُ مشروعِ السلطة!) والشواهدُ على ذلك كثيرةً أكثرُ من أن أُحصيها، فحينَ يتجرأُ مُواطن من المذهب السِّني ليُعلن كلمةَ إعتراضٍ بوجه السلطة، فإنه قد يُحارب حقاً لكن، بعدَ عَزلهِ عن مجتمعهِ، فلا يُمسُ مسجده، ولا تُهانُ عقيدتُه، ولا يُأخذُ بذنبهِ أبٌ له، أو إبن، بل قد تُطوِع السلطة كل ذلك لتنتقم منه، ولتُحاربه مُنفرداً ليكونَ عِبرة لمن يعتبر، بمجتمعه وخارج مجتمعه، فلا يتجرأُ غيره بذاتِ جُرأته.

ماذا عن ابن البلد من المذهب الشيعي؟ واقعاً هو لا يحتاجُ ليُجاهِرَ بكلمةِ حق أصلاً، حتى تتم مُعاقبته، إذ أن عِقابنا بَدَأَ مُنذُ ما قَبل ولادتنا أي قبل حتى أن نَنَوي أن نكونَ في القِسمِ المُعارض للسلطة!!

فنحنُ محاربون في رِزقنا، مُنذُ أجدادنا حتى أبنائِنا، ذاقَ كثيرٌ مِنا الحِرمانَ مِن أبيهِ أو عائلتهِ مثلاً على فتراتَ مُتقطعةٍ نتيجةَ الزجِ بأبناءِ الشعبِ في السجون أو قذفِهم خارجَ حدودِ أرضهم، وذلك على فترات مُتعاقبة لم تنته حتى اليوم، ومنذ العام ٢٠١١ يُعاقَبُ الشيعةُ على أرض أوال، علناً وبِلا هواده، السابقون منهم واللاحقون، وإلا فما تفسيرُ هدمِ مسجدِ أمير محمد البربغي، الذي يُناهِز عمره ٤٠٠ عام؟!

إنهُ يعني وببساطة، أن الشيعي لا يُحاربُ في شخصهِ فحسب، بل يُحاربُ إنطلاقاً من واقعهِ مهاجِمين إمتداده، ووجوده، وثقافته، وعقيدته وتاريخه !!!

هل نُدرِكُ الفرقَ بينَ الحربين؟!!! **

الخُلاصة، نحنُ لا نحتاجُ لمشروعٍ اقتصادي ليوظف أبناءنا المُحَارَبين في أرزاقهم فحسب ..

نحنُ لا نحتاجُ لمشروعِ بِناءِ مسجدٍ فحسب ..
نحن لا نحتاجُ لِجمعية ترعى الأيتامَ فحسب ..

نحنُ لا نحتاجُ لإحراجهم بعدد ضحايا السكلر (مثلاً) فحسب ..
نحنُ بحاجةٍ لحملةٍ تثقيفيةٍ، اجتماعية، علاجية، وقائية، مادية، معنويةٍ ذاتَ أهدافٍ بعيدةِ المدى، تقضي على توارثِ مرضِ السكلر في ظرفِ عددٍ من السنوات.

بكُلِ وُضوح ، نحنُ لا نحتاجُ لمؤسسساتٍ تُحاول ترقيعَ ما افسدته السلطة، او تواصلُ الصراخ مُطالبةً بالتزامِ السلطة، نحنُ نحتاجُ لمشروعٍ (بهدف بعيدِ المدى جداً) مهما استُهدفت شخوصه، يظلُ مُمتداً في كل الأجيال، مشروع (أن نبقى) لا ( أن نموت)، مشروع (أفكار) لا يمكنُ تقييدِها أو الحدِ منها أو قتلِها.

كذلكَ فإن مساجدنا حينَ هُدمت لم تُهدم انتقاماً وتشفياً فحسب، بل هُدمت لبترِ امتدادنا التاريخي والعقائدي. ولنَتمكن من إفشالِ ذلك المخطط، فإن علينا أن نَمُد جسورنا مع ذلك الإمتداد، ليس عبرَ حِجارةِ المسجد، بل عبر تفعيلِ دوره، وتعميق وجوده، وعلى ذلك قس.

إنني أجد أن انطلاقة مشروعٍ كهذا لا بد أن يرتكز من الأساس، لا على أن يكون (شاملاً) بل على أن يكونَ (وجودياً ).

** همسة: حين أتحدث عن واقع مهاجمة السلطة للشيعة والفرق بين مهاجمتها للشيعي والسني فلستُ أُمارس الفرز الطائفي، بل أُحاول توصيف الواقع لنتمكن من معرفة المشكلة فإيجاد الحل، مع كل الحب لهذه الارض ومن عليها.

إيمان الحبيشي
9 إبريل 2014

No comments:

Post a Comment