Friday, April 11, 2014

أم الديفان

عندما كنت في سن المراهقة كنت أذهب مع صديق الوالد عمي السيد إبراهيم يرحمه الله في بعض أيام الجمعة وقبل أن تشرق الشمس إلى محل الباجه.. كان يمر علي صباحا.. نتمشى بين أزقة المنامة ونتوقف عند الخباز لشراء الخبز الطازج عوضا عن الخبز 'البايت'عند بائع الباجه.. نأكل تلك الوجبة الدسمة وبعدها نتوجه 'للقهوة' لاحتساء كوب من الشاي.. بعدها يتوجه السيد للسوق وأرجع أنا للبيت لإكمال نومتي..

في يوم ما سمعت عن فتح مطعم جديد لبيع الباجه والمثير فيه أنه يبيعها ليلا.. قلت للسيد عن هذا المطعم، فلم يتفاعل مع فكرة أكل الباجه ليلا.. عزمته على الوجبة فوافق في الحال..

اتفقنا على موعد للذهاب لهذا المطعم الجديد.. وبينما نتمشى ونتبادل أطراف الحديث سألت السيد إن كان يعرف الأماكن والأحياء التي نمر بها.. فرد علي بلهجة شديدة: شايفني ولد لنكاه ما أعرف هالأماكن! هذا الفريق يسمى كذا.. وكان هنا مزرعة.. وهناك بيت فلان.. ووو..

وصلنا المطعم وطلبنا وجبتنا.. وللأسف لم تكن بالجودة المتعودين عليها.. بعد أن أكلنا أقفلنا راجعين.. في الطريق التقيت بأحد أصدقائي.. فاعتذرت من السيد وقلت له مازحا: تندل بيتكم سيد.. لا أتذكر رده بالضبط، لكنه كان ردا صاحبته بعض الألفاظ الخشنة..

في اليوم التالي التقيت بالسيد فتلقاني بوجه مكفهر قائلا: ولا أمبيك مرة فانية تعزمني على شي.. هالروبيتين طلعوا من جبدي..

ماذا حدث؟

قال السيد: بعد ما هديتني مشيت للبيت.. قمت أمشي أمشي.. ما شفت إلا صوبي بحر.. قلت في نفسي من وين جه هالبحر في فريقنه! كل ما أمشي وهالبحر مو راضي يخلص.. أشرت على سيارة سألته هالشارع يودي وينه؟ قال: هذا الشارع يوديك سترة حجي.. ما صدقت الرجال.. يواصل السيد: هديت الرجال وكملت مشيتي.. بعدين عجزت ووقفت تكسي قلت ليه ودني المنامة..

أوصله صاحب التكسي الى المنامة فأقفل السيد راجعا في اتجاه سترة مرة أخرى لولا أن رآه من يعرفه وقام بتوصيله الى حد باب بيته..

إنها أم الديفان..

هكذا نحن في هذه الحياة.. تصيبنا أم الديفان، ونتصور أننا نتجه نحو أهداف رسمها الله لنا ولكننا في الواقع نسير في الاتجاه المعاكس.. وليس أفضل من كلام الباري عز وجل في وصف هذه الحالة " الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا".

إنها بحق كارثة.. فالإنسان في قرارة نفسه يظن أنه سائر على هدي من أمره ولكنه في الحقيقة ضائع تائه يتباعد تدريجيا عن الوجهة التي يقصدها.

ترى كم من الأحيان تنبري لنا مواقف، أفراد، عبر، أحداث لترشدنا للوجهة الصحيحة ونرفض حتى الالتفات لها مصرين في قرار ذواتنا أننا على الطريق الصحيح؟

ز.كاظم
11 إبريل 2014

No comments:

Post a Comment