Friday, April 18, 2014

كــــارثــــة العــــادات والتـــــقاليـــــد!!

تحدثتُ في المقالِ السابقِ عن صناعةِ الظواهر*، كجانبٍ خارجي ودخيل، والذي يساهمُ في إفسادِ وتخلُّفِ وانحطاطِ المجتمع، نتحدثُ اليوم من زاويةٍ أخرى مهمةٍ جدًا ولا يمكنُ التغافلَ عنها، ألا وهي ( العادات والتقاليد، والموروثات).

العادات: هيَ ما أعتادهُ الناس، وكرروهُ في مناسباتٍ عديدةٍ ومختلفة، أما التقاليد: فهيَ أن يأتي جيل، ويسيرُ على نهجِ جيل سابق، ويقلدهُ في أمورٍ مختلفة.

هذه العادات والتقاليد، من أين تنشأ؟!

وما أثرها؟!

 وكيف يمكنُ التعامل معها؟!

يُولدُٰ الإنسانُ - بطبيعةِ الحال - بلا إدراكٍ ولا وعيٍ، ولا تفكيرٍ، ولا خُبرة، فيبدأُ شهورهُ الأولى بالإعتماد على فطرتهِ كإنسان، فيبتسمُ، ويبكي، ويعبرُ عن شعورِه بالجوعِ والعطش، أو حاجتِه للنوم وما شابه، أما بالنسبةِ لسلوكياته، فهو يكتسبها - بلا إرادةٍ - من محيطه، وبيئته التي ينشأ فيها، فيبدأ باقتباسِ بعض سلوكيات الأب وبعض تصرفاتِ الأم، وبعض حركات الإخوان على سبيل المثال، فيتربى وينشأ هذا الطفلُ على نتائج تجارب هذا المحيط وهذه البيئة من جهة، وعلى ما توارثوهُ وتعلموه من آبائهم وأجدادهم، وربما بدون أن يدركون حقيقة ما يمارسونه مع هذا الطفل، فقد تكون ممارسة الأم لسلوكٍ ما من بابِ الضرورة، فتقلدها البنت من باب الثقة، فتورثها للحفيدة كعادةٍ!!

 فمثلا استخدامُ القِماط للطفل أمرٌ لا يمكنُ الفرار عنه وحين تسأل الأمهات عن غايته ستسمع العديد من الأسباب، التي سمعنها الأمهات من أمهاتهن، ولكن كم منهن بحثن في أصل منشئه وغاية استخدامه؟! والسؤال الأهم: كم منهن على استعداد أن تستغني عنه لو اكتشفت أن فكرتها عنه كانت خاطئة مثلا؟!

إن تكرار ممارسة ذات السلوكيات التي تمت وراثتها تقليدًا من الآباء، نابعة من منبع الثقة بالطريقة والكيفية التي تم اتباعها في تربية الأبناء، لذلك تجد الإبن يقلدُ أباه في كل حركاته، والبنت تقلدُ أمها كذلك، وهكذا يتم توارث العادات والتقاليد لأجيالٍ تتبع أجيال.. وسنين تتبعُ سنين!

يقول الله في محكم كتابه الكريم{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}  [البقرة 170 ] 

ولو راجعنا القرآن سنجد العديد من الآيات التي تتكلم في ذات النقطة، وغالبها إن لم تكن جميعها تتعرض لها بصيغة سلبية موبِّخة، الأمر الذي يعطينا دلالة على خطورة التسليم للموروثات هذه واعتبارها قوانينَ لا تمس، ومخالفات لا تسامح فيها، فسبغ وضوء خاطئ من أحد الآباء، قد يورثهُ جيلًا كاملًا، وضوءه باطل، فصلاته غير صحيحة؛ إن رفض  هذا الجيل تغيير طريقة وضوئه بسبب أن الأب أو الجد كان يسبغ وضوءه بهذه الطريقة!! 

بل قد تنشأ حروب بين عائلتين وتستمر عداوات وبغضاء وضغينة بسسبب خلافٍ قديمٍ عمرهُ عشرات السنوات، توارثته الأبناءُ بعد الأبناء.

هذه الموروثات والعادات والتقاليد التي نمارسها ونستسلم لها، لمجرد أننا تربينا على يد من يمارسها ستجبرنا - شئنا أم أبينا - أن نقف عند الزمن الذي عاشه مبتكر هذا الإرث الأول، وستُنقعنا في وحل التخلف والرجعية الحقيقية، وستمكن الغربَ وأعداءنا منا!!

نعم، نتمسكُ بالأصالةِ ولا نحاربها فيما نقولهُ هنا، وهناكَ ثوابتٌ قيمية ودينية وعرقية لابد لنا من المحافظة عليها والإعتزاز بها، ولا خلافَ على هذا، لكن المرفوض هو التسليم لكل موروثٍ من عاداتٍ وتقاليد واعتباره كقرآنٍ مُنزل، بحجة أنا "نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا "!!

أن يمارسهُ آباؤنا فهو سبب لاكتشافنا إليه، ومعرفتنا به، ويجب أن لا يكون سبب التسليم له والقناعة به، فموارد البحث والسؤال والإستكشاف اليوم في عصر الألواح الذكية، بات أسهل من أي شيء، والوصول لأي معلومة اليوم لن يستغرق عدة دقائق، فلا حجة للجهل والعمى!!

نحن - كأمة إسلامية، نحملُ منهج السماء الرسالي، الذي بدأهُ محمدٌ صلى الله عليه وآله، ونكمل مسيرته جميعًا اليوم، فإن كان ديننا وإسلامنا عبارة عن عاداتٍ وتقاليد وموروثاتٍ ألفينا عليها آباءنا، فهذه الكارثة، لأننا سنساهم في شرخ عظيم في خط محمدٍ الرسالي، بسبب أنَّا سنكون لا نملك الحجة القوية ولا القناعة المتينة التي نبني عليها إسلامنا، وبالتالي سنكون نحن أول من نسيءُ لهذه الرسالة التي ننتمي إليها..

تجارب آبائنا وما وصلوا له من معرفةٍ، أمر يستحق الوقوف عنده، والإستفادة والإستلهام منه، ولكن لا بد من مراجعته قبل اعتماده والعمل به، فكثير من هذه الموروثات قد تكون نشأت بسبب ضرورة ظرفية، وهي ليست بالضرورة صالحة لظرفنا و زماننا.

 #تأمل / يقول شاندل: من أجل تخريب مبدأ ما، لا تهاجمهُ بقوة، بل دافع عنه بشكلٍ ضعيف.

أبو مقداد
18 إبريل 2014

*مقال صناعة الظواهر: http://ertiqabh.blogspot.com/2014/04/blog-post_3112.html?m=1

No comments:

Post a Comment