Saturday, April 19, 2014

الكلمة حق غلافه المسؤولية

حتى وقتٍ قريب لم تكُن الكلمةَ مُتاحةََ للجميع، وكانَ العازمونَ على القراءةِ يُعانون من مشقةِ الحصولِ على ما يقرأون، لكنَّ الحالَ استحالَ لغيرِ الحال حينَ انطلقتْ عبرَ الشبكةِ العنكبوتيةِ عشراتِ المنتدياتِ الإجتماعيةِ والسياسيةِ لتبلغَ الذروة مع َانتشار مواقعِ التواصل الإجتماعي، فصارَ الجميع قادراََ على بث رأيهِ أو ما يجولُ بنفسهِ لآلاف القراء عبرَ ضغطة زر. لم تعد هناك رقابة حقيقية على الكلمة، خصوصا مع تَمَكن الكاتب من إخفاء هويته لو شاء. تحولنا تحولا حقيقياََ نحو الحرية، وإن لوحق كاتبٌ ما يوماََ، ففكرتهُ التي أرادَ لها أن تصلَ وصلت، ولم تعُد أيَ سُلطةٍ قادرةٍ على مَحوِها أو وقفِ انتشارها وهو أمرٌ جيدٌ قطعاََ، فالكثيرُ منَ المُبدعين انطلقوا عبرَ هذهِ المواقع، وكثيرٌ من الأفكارِ السلبية البالية استُبدلت بفضلها. لكن بطبيعة الحال حتى القُدرة على بث الأفكار والآراء أُثبِتَ أنها سلاح ذو حدين، فكما انتشرت العديد من الأفكار الراقية، هناك الكثير من الأفكار والأساليب الهدَّامة صارت أساليب وأفكار مُعتَمَدة وباتت تُشكلُ الكثيرَ من الإنتاج الفكري للبعض. حتى البذاءات يا سادة صارَ لها أصحابها الذين يرفعون شعارات رنانة ليمارسوها بكل حرية، فَتَحتَ عبائةِ النقد تُهاجم الشخوص وتُقذَف، وربما ديست قيمٌ اجتماعية وتربوية ودينية تقوم عليها مجتمعات. ووراءَ ستار الحريةِ لُفظ الإحترام ووُئدت المسؤولية. لستُ أدعو للوقوف عند خطوط حمراء إلا التي أقرها الله ونبيه وأهل بيته مع التفكر بها طبعاََ، لكنا نحتاج لوقفة.

نمتلكُ عُقولاََ راجحةََ وهبها الله إيانا لتُفكر حتى تصلَ بِنا لقمةِ الكمال الإنساني، ولأن المجتمعات تتكونُ من مئات الآلاف من اﻷنفس البشريةِ المختلفةِ، فمن الطبيعي أن تتعدَّدَ الآراء والرؤى خصوصاََ في تلك الأمور التي تحتملُ اللبسَ أو طرح الرأي فضلاََ عن بعضِ ما صار المجتمع يُعدُّه ثابتاََ حتى ينقُضُهُ العقلُ الانساني ليُثبتَ أن ثابتَ الأمس ليس سوى ضربا من ضروبِ إعاقةِ الفكر البشري والتطور الانساني فيُتخلى عنه.

لكن،، أليس للكلمة مسؤوليتها؟!

حين يُسطِرُ أحدهُم رأياََ سيستحسنهُ البعض وسينقده البعض الآخر، ذلك أمر طبيعي جدا، فكل رأي يحتمل أن يكون صوابا او خطأ، وربما كان رأيا مبنيا على جزء من الحقيقة، فلا يكون متكاملا لكن حين يُنقد بكل وعي فقدْ تبرزُ الجوانب المخفيةِ التي قد تُمكن كاتبه من العمل على إخراجه متكاملا، هذا إن تمكنَّا فعلاََ من النقدِ بشكلٍ بنَّاء يُحقق وصية أمير المؤمنين  ”اضْرِبْ بعْضَ الرّأْيِ بِبَعْضٍ يَتَوَلَّدْ مِنْهُ الصَّوَابُ.“

الأسئلة التي أطرحُهُا ولا أجِد لها إجابة هي؛
لمَ يتم تسفيه بعض الآراء لدرجة الإستهزاء؟
لمَ يَقفز البعض على الرأي المكتوب للكاتب؟
لماذا تُنقَضُ الرؤى عبرَ شتم أصحابها وتخوينهم وإخراجهم من ملة الدين؟
كيفَ منَ المُُمكن أن نُميزَ الخيط الدقيق بين النقد البناءِ والتسقيط؟
بل كيف نُدرك حقيقة النقد من البذاءة؟
وما دور القارئ لكل تلك الآراء والرؤى وما ينتجُ عنها من نقد أو تراشق؟

مسؤولية الكلمة تقعُ على عاتقِ كاتِبها وناقدها وقارئهما كأفراد من جهة والمجتمع من جهة أخرى، فحين نَكتب بمسؤوليةِ مخاطبة العقل لا إثارة العواطف او تأليب النفوس، وحين نقرأُ بصفة البحث عن الفكرة ومدى جدواها وواقعيتها وتقييمها وتقويمها من أجل المصلحة العليا لا من أجلِ التَصَيُد على كاتبها، وحين يكونُ لقارئِ الفكرة ونقدها دورٌ في رفضِ التسقيط والتصيد والشتم وتقييم التعاطي مع تلك الفكرة وذلك النقد، وحين تكون للمجتمع هبةٌ ضد التناحر الفكري، وداء شخصنة الآراء والرؤى، نكونُ في مأمن من السقوط الأخلاقي الذي بات منتشرا نتيجة الإختلاف الذي خلقنا الله عليه. وأساس تلكم الممارسات إيمان حقيقي بطبيعة الإختلاف والحق في أن نختلف، ورغبةٌ حقيقيةٌ في الخروج بمجتمع سليمٍ معافى قادر على المُضي بالإنسان نحو الإستقرار والتنمية والتقدم.

ما يُؤلمني اليوم أن الحديث عن أخلاقيات الإختلاف وفن إدارة الخلاف، والتأدب في أي نقاش أصلا صارت أفكار ودعوات مرفوضة، يُتهم قائلها بالإنبطاح والتملق أحيانا وبالحماقة والسفهِ أحيانا أخرى. يُؤسفني أن الشدة في القول وتجريم الإختلاف، والإمعان في الخلاف، ومقابلة الإساءة بالإساءة، صارت قيوداََ تَلُفُ مَعاصِم التسامح والرحمة والتقبل، بينما كثيرون يتشدقون بأنهم من أُمّة كان نبيها (محمد) صلى الله عليه وآله خيرَ خلق الله الذي صَبَرَ على مُخاطبة الأكثرِ عنتاََ في التاريخ فقال عنه ربُهُ (وإنك لعلى خلق عظيم) .

إيمان الحبيشي
19 إبريل 2014

No comments:

Post a Comment