Friday, April 4, 2014

تفكر



بمجرد أن يصحو الفرد من نومه تلازمه زحمة الحياة وكثرة الإنشغالات، ولا تكاد تنتهي تلك الحركة الدؤوبة إلا بعد ثواني من 
صف عضامه على سريره بعد أن أثقل التعب والإرهاق جسده. ولا يكاد يختلف الأمر بين طالب في الروضة أو موظف في شركة أو حتى عاطل عن العمل. فالمؤثرات الصوتية، وزحمة الشوارع، ومتطلبات الحياة، والصراخ، والتحرك من مكان إلى مكان، بل حتى وسائل التواصل الإجتماعية وكثرة الرسائل والمسجات، وتجدد الأخبار والأحداث، كل ذلك يجعل الفرد في حالة مستمرة من الحركة لا يلتفت لنفسه إلا والثواني تحولت إلى ساعات، والأيام تصرمت أشهراً وسنوات.
تلك هي سمة الحياة العصرية.
لا يوجد متسعاً من الوقت، ذلك حال لسان الفرد منا. فمن منا يجد الوقت الكافي للتفكير؟! وقد يتبادر إلى الذهن سؤال: هل يستطيع عقل الإنسان أن يتوقف لحظة عن التفكير؟! لا، فعقل الإنسان في حركة ونشاط دائب، فكل حركة وسكون للعقل منها نصيب الأسد.. فهو سيد الأعضاء في الجسم.. وهو الذي يمد سائر الأعضاء بالأوامر والتوجيهات. لكن ليست هذه عملية التفكير المقصودة، بل المقصود تلك التي ساعة منها أفضل من عبادة سبعين عام.
تحتاج عملية التفكير إلى هدوء وصفاء ذهني يستطيع الفرد من خلالها أن يقيّم حالة وجوده في الحياة من منظار مقام الخلافة التي كرمه الله بها "قال إني جاعل في الأرض خليفة". فليس من المعقول أن يجعل الله سبحانه الإنسان سيد الموجودات ويشرفه بشرف الخلافة على الأرض وهو يعيش حالة من التفكير أقصى همها الجري وراء لذة فانية ورغبة زائلة وحاجة بالية.
وأنّى لهذه اللحيظات من التفكير أن تُترك وهناك ثقافة تحتقر عقل الإنسان وتلزمه بأن لا يرهق ذهنه في التفكير بما هو أكبر من حجمه لئلا تختل عقائده ويضل عن جادة الطريق.. وأنّى لهذا العقل أن يفكر وجسده وعقله مُستعبد من أصحاب رؤوس الأموال كالآلة تُنفذ الأوامر وتُنهك الأعضاء طلباً في قوت يومها.. وأنّى لعملية التفكير أن تشق غبارها والضوضاء مسلطة عليها من كل جانب.. أخبار متسارعة، وتفاهات لا متناهية، ونزاعات قائمة..
يقول الله سبحانه: "أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ" الروم
ويقول أمير المؤمنين عليه السلام: "التفكر في ملكوت السماوات والأرض عبادة المخلصين".
وقال عليه السلام: "التفكر حياة قلب البصير".
وقال الإمام الصادق عليه السلام: "لا يقبل الله عملاً إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل".
خصص وقتاً من يومك للجلوس مع نفسك.. صفِّ ذهنك من مشاغل الحياة ومتاعبها.. إبتعد عن الضوضاء والفوضى.. واطلق لعقلك عنان التفكير.. وأسأل نفسك هذا السؤال: ما سر وجودي في هذه الحياة؟ وتذكر مقولة الأمير عليه السلام "أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر".. ماذا تعني؟ ولماذا وكيف ينطوي فيك العالم الأكبر؟
تفكر.. تفكر.. تفكر.. ثم اعمل.. فأنت أهل للتفكير وجدير بالعمل على بصيرة من أمرك


ز.كاظم
4 إبريل 2014

No comments:

Post a Comment