Friday, April 18, 2014

هل يكون (الإنتحار القيمي) ضريبة!؟

بعد أن كان عالمنا محصور بين البيت، المدرسة والحي أصبحنا نحمل جهازاً صغيراً بين أيدينا يحوي العالم بكل نماذجه الطيبة والخبيثة، يسمى الهاتف النقال بتقنية الإنترنت، وقليلاً ما نبتعد عنه لتبقى أعيننا مشغولة بصورة أكبر، بثقافة أدهى وأمر، تقنية معدة لبرمجة حياتنا من خلال قنوات تبث برامج متسلسلة تنوعت أشكالها واشتركت في ثقافتها التي تحاكي غرائز الإنسان لتشغله وتبعده عن التفكر والتدبر  ليكون بعيداً كل البعد عن الهدف من الخلقة.

والمؤسف أننا نقدم هذه النماذج لأبنائنا على هيئة هدايا قيمة لنساهم في حصار فكرهم في دائرة معينة من دون أن نشعر.

قضاء ساعة واحدة في أحد المجمعات التجارية كفيلة بأن تعطيك صورة عن مستوى الفساد الأخلاقي المتفشي في مجتمعنا الصغير. أسباب كثيرة تصطف مجتمعة كانت علة إلى تفشي الفساد إحداها ما سبق ذكره، لذلك لم آئلف أجواء تلك المجمعات فكل الصور المنتشرة هناك تزيد من توتري النفسي وخوفي على أبنائي من التواجد في مثل هذه البيئة.

الخوف والقلق على الأبناء أمر طبيعي جداً بل هو الدافع لإيجاد أفضل الوسائل الضامنة لتربية سليمة، ولكن أصبحت إمكانية التوفيق بين حماية الأبناء وتربيتهم كأفراد أسوياء من الناحية النفسية تحدياً يعيشه جميع الآباء والأمهات، فإنجاح هذه المعادلة يحتاج إلى وعي، مرونة، تفهم، وتقييم للمواقف.

تحدثني إحدى الأمهات وتقول:

أخاف على أبنائي كثيراً.. أحاول جاهدة أن أحميهم من التعرض لسوء حتى وإن كان صغيراً.. أمنعهم من الخروج مع أصدقائهم لكي لا يكتسبوا سلوكيات خاطئة.. أحيط بهم لأحميهم.. أختار معهم ملابسهم لأضمن لهم صورة لائقة فهم لا يستطيعون التمييز.. كما وأني أراقب هواتفهم بين فنية وأخرى خوفا عليهم من الإنحراف.
 
قد تكون هذه الأم وفرت الحماية لأبنائها، لكنها في ذات الوقت قيدتهم فأفقدتهم الإنطلاق، الثقة بالنفس، حس المغامرة، التجربة والشجاعة، وزرعت الخوف، الإتكالية والضعف في مواجهة المشاكل البسيطة فكيف بمواجهة مجتمع!! متناسية بأن الإنفصال عنها مصير محتم.

لإنجاح معادلة حماية أبنائنا وتنشئتهم بنفسيات سوية وإعدادهم بأساسيات قوية لبناء حياة مستقلة يواجهون بها المجتمع، يتوجب علينا كآباء وأمهات أن نوطد الثقة بيننا وبينهم من خلال تعزيز لغة التواصل والتحاور معهم، والمحاولة في تأسيس هذه العلاقة منذ الصغر.. علاقة الصداقة والمحبة وليس السيطرة والتحكم. فلنقربهم بدل أن ننفرهم فتستقطبهم الأجواء الخارجية بكل تأثيراتها، ولنعلمهم معاني المفاهيم ومعايير الأمور بطريقة صحيحة، ولنبتعد كل البعد عن استنساخ أنفسنا من جديد من خلالهم. لنطرح لهم كل الخيارات ونترك لهم الإختيار والقرار وتحمل مسئولية قراراتهم وإن كانت خاطئة.. نوضح لهم إيجابياتها كتجربة تجعلهم يتجنبون سلبياتها في المستقبل.

فلنحاول صناعة جيل  نقي من كل ما نحمله من ثقافات خاطئة، وندعمه بما يضمن للأجيال اللاحقة التقدم والتطور.. بهكذا وعي وثقة نستطيع أن نطلق لأبنائنا العنان لخوض تجاربهم الخاصة.. حينها فقط نكون وفرنا لهم الحماية وأنشأناهم بنفسيات سليمة.. وبعدها سنجدهم يلجئون لنا ويحيطون بنا ﻻ نحيط بهم.

أم حسين
3 إبريل 2014

No comments:

Post a Comment