المقدمة ١
أسوأُ من أن تمارسَ معصيةٍ ما، هو أن تُجاهرَ بها، وأفضل من فعل الخيرِ هو إفشاؤه، هذه القاعدة التي أثبتها الإسلام لصلاح المجتمعات وحمايتها من التدهور والإنحراف، فحين يقول الله في محكم كتابه العزيز "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيع الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَاب أَلِيم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة " ويقول "وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " لأن إشاعة أمرٍ ما، يحولهُ لأمرٍ سائد بين المجتمع، ويصنع من كل متخلف عنه شاذًا، غير مقبول في هذا المجتمع .. والأمرُ سواءٌ في الخير والشر..
المقدمة ٢
كل أمرٍ جديد يطرأ على أي مجتمع، وتكون طبيعته تختلف عن طبيعة هذا المجتمع، من الطبيعي جدا أن يواجه موجة معارضة وعدم تقبلٍ وانتقاد، هذا الأمر نفسه لو استمر، وتكرر، سيتمكن من الحصول على بعض الجماهير المؤيدة - وإن قل عددهم- ، الأمر الذي سيجعل منه لاحقا، أمرا غير مقبول ومرفوض ولكن سيتم الإعتراف بوجوده، واعتبار وجوده حق، ثم لن يلبث حتى يتحولَ لعادةٍ يمارسها الكثير من هذا المجتمع، وبالإستمرار والتكرار، أيضا سينتشر ليصبح ظاهرة يعرفُ بها هذا المجتمع، فيتحول تلقائيًا لعرفٍ بين أفراد المجتمع، ومن يتخلف عن ممارسته - فضلا عن من يعارضه - سيكون شاذًا غير مقبولٌ رأيه، متخلفًا، مرفوضًا بين مجتمعه، قد تستغرق مرحلة التحول من حالة الأمر الطارئ، لأن يصبح عرفا لعشرات السنين، ولكنها تحدث!!!
هذه إحدى أخطر وسائل بث وتمرير الثقافات الفاسدة بين المجتمعات الصالحة، وتحويلها من أفكار مرفوضة إلى ثقافة يساعدُ هذا المجتمع في نشرها بين تلك المجتمعات، ففي رياضة كمال الأجسام - مثلا - بعض الأجسام تحتاج لإعادة بناء كتلك السمينة الممتلئة بالشحوم والدهون، هذه تمارَس عليها خطة حمل الأثقال الخفيفة وزنًا، ولكن بشكل مستمر ومكرر جدا، حتى يتم التخلص من هذه الشحوم وإزالتها والتعويض مكانها بالعضلات، أما بعض الأجسام المتناسقة والغير ممتلئة بتلك الشحوم، فلا حاجة لازالة شي، فتبدأ مباشرة عملية البناء العضلي عبر حمل أوزان ثقيلة. هذه الفكرة تمامًا تشبهُ فكرة صناعة الظواهر والأعراف، فبعض المجتمعات تكون متمسكةٌ بأعرافٍ قديمة يصعب التخلص منها، فيتم تعريضها لأفكارٍ خفيفة ولكن بشكلٍ مكرر ومستمر عبر آلية ممنهجة، حتى تتحول هذه الأفكار لاحقا إلى ظواهرٍ وأعراف، وبعض المجتمعات التي تكون تربة قبولها للثقافات الفاسدة خصبة، تحتاج لموجة قوية موحدة تعبث بفكرها وثقافتها وتشوهها!!
حين نهى الإسلام عن إشاعة الفاحشة، كان يريد أن يضع حدًا كي لا تتحول هذه الفاحشة التي مارسها وارتكب ذنبها شخصٌ واحد، إلى ظاهرةٍ وعُرفٍ يمارسه الجميع، ضاربين بالتدين عرض الحائط، فتنشأ هذه المجتمعات على الفواحش التي حرمها الله، كذلك حين أمر بإشاعة الخير، فهذا ما هو إلا إيجاد البديل، وصناعة الثقافة الصالحة التي تبني المجتمع على أفضل عاداته.
لذلك فالسماح لأي ثقافة دخيلة أن تقتحم المجتمع، وإبقاء حيز من الفراغ في المجتمعات غير مملوءٍ بثقافة الإسلام المحمدي الأصيل، وعدم المساهمة في نشر ثقافة هذا الدين وإفشائه، هو مساهمة ضمنية في إفساده، ونشر ما تيسر من الفساد فيه، وتبقى مسؤولية حماية المجتمع هي مسؤولية كل فردٍ فيه.
أبو مقداد
12 إبريل 2014
No comments:
Post a Comment