Saturday, June 20, 2015

كنوز الرسائل العملية وشبكات الإجازة / السيد محمد علي العلوي



الرسالةُ العلميَّةُ كتابٌ يشتمل على المسائل الشرعية على رأي صاحبها الفقيه المجتهد، يكتبها إمَّا جديدة بصياغته الخاصة، أو إعادة لرسالة سابقة بعد التعديل عليها بما يوافق آراءه، ثمَّ تُطبَع ليتمكن المكلَّفون من شرائها والرجوع إليها للتعرُّف على الرأي الشرعي المبرئ للذمَّة.


يتصدَّى بعض الأفاضل لشرح رسالة من الرسائل العملية في دروس يلتحق بها من يريد الاستفادة من سائر المؤمنين، وهنا تحديدًا أتوقف.. فالرسالة العملية كتاب يُعِدُّه الفقيه لعامة الناس، ومن المفترض أن تكون العبارة الفقهية فيها واضحة لا تحتاج إلى زيادة شرح وبيان، خصوصًا وإنَّها مما يحتاجه المكلَّف بشكل قد لا يحتمل التأخير في كثير من الأحيان!


هل يكتُب المراجِعُ بأسلوب يصعب على عامة الناس فهمه، أم أنَّ الناس في حاجة إلى دفعةٍ ثقافيَّةٍ تُقعِدهم على أرضية الرسالة العملية؟


نعم، هناك بعض الرسائل العلمية صيغت بلغة أكثر سهولة من غيرها، بل وحتى في أسلوب طرح المسألة تجدها مختلفة اختلافًا ليس بالقليل عن أكثر الرسائل العملية المنتشرة بين أيدي المؤمنين، ولكِنَّ الذي أراه قد لا يتوافق مع منهجيَّة التبسيط، وفي نفس الوقت لست رافضًا لها، وهذا ما أبيِّنه في السطور التالية إن شاء الله تعالى.


أدخل إلى الموضوع من بوابة كتب الإجازات، وشاهدي كتاب لؤلؤة البحرين لمؤلِّفه الفذ الشيخ يوسف البحراني (قُدِّس سرُّه)، والإجازة هي رخصة يعطيها المُحَدِّثُ لغيره، فيتمكن هذا الغير من رواية ما صحَّت للمجيز روايته، ومما يقف عليه المتدبِّرُ الانتشار الأفقي لسلسة الإجازة، فمن البحرين إلى القطيف والأحساء ثُمَّ بلاد فارس والعراق إلى جبل عامل وكذا الهند وغيرها..


تكشف الإجازة، أو أنَّها تؤدي إلى تكثير المشتركات الثقافية بين شبكة الرجال، فعالم جبل عامل يروي ما يرويه عالم الهند وعالم العراق وعالم فارس وعالم البحرين، وهذه مادَّةٌ بحثيَّة غاية في الأهمية، فالمشترك الثقافي وخصوصًا إذا كان من روافد العترة الطاهرة كان من المفترض أن يشكِّل بناءً حصينًا لأمَّة محمد (صلى الله عليه وآله)، فلماذا لم يكن ما كان من المفترض أن يكون؟


من هذا السؤال ينبغي أن تنطلق قوافل البحث العلمي في رحلات تشخيص الخلل وإعادة استثمار مسألة الإجازة ومعالجة الاعتماد على الكتب المطبوعة، فالإجازة ليست لإحراز المطلوب في الرجال والدراية فقط، ولكِنَّها تشتمل على أبعاد ثقافية واجتماعية وتربوية وسياسية في غاية الأهمية.


ومن هنا أقول:


نحن –للأسف- متخلِّفون كثيرًا عن الحضارية الفلسفية لعلم الرجال وما يتفرَّع عنه من عناوين مهمَّة، ولو أنَّنا نتوسَّع في بحوثنا الرجالية وبموازين بعض العلوم الإنسانية، لربَّما تمكَّنا من استحداث نظريات وأطروحات تتقدَّم تغييرات كبرى قد لا نكون لنتوقعها يومًا.


فنحن إذن في حاجة إلى التقدُّم نحو إرثنا العلمي، وليس إرجاعه إلينا، وليس بخافٍ على عامَّة الناس الأسلوب الكتابي للمتقدِّمين من العلماء وكذلك المتأخرين، وهو ما نسميه بالأسلوب المغلق، والواقع إنَّه ليس بمغلق، ولكِنَّ المجتمع قد تراجع كثيرًا عن لغة العلم والمعرفة، حتى أصبح في حاجة إلى شرح الشرح، وشرح شرح الشرح!


عندما نتأمل الرسائل العملية لفقهائنا العظام، فإنَّنا ندرك حجم ما نمتلك من قواعد ثقافية لا يمتلكها غيرنا، وأقول قواعد لأنَّ الفقيه إذا أراد الحديث بلغته الخاصة فإنَّه يفرغ طاقاته في كتب البحث الاستدلالي ومثيلاتها، وما يكتبه في الرسالة العلمية أراه القاعدة العلمية التي من المفترض أن يكون عليها عامة الناس.


تنطلق الأمم في تقدمها ورقيها من القواعد العلمية التي يعمل المفكرون على صياغتها وإحكامها بالبحث والتقليب، وهكذا يكون، ولكِنَّ الملاحظ أنَّنا نمتلك كنوزًا من المعارف، ولا نلتفت إليها، بل نفرُّ منها رهبة وخوفًا، ولذلك نجدها محصورة بين العلماء والجادِّين من طلبة العلم، ولو أنَّ المجتمع يسعى لتحصيل مقدَّماتها، لأخرجها إلى دائرته الأوسع، ولشهدنا قفزات علمية معرفية غاية في الرشاقة والثبات.


ما أعتقده هو أنَّ ما نمتلك من إرث علمي متتابع، ينبغي أن يكون دافعًا لعامة الناس نحو السعي الجاد على طريق تحصيل ما يمكن من مقدَّمات تأخذهم في نقلات نوعية في اتجاه التقدُّم والرقي، وليكن استيعاب وهضم الرسائل العلمية خطوة أولى في اتجاه أعلى الأهداف.


هذا، وكلي أمل في أن ينعطف المجتمع العلمي الشيعي انعطافة يستثمر فيها جواهرَ استخرجها وصاغها المتقدِّمون من علمائنا الأبرار، ومنها علم الإسناد وشبكات الإجازة.


20 يونيه 2015

No comments:

Post a Comment