لقصص الأمم والحضارات والشعوب أهمية قصوى، لا تتمثل بالمعرفة التي يوفرها الاطلاع على تاريخ وتجارب الشعوب فحسب، بل يتجاوز الأمر ذلك ليصل بالإنسان لأن يتمكن ومن خلال معرفة قصص الأولين، من توقع خط سير المجتمع مستقبلا، وكيف من الممكن أن يكون، وما السبيل لأن يكون مجتمعا ناجحا مثلا، وذلك عبر نظريات وضعت من خلال دراسة تاريخ الأمم.
فمثلا صارت هناك نظريات اجتماعية قادرة على معرفة خط سير المجتمعات، فمن ضعف الى قوة الى ضعف، قاعدة اجتماعية معروفة تحدث عنها ابن خلدون في مقدمته وشاركه فيها العالم الألماني شبنكلر.
في الواقع فان بعض العلوم كعلم الاجتماع مثلا، هي علوم قائمة من أساسها على دراسة المجتمعات والحضارات والعادات لجماعة ما ثم استخلاص العبر والنظريات من خلال مقارنتها بحضارات وجماعات أخرى، الا أن ذلك يعني أن يتمكن المتتبع لتاريخ الشعوب والأمم من معرفة التاريخ الحقيقي وما جرى حقا على الأمم ليتمكن من استخلاص نظريات واقعية وعبر تنفع الإنسان اليوم ليبني مجتمعا متكاملا قادرا على تحقيق متطلبات أفراده وجماعته محققا بهم ذلك الكمال.
إنّ من مصائبنا العظمى أنّ تاريخنا الإسلامي قد كتبه أصحاب السلطة! فكيف من الممكن أن نستخلص عبرة أو نظرية من تاريخ كتبه الأقوياء والجبابرة ومن أجل أن يمجّدهم التاريخ ويذكر فيهم ما لم يكن فيهم قط!
أُتابع منذ بداية شهر رمضان المبارك سلسلة محاضرات يقدمها الشيخ عبدالأمير الكراني، وهي سلسلة تاريخية تتحدث عن السيرة النبوية العطرة، ورغم أني قرأت الكثير من الكتب التي تتحدث عن تزييف تاريخنا الإسلامي إلا أنّ التوسع الذي يقوم به الشيخ مشكورا قد يصيبنا بالذهول، فالكثير من القصص المنسوبة لنبي الرحمة صلى الله عليه وآله، لم يكن لها أساس من الصحة انما ذكرتها شخصيات مشكوك في أهدافها. ولو توسعنا قليلا لوصلنا لكربلاء الحسين عليه السلام والتي لولا حرارة دم شهدائها وعلى رأسهم حفيد رسول الله لتمكن جبابرة ذلك الزمان من حرف مسارها لتكون كما يردّد كثيرون من طلاب سيرة الجبارين "حربٌ على السلطة والرياسة" وحاشى لحفيد رجل الإصلاح الأول أن يحارب من أجل سلطة، لكن تمكّن كتّاب التاريخ الكاذبين من تفريخ أجيال تسمع قصتهم وتصدّق روايتهم حتى خرج منهم من يتبجح بأنه لو كان في زمن الحسين لخرج لقتاله!!
اليوم ابتلينا نحن أبناء هذا الزمان، بعقول تربت وهي تسمع روايات مكذوبة عن رسول الرحمة تصوّره كرجل حرب وغنائم وسلطة! فلم يعرفوا من رسولهم هذا سوى النحر وسفك الدماء وسّبي النساء!
اليوم ابتلينا نحن أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، بعقول ونفوس تربّت حاقدة، جاهلة بالتاريخ الحقيقي للتشيع ومعناه، ذلك أن التاريخ يكتبه الكاذبون! ولأن ائمة هذا المذهب يسيرون في منهج مغاير لسلاطين زمانهم الذين كانوا يخشون من محبة الناس لهم ويخشون من صدق حديثهم فكانوا يلاحقونهم ويقتلونهم ويبطشون بشيعتهم ثم يكذبون ويكذبون ويفترون ليصوّروا الشيعة كمجموعة منحرفة ضالة ليسهل قتل الضمير الإنساني حين ينظر لمسألة قتلهم، فوصلنا لأن يتجاسر إنسان على أخيه الإنسان ليفجّره في بيت الله وفي شهر الله وهو قائم بين يديّ الله!!
حين نقول أن دراسة التاريخ الحقيقي أمر في غاية الأهمية فان ذلك يبرز حين نستذكر أن واقعنا اليوم هو نتيجة لإهمال تتبع التاريخ الحقيقي لأمتنا، وهو نتيجة حتمية لتغييب البعض لعقولهم وتسليمها تماما للكاذبين والجبابرة، انها نتيجة حتمية لعدم تمكًن الكثيرين من النظر للتاريخ بعين المتفحص ثم تشخيصه بعين المنصف.
ان إعادة قراءة التاريخ بشجاعة ونقده بجرأة دون تسافل ولا تحامل، قادر على ان يستنقذ الأمة من حالها الفظيع الذي وصلت اليه، ليس ذلك فحسب بل ان دراسة التاريخ قادر على أن يوجد بداخلنا حلولا حقيقية وجذرية لكل مأزق نحياه داخل البيت الواحد والمجتمع الواحد والطائفة الواحدة فضلا عن مآزقنا في البيوت المتجاورة والمجتمعات المتداخلة والطوائف المتعددة.
كن سيد نفسك .. حكّم ضميرك وحسك الإنساني .. وارجع لتقرأ التأريخ متفحصا لا حاكما وقد تتفاجأ مما قد تؤول اليه الأمور بعمق نفسك لتنعكس على مجتمعك.. وأول ثمار ذلك سيكون أن نخرج من سطوة العدو الذي تفحّص تاريخنا جيدا وتمكّن منا تماما لنكون سادة أنفسنا العصاة على عدونا.
27 يونيو 2015
No comments:
Post a Comment