Friday, June 12, 2015

شهر المتعة! // محمود سهلان



يطلّ علينا بعد أيامٍ قلائلٍ شهر رمضان المبارك، الذي هو من خير الشّهور، والذي يتضمن ليلةً وصفها القرآن الكريم بأنّها خيرٌ من ألف شهر، ويتضمن الكثير من المناسبات الإسلامية المهمّة تاريخيًا، وكذلك في الوقت الحاضر..

هذا الشّهر الذي بات يسير في اتجاهٍ مختلفٍ عما أراد له الشارع المقدس، حيث صار شهرًا للّعب والعبث والسّهر، انقلب إلى شهرٍ ننام فيه نهارًا ونسهر ليلا، لا من أجلِ العبادة والتّقرب إلى الله، بل من أجل أيّ شيءٍ آخر إلا القرب الإلهي..

نعم.. شهر رمضان اليوم تحول لشهرٍ للطّبخ المتنوع، والمسلسلات التي لا تتوقف على مدار اليوم، والبرامج الهزيلة، بل والبرامج الفاسدة البعيدة تمامًا عن روحية هذا الشّهر وما أُريدَ له، التي تحتوي على الكثير من مظاهر الفسوق والفجور، ويبقى الكثيرُ يتابعها بشوقٍ ولهفة، فيذهب أغلب هذا الشهر الفضيل، بين سهرٍ في ضياع، وجزء آخر خلف شاشة التّلفاز، وكثير منه بالمطبخ، وما أكثر ساعات النّوم التي يقضيها الناس فيه!!

حتّى مجالس القرآن باتت لدى الكثيرين روتينًا اعتادوا عليه، وجلساتٍ يلتقون فيها، فلا يستمعون للقرآن، ولا هو همّهم أصلا، فهو الطّريق للتّلاقي فقط، وتناقل الأحاديث، بل والغيبة والنّميمة وما شاكل لدى البعض..

ماذا أقول، وهذا هو حالنا اليوم، استبدلنا اللّب، واكتفينا بالقشر، وفي أحيانٍ كثيرةٍ بما هو بعيد جدًّا حتّى عن القشور..

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: ١٨٣].

من هذه الآية نستطيع الكشف عن فلسفة الصّيام، ولو على نحو الجزئيّة على أقل تقدير، لنقول بأنّ المراد من الصيام هو تحصيل التّقوى، وبذلك يكون هذا الشهر المبارك من أهمّ المحطّات في عمر الإنسان، فإنّها فرصة نعيشها اليوم، ولا ندري تتكرّر علينا لاحقًا أم لا، والمفترض أنّنا سنعمل على استثمارها، وسنسعى لذلك فردًا وجماعات، لكنّنا نرى الواقع مختلفًا جدًّا.

لذلك أقول أنّنا بحاجةٍ لتغيير الواقع الذي سيطر على أجواء هذا الشهر، لتتحول مجالسنا لمجالس قرآنٍ وعبادةٍ حقيقيةٍ ومؤثّرة، ومجالس علمٍ وثقافة، ولنقف ضدّ ما يُعرض من مسلسلات وبرامج تبعدنا عن روحيّة هذا الشهر، ولنَصل أرحامنا، ونملأ أوقاتنا بالعبادة والعلم والتّعلم، ليتحولَ هذا الشّهر كما يصفه بعض العلماء لدورة تدريبيّة، ثم نستمر على من نكتسبه فيه من روحيّة وثقافة، ليكون محطّةً نتزوّد منها بخير الزاد، لطويل الطّريق، ويوم المعاد.

يملأ صدري الألم عندما أرى ما آلَ إليه حالنا في التّعامل مع هذا الشهر، وابتعادنا عمّا أُريدَ إلينا فيه، فنحن خلاله ضيوف الرّحمن، على أفضل مائدة، لكنّنا نختار مائدة الشّيطان، سواء كان إنسيًا أو غير إنسيّ، فنبتعد عن كلّ ما يدعونا للتّقوى بمحض إرادتنا، ونتّجه لما يفسد هذه النّفس.

ما مضى لا ينطبق على الجميع، لكنّه فعلا ما يقوم به الكثير، فهل نرى شهرًا مختلفًا هذا العام، أم نبقى في تراجعٍ مستمر، دينيًا وأخلاقيًا وثقافيًا؟!

محمود سهلان
٢٥ شعبان ١٤٣٦ هـ

No comments:

Post a Comment