Friday, June 12, 2015

تأملات في دعاء الندبة (1) / منصور علي الجمري

 
 
 
منصور علي الجمري
 
 

مُغتسِلاً متأهب لصلاة الجُمعة بعد أن أدى فريضته و عاهد الحجة، إفتتح الندبة ليندب، أقدّم على الدعاء فبدأه بحمد لله رب العالمين، حمداً مطلقاً دون إكتراث بما قد حل من قبل البدأ، متأملاً مضمون الحمد مستذكراً ما قد أوحِيَ لنبي الأمّة أن سبِح بحمد ربك. 

فاللحمد عظيم منزلتها عند المحمود مما قد جعلها مدروجةً في تسبيحة الصديقة عليها السلام المُهداة من رسول الله (ص) معنونةً بخيرٍ من الدُنيا بما فيها. أغمض عينيه، أرجع رأسهُ للخلف قليلاً كاتماً نَفَسه سائلاً وجدانه " أيُ حمدٍ أحمِدُ الله؟ " فليس كُلُ الحمِدِ حَمْد ! 

فَمِنه حمدٌ على النِعمة وآخرٌ على النقمة ومنه شكرٌ وآخرٌ مدّاح. إرتَفعت أجفانُه و بؤبؤهُ يحدِق في جملة " الحمدلله رب العالمين" قالها بنبرةٍ خافتة وتمتمَ: ليسَ كُلُ حمدٍ مدح؛ ولكن كل مَدحٍ تحميد، و ليس كل حمدٍ شُكر؛ و لكن شُكراً لله حمدا " 

وضع سبابته على الصفحة و أغلق عليها الكتاب، طأطأ رأسهُ مُحرجاً من اللُطف الإلهي الذي يحفِهُ رغم زلاتِهِ الكثير و معاصيه يكادُ يحسِسُ في نفسِه بأنها المرةُ الأولى التي يحمد الله فيها تحميداً له عز و جل عن قناعةٍ تامة بما قدّر الله لهُ و شاءهُ عن صَلاح، فستَشْرت داخِله قناعةُ العبد باستحقاق المَعبود إليه و بدأتا الراحة والسرور تتغلغل في أعماق أحاسيسه. 

فقد صوّرنا الرحمن في الصورة الأحسن، و أودعنا جوارحَ مع طبعة الإسلام لنؤديَ الرِسالة المثالية للإنسان بما هو إنسان، و للمسلم على تأديةِ واجباته وأن نكون مسئولين عنِ الذات ومحيطها. 

فتح الكتاب ثانيةً مؤمناً بأن الحمدلله على كُل حال حمدهُ كما يستَحِقهُ كثيراً طيباً دائماً ابدا، في السّرّاءِ و الضّرّاءِ و النعماءِ و الأواء و الشِدةِ و الرّخاء، متيقناً بأن كُلَ حالٍ هو خيرٌ و صلاح. مؤرجحاً رأسهُ و بصوتٍ رفيع قالَ " رَحَمكَ اللهُ يا ولدي" و أكمل في الدُعاءِ مُرتِلاً: اللهم صَلِ على محمدٍ وآل محمد. 
 

يتبع في الإسبوع المقبل إن شاء الله
13-6-2015

No comments:

Post a Comment