Friday, June 5, 2015

لو كان الفقد رجلًا لقتلته / إيمان الحبيشي





نعتاد الحياة .. ونخشى الموت..

ليس لأن الحياة بديعة، ليست لأنها حانية، ليست لأنها دار فرح، بل هي كما وصفها إمامي وحبيبي علي ابن أبي طالب (ع): (أحذروا الدُنيا فإنها غدّارةٌ غرّارةُ خدُوعٌ مُعطيَة ٌ مَنوعٌ، مُلبسة ٌ نَزوعٌ لا يَدُومُ رَخاؤها ولا ينقضي عَناؤها ولا يركُدُ بَلاؤهَا) إلا أننا ببساطة نعتادها. 

نعتاد الحياة لأن فيها لقاء الأحبة والصحبة، نعتادها لأنها تتزين ببسمات فلذات أكبادنا وآبائنا، نعتادها لأنها الواقع الذي صرنا نحياه، وبتنا نعرفه بينما نخشى الموت، ذلك الأمر الموصوف المعروف المجهول، المبني على تصورات نسجناها من واقع آيات محكمات أنزلها الله على قلب محمد (ص) ومن واقع كلمات وأحاديث وأوصاف الأئمة "ع"، نخشاه لأننا ندرك أن الدنيا ألهتنا عن الله، وأن محاولاتنا في بناء دار الدنيا أنستنا أنها دار فناء، مهما طال البقاء فيها فهي حتمًا إلى زوال، فشيدنا الأولى وتناسينا الآخرة. 


ليست الحياة فقط ما نعتادها، بل إنا نعتاد كل جميل فيها، بشرًا كان أو مدرًا، نحب من هم حولنا، نعشق السفر لأماكن بعيدة لنمتع نواظرنا بجميل ما خلقه الله، وبينما نحن في غمرة تلك الحياة وإذا بنا نفقد أحدًا ممن جعلنا نتمسك بها! 


لنتذكر فجأة أن هذه الدنيا ليست سوى محطة عبور، نترجل إليها من أرحام أمهاتنا، ونغادرها عبر لحودنا الضيقة، التي تتسع لمن وسع قلبه حب الله والإنسان، وتضيق لمن ضاق صدره عن العطاء والحب والتضحية. 


لنعي أننا لسنا سوى عابرون في حياة بعضنا، نحث السير للرحيل، لكنا لا نعلم من منا يصل أولًا، وكيف ومتى يصل! 


تلك الحقيقة كلفتني أن أفقد زميلًا بحجم شاعر أهل البيت الشاب محمد عبدالنبي المخوضر "أبا مقداد" الذي جمعني به هم وطن، ليزيد من عقدة جمعنا هم العقيدة والمجتمع والتغيير، وإذا بنا ننفض الهم من على أكتافنا، لنستبدله بـ"حلم"، حلم أن يكون مجتمعنا مجتمعًا كاملًا يذوب في حب الله من أجل الله وفي الله. 


ذات يوم وبينما كنت أناقش معه سلسلة مقالات سماحة السيد محمد العلوي حول النظرية الشيوعية، قال لي: "بغض النظر عن مساحة الاختلاف الكبيرة التي تقف بيني وبين كارل ماركس إلا أني أقف مبهورًا كلما فكرت كيف أن شابًا لم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره، كتب بيانًا كبيان الحزب الشيوعي، ليكون ذلك البيان منطلقًا لحركة ضخمة متسعة مؤثرة، تمتد لأجيال تخلد اسمه في التاريخ، حتى أني أنا من ولدت بعده بعشرات السنين لا زلت أقرأ بيانه وأحاول أن أفهم فكره!! "


اليوم أقف أنا المذهولة من فقدك، أتساءل يا محمد كيف لشاب لم يتجاوز السابعة والعشرين من العمر، أن تتسبب وفاته إثر حادث مروع أثكل قلوبنا، بموجة الحزن والألم والتأثر التي اجتاحت قرى البحرين وخارجها، حتى صار الجميع يسطر ملامح حبك وملاحم فكرك عبر كلمات صاغها بكل وجع، كيف لشاب بعمرك أن يحمل كل هذا الكم من القدرة على التأثير سرًا دون أن يستشعره أقرب الأقربون! بالنسبة لي أزعم أني كنت أعرف أين تتجه يداك الكريمتان، أتذكر كيف كنا نزور بيوت الشهداء لتمسح بيدك على رؤوس الأيتام بمبادرة منك ومن زميلك المعتقل العزيز على قلوبنا جعفر الجمري، كنت أعرف وجعك وأنت تراقب مجتمعك وهو يُبتلع من قبل خبثاء مهرة يجيدون اللعب بالنار والحديد والأرواح، كنت أرى بعينيك ذلك الحلم الذي جمعنا وحملنا من محطة لمحطة حتى أوصلنا هنا، بين صفحات مدونة ارتقاء، نحاول أن نعبر بالأفكار التاريخ، نحاول أن حرث أرضًا ونضمنها بذورًا يانعة مثمرة ولو بعد حين ..


حين أقول أني وقفت مذهولة، فليس لجهلي بالحب الذي زرعته لوجه الله طوال عمرك القصير، أنا أيضًا مذهولة كيف أن الوجع لفقدك قد تحول للوحة وفاء متداخلة الألوان، رسمتها ريشة الفنان وقصيدة الشاعر، وأحلام المدونين والأصدقاء والأقرباء والأحبة، حتى استحلت لفكر جميل سنظل نسعى لنشره وتعريف الناس عليه. 


أقول ذلك غير آسفة على خاتمتك الرائعة التي وهبك الله إياها، بتشييع يشبه تشييع الشهداء والعلماء، أقول متألمة فلو كان لي الخيار فقطعًا لن أختار رحيلك، فلو كان الفقد رجلًا لقتلته من شدة ما شعرت بوجعي ووجع من حولي ممن عرفوك وتعاملوا معك وأحبوك.. 


لقد أخذت وعدًا على نفسي أن لا أودعك.. أنا أقول لك:


إلى اللقاء في المحطة التالية.  


7 مايو 2015


5 comments:

  1. شركة سيرفس تاون أفضل شركة عزل اسطح بمكة وتقدم ايضا جميع خدمات العزل مثل عزل حرارى وعزل مائى وعزل فوم بافضل العمالة المدربة ونقدم ارخص وافضل الاسعار فى مكة
    شركة عزل اسطح بمكة
    شركة عزل حرارى بمكة
    شركة عزل مائى بمكة
    شركة عزل فوم بمكة
    شركة عوازل بمكة

    ReplyDelete