Friday, September 19, 2014

تاء الشباب.. بنا ولكن ليسَ منَّا // أبو مقداد


 
المجتمعاتُ العقائديةُ من أصعبِ المُجتمعات التي تواجهها قوى الاستكبار في العالم، لذلك فالسبيل الوحيد لتطويعها كما يشتهي أعداؤها، هو سلخها عن عقائدها وأصالتها وموروثاتها، وإلباسها ثوبَ العبودية لهذهِ القوى الفاسدة المستكبرة أو اختراق عقيدتها من حيث لا تشعر. والمجتمع الذي تعتمدُ عقيدتهُ على طقوس فارغة من محتواها، تكونُ عقيدته خاوية من أيِّ روح، قابلة لأي طارئ دخيلٍ أن يُشوهها، فتكون مهيَّأة لتمرير مشروع هذه القوى، لذلك فمن يتعامل مع المجتمعات العقائدية يتعامل بحذرٍ شديد وإلا كُشفت خطتُه. وأيضًا على المجتمعات العقائدية أن تنتبه وتحذر وتُحصن نفسها جيدًا عن أي اختراق، ولأنّ هذه المجتمعات العقائدية صعبةُ المراس، فلا بُد من ابتكار الخطط والحِيَل والمشاريع الغير محسوسة، والتي تتمكن من النفاذ لعمق هذه المجتمعات بكل سلاسة ورشاقة، دون أن يشعر أحد ما بخطرٍ يحولُ حولهم  وحولَ عقائدهم.
 
بنظرة سريعة على المجتمع البحراني نلاحظ أن كل تاريخه وحاضره مرتبطٌ ارتباطًا شديدًا بعقائده، فمواكب العزاء والمآتم، والمساجد وعلماء الدين والحوزات خير شاهد ودليل على ارتباط هذا الشعب بعقائده منذ القدم. وبالطبع لا يمكن أن ينسلخ هذا الشعب والمجتمع البحراني عن هويته وعقيدته بكل سهولة، لذلك كان لا بد من مشاريع مدروسة بحِرَفيَّة عالية، كي لا تصطدم بالمجتمع حين تخترقه. المشاريع هذه عديدة وكثيرة، في المقالين السابقين تحدّثت عن الوجه الاقتصادي في أحد جوانبه، وكيف أننا حين فقدنا استقلاليتنا الاقتصادية بتنا لقمة سائغة لهم، واليوم نسلط الضوء على جانبٍ آخر لا يقل أهمية عن الجانب الأول، وهو الجانب الثقافي، وكيف نُخترق من خلاله ونُحَارب به؟!
 
الحرب الثقافية التي نواجهها أكبر مما أتصوّر ويتصور القرّاء، فحجمها هائل، منها محاولة سلخنا من هويتنا من خلال تغيير اللهجة، حتى تختلط اللهجات ويصبح الحديث باللهجة البحرانية الأصلية أمرٌ مُخجل، ومنها تمريرُ مصطلحات دخيلة أو مبسطة من مفاهيم كبيرة جدًا وإشاعتها بيننا لتصبح رائجة، وهي مصطلحات لها دلائل تخدم أجندات معينة قد لا ننتبه لها، ومنها أيضًا الثورة الإعلامية الضخمة التي تُوجّهُ الشعب نحو ما تريدهُ الحكومات، والعديد العديد من المعارض والأمسيات والفعاليات والأفكار التي تخاطب عقولنا الباطنة، وتعبث بها من دون أن نشعر بذلك، وكثيرًا ما نستجيب لها فنُخترق من خلالها!
 
في عام ٢٠٠٩ انطلق المشروع الثقافي الضخم تحت عنوان "تاء الشباب" والمدعوم من وزارة الثقافة، ويعد الإفراز الضمني من ربيع الثقافة، فبدأت (التاء) في استقطاب واستهداف العديد من  الشباب واستغلال مواهبهم وأفكارهم وصياغة توجهاتهم، لإنجاح فعالياتها. وقد يبدو الحضور قليلًا نسبيًا في فعالياتها، ولكن لو نظرنا لما يحدثُ هناك ولآلية عملها وأسلوبها سنتفاجئ بالكمّ الهائل من الشباب (البحارنة) الذين يقوم هذا المشروع  وفعالياته المُسمَّاة بالثقافية على سواعدهم، بالإضافة لفعاليات ربيع الثقافة تعتمد على الكثير من فعاليات الغناء والرقص الذي لا يعبر عن الهوية البحرينية الأصيلة أبدًا كالليوة والعرضة، والتمثيل وغيره من الفنون، التي يستمرون في تصديرها لدول العالم على أنها عادات وتقاليد البحرين، في الوقت الذي يُغيب فيه تراثنا الحقيقي. وبالرغم من أنهم يرفعون شعار تنمية الفكر، إلا أن الفكر المُنَمَّى واقعًا هو الفكر الذي تشتهيه الوزارة، الفكر الذي يسلخ المرأة من عباءتها لتظهر جمالها وكامل زينتها، الفكر الذي يسمح للشاب بملامسة (اخته) الشابّة، الفكر الذي يجعل الموسيقى علاج روحي للتأمل في ملكوت الله، الفكر الفاسد والثقافة التي تتمكن باحتراف من سلخ المجتمع البحراني عن بحرانيته، واندماجه في ثقافة الآخرين الدخيلة، حتى تصبح عقائد المجتمع العقائدي، مجرد تخلّف ورجعية، فنحن الآن " وصلنا ٢٠١٤ وللحين تتكلم لي عن الحلال والحرام ؟! "

ومثل هذه الفعالية، وأنشطتها هناك الكثير من المشاريع التي بدأت وستبدأ، منها ما تمّ تدشينه مؤخرًا تحت عنوان مدينة شباب 2030، الذي أطلقه أحد أبناء العائلة الحاكمة، ولكم أن تبحثوا عن ماهية مشروع 2030 ومدى خطورته ثقافيًا على مجتمعنا، ومن يرعاه ويؤسس له. هذه البرامج والمشاريع وُجِدَت بنا، وعُرضت أمامنا ولكن ثقوا أنها ليست من هويتنا ولا ثقافتنا ولا تخدمنا بشيء أبدًا!
 
هناك خلل كبيرٌ في استجابة شبابنا، وأبناء قرانا للفعاليات التي يرعاها مشروع وزارة الثقافة، ولا بد أن يعي كافة المجتمع أن هذه المشاريع لم توجد إلا لوأد ثقافتهم وسلخهم من هويتهم، وأصالتهم التي أنتجت عقائدهم، ولكن بطريقة سياسية ذكية، وأن استسلامهم لهذه المشاريع هو قتلٌ للثقافةِ التي أرادوا تنميتها. ومن أخطر أنواع التثقف هو توجيهه وتقنينه ليصاغ بمقاسات معينة تخدم جهة معينة، فضلًا عن كون هذه الجهة فاسدة. والثقافة هي سلوكٌ جماعيٌ يعكس الطابع العام الذي يقوم عليه مجتمعٌ من المجتمعات. وثقافة الفرد هي مدى اندماجه وتأثيره في هذا المجتمع وثقافته، والمساهمة للرقي بها. لذلك أرى بأن مساعي تاء الشباب والمشاريع المشابهة له تهدف لتثقيف الشباب ولكن بصورة عكسية خطيرة، فينبغي علينا أولًا أن ننتبه من هذه الاختراقات وثانيًا أن نستمر في صنع خطِّ ثقافيٍّ موازٍ يعكسُ ثقافتنا الإسلامية الأصيلة التي ربَّانا عليها آباؤنا والمآتم والمساجد. وهذا لا يعني التخلف عن مواكبة الزمن وتطورات العصر، فبالإمكان جدًا تفعيل مسابقات ومهرجانات الأناشيد الإسلامية، وتدشين ودعم المسابقات والأمسيات الشعرية، وإقامة نوادي للقراءة والفنون والهوايات، والاهتمام بمواهب الشباب، وإقامة ورش العمل التدريبية والصالونات الحوارية الإثرائية، وغيرها الكثير من المشاريع الثقافية التي ترتقي بالمجتمع وثقافته، وهو مسؤولية الجميع تجاه كل شاب، لتغنيه عن الحاجة للجوء لما يشبه ربيع الثقافة وغيره. طبعًا، للإنصاف لا أنكر الجهود التي تقوم بها بعض الجهات الإسلامية في هذا المجال، منها أنشطة وفعاليات جمعية التوعية الإسلامية، وبعض الجهود الفردية من بعض المآتم، إلا أننا نحتاج جدّيًا لتكاتف هذه الجهود وصناعة مشروع حاضن متين، يختص بهذه الأمور التي لو غفلنا عنها لصغرها، ستكبر ولن نتمكن من السيطرة عليها. الشباب والصغار اليوم مسؤولية كل فردٍ فينا بما فيهم الشباب أنفسهم، لا بد من احتضانهم، والا فأحضان الفساد مفتوحة دائمة، هكذا هو قانون الدنيا. هي مساحة واحدة إن لم نجتهد لنملأها بالدين، ستمتلئ بالكفر تلقائيا، وإن لم نملأها بالخير، فلا نسأل كيف امتلأت بالشر لاحقًا. فكل مساحة نمنع عنها النور، لا بد أن تمتلئ بالظلامِ تلقائيًا.
 
إشكاليةٌ أخيرةٌ قد يتكرر طرحها بين الفينة والأخرى كلما دعونا لمقاطعة هذا النوع من الفعاليات، وتتلخص في "ما علاقة الثقافة بالسياسة" ونقول بأن القضية أساسًا ليست سياسية بالدرجة الأولى، إنما هو صراعٌ ثقافي-ثقافي. الحرب الحقيقية هي حرب وجودٍ ثقافي بين الخير والشر، وتحديدًا بين الدين والعلمنة، ومن الطبيعي جدًا أن لا يِطرح لنا مشروعهم بمفاهيمه التي نعترض عليها، فلا بد من تغليفه بأُطرٍ نتقبلها وتشجعنا على دعمها تحت عناوين فضفاضة تندرج تحت الأطر الثقافية، لذلك فدعم مشاريع الوزارة تحت هذا العذر أمرٌ غير صحيح، ومن يحتاج للثقافة، سيكون قادرًا على البحث عنها من مواردها السليمة، دون أن يضطر لهذه الفعاليات. وليست كل ثقافةٍ نحتاجُ أن نكتسبها، فبعضها إن دخلت بيننا دمرتنا، شعرنا بذلك أم لم نشعر، فضلًا عن أن كل شيء صار اليوم يتدخل في سير العملية السياسية، والتي لا يسع المقام هنا للتعرض لها.
 
لنكن نحنُ مَن نصدِّر ثقافة الدين السليم المتسامح الواعي الراقي الناهض بمتدينيه، للعالم كل العالم، لا أن نكون الوعاء المستعد لاستقطاب كل نطيحةٍ ومترديةٍ من الثقافات الدخيلة على ديننا ومجتمعاتنا.
20 سبتمبر 2014

No comments:

Post a Comment