Friday, September 12, 2014

اجتثاث هوية // إيمان الحبيشي



من منكم التفت لمجسمات الجِمال (جمع جَمل : سفينة الصحراء)، التي صارت تنتشر في ربوع جزيرة أوال؟:
مطار البحرين، بعض الدوارات، بعض الشوارع، أمام واجهات بعض الفنادق؟
ألم يتسائل أحدكم، ماذا تفعل مجسَّمات الجمال على أرض جزيرة، تُحيطها المياه من كل الجهات، أو هكذا كانت؟!
 
يُمثِّل الجمل رمزًا من رموز البيئة الصحراوية التي لا ننتمي لها، وكذلك تمثِّل السّيوف والخناجّر والصّقور وكذلك القنص، وحتى الرقصات التي يبثّها التلفزيون الرسّمي..
 
السؤال مالنا نحن وهذه الرمزيات؟
 
الإجابة بسيطة جدًا .. هناك من يحاول برمجتنا عبر ملأ أدمغتنا بصور معيَّنة حتى نألفها وفي المقابل، أين مجسّمات اللؤلؤ؟ السّفن؟ أدوات الصّيد؟ أدوات الزرّاعه؟
 
أين النخيل؟ أين العيون العذّبة؟ أين المساجد التاريخية؟ ما هو تاريخ هذه الأرض؟ مَن هو شعبها؟!
 
ربما يدرك كثيرون أن هناك هدفٌ، تريد أن تصل إليه السّلطة في البحرين، عبر استجلابها لقوات عسّكرية من غير البحرينيين، قوات مختلطة منها العرب، وكثير منها من غير العرب، قوات تُوطِّنهم الأرض وتُملِّكهم خيراتها، من أجل أن يكون شعبَ البحرين شعبًا مواليًا للسلطة الحاكمة فيه، إما لأنه مرتزّق لها في غالبيته، أو لأنه أقليّة بلا حول ولا قوة، يحاول أن يتنفَّس بهدوء فحسب! كل ذلك واضح.
 
لكن مَن منَّا انتبه لعملية التغيير الثقافي الذي تسعى إليه السّلطة؟
ليس عبر توطِّين المجنسين -فلهم مجتمعاتهم الخاصة وإن اختلط بهم أبناؤنا في المدارس، ولهم مواقع خدماتهم الخاصّة، وبالتأكيد لهم مواقع اجتماعية خاصّة، على الأقل حتى حين- لكن من خلال إبعاد الإنسان البحريني وتعمِيته عن كل ما يؤكَّد امتداده على هذه الأرض. اليوم هناك معركة طاحنة لإثبات تاريخ مسجد الخميس، الذي أُدعي أنه يعود للعصر الأموي، بينما يُثبِّت تاريخه، أنه كان يسمَّى «المشهد الشريف ذي المنارتين»، حيث كان منارة علّمية لها ثقلها في يوم من الأيام، إذ ذُكِر في كتاب أنوار البدرين أنَّ هذا المسجد تشرَّف باستضافة قرابة 300 عالم دين شيعي وصل لمرحلة الاجتهاد ، ويُعيده المؤرخون لزمن القرامطة!
 
بذات السياق فإن وثِّيقة تم نشرها منذ أيام عبر جريدة الوسط* تحدثت عن تغيير بلدية المنامة عام 1950م وتسمية عدد من الشوارع، كشارع مني الذي أُستبدل بشارع البديع، وتتذكَّرون جميعًا منذ سنوات، كيف رفض أهالي كرزكان تسمية جزء من قريتهم باسم (اللوزي)، أما قرية كرباباد فاسم (ضاحية السيف) يتصارع مع اسمها مُحاولًا أن يثَّبت أركانه ليقضي على اسم القرية المعروف.
 
السؤال: هل من الممكن أن تكون عملية تغيير معالِّم الأرض، وأسماء قراها وشوارعها، وردِّم عيونها ودفن بحرها وإنهاء الزراعة فيها، وتقلّص مساحات صيد السَّمك في مياهها، وهدم مساجدها التاريخية، إلا محاولة مستمرَّة منذ زمن ليس بقريب لفرض واقع ثقافي وتاريخي واجتماعي معيَّن يفرض على هذه الأرض وشعبها القبول بمَن تاريخه الهجرة والغزو وقطّع الطّرق ونصّب الخّيام ورقّص العرضّات والتّباهي بالسُّيوف والأنساب؟!
 
يُقال (أن الدولة حتى تفرض نفسها، وتجد الحلول اللازمة واقفة في وجه كل التحولات التي يريدها أغلبية المحكومين، ليس عليها استعمال القوة والقسر كحل دائم ووحيد بل لا بد لها من تحقيق هيمنة فكرية تؤهلها للحصول على اقتناع شرائح واسعة من المجتمع وتأييدها)** ..
 
حين يقتنع شعب البحرين أنَّ أرضهم فُتحت على يد فاتِّح مُحِّب وإن كانت يداه تقّطر بدماء أجّدادهم، وأنّها -أي أرضهم- مُمتنَّة له حيث حملها لأحضان الإسلام، وإنّ كان التاريخ يشهد بقدم إسّلامها!! 
حين يقتنع شعب البحرين أنَّه تولَّد من بطون فرس وأجانب، فلا بد أن يُخفض رأسه دومًا أمام فاتحي البلاد، الذين هم أصلها وفرعها ومُلاَّكها!!
 
إنَّ الخطورة التي عشناها ونعيشها، لا تتمثَّل بشعب مسّتوطن لا زال يحتفظ بعاداته وتقاليده، رغم الحياة الاقتصادية اليسيرة التي توفرها له سلطة البلاد، لكن الخطورة تكمن، فيمن قفز من أحضَّان الأصّالة لبهرج التطوّر، دون أن يحتفّظ بمعالم حضارته، فلا عاد أهالي قرية عالي أهل الفخَّار وما عاد أبناء بني جمرة، يعرفون خيوط النسيج فضلًا عن عملية النسّج (يُمارس الحرف التاريخية لأبناء البحرين غالبًا آسيويون تعلموها على أيدي أبناء البلد)، هم جنَّسوا الأعراب ونحن سلَّمنا تاريخنا للأجانب.
 
لا أدعو لأن نترك المدنّية التي وُلدنا نحن أبناء هذا الجيل ونحن في أحضانها، ولا أدعو لأن نترك بيوت الإسمنت لنعود لبيوت السَّعف والطِّين، لكن لا بد لنا من وقفة جادّة نتمسّك خلالها بماضينا، مصرّين على الاستفادة من كل ما يمكن الاستفادة منه، لبناء حاضر يختلف عن هذا الحاضر، ليكون دعامة أساسية لمستقبل نطمّح أن نكون فيه أسياد أنفسنا، ولن يكون ذلك إلا بالمعرفة التامة الكاملة، ما الضير في أن يتوارث الأبناء حِرَف الآباء، بدلًا من الانتظار في صفّ البطالة الطويل الذي لا زال يتعاظم مثلًا؟

إنّ عملية التغيير الثقافي التي تؤدي حتمًا للتغير الاجتماعي، أو العكس وهو الحاصل في البحرين، لا يمكن أن يكون عملية عشّوائية، إنها عملية مدّروسة ومقّصودة ومركّزة ومستمرة، وخطورتها تكمن في أننا لم نستشعرها، أو استشعرناها لكننا عاجزين عن وقفها أو تحويل اتجاهها.
 
 
13 سبتمبر 2014 
-------------------------------
* http://www.alwasatnews.com/mobile/news-919612.html
** من دراسة بعنوان (التغـير الاجتمـاعي في الـوطن العـربي) لفاطمي فريد فؤاد يمكن الاطلاع عليها عبر :
http://diae.net/7934

No comments:

Post a Comment