Friday, September 5, 2014

لا تكنْ أحمقًا // محمود سهلان




من الحماقة أنْ أتحدثَ في كلِّ موضوعٍ يُطرح، وأنْ أناقشَ كلَّ شيء، مع أنني غير ملمٍ بالموضوع وبمتعلقاته ولو بدرجةٍ مّا، والأكثرُ حماقة أنْ أصرَّ على رأيي وأنا لا أملكُ عليه دليلًا، ولا أملكُ أيّ منهجٍ أو مقدماتٍ توصلني للدليل.
 
المسألةُ ليستْ مسألةَ مغالبة، وليستْ مسألةَ تحدٍ، ولا مسألةَ نشرِ فكرٍ أحمله، وفقط، بلْ هيَ بحثٌ عن الحقيقة، وبحثٌ عن المعرفة، فلا ينبغي أنْ ندخلَ أيّ نقاشٍ أو حوارٍ بهدفِ الغلبة، واقصاءِ الرأي الآخر، فهذهِ للأسف حماقةٌ.
 
قالَ أميرُ المؤمنين (ع): لِسَانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِهِ، وَقَلْبُ الْأَحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِهِ. [نهج البلاغة: الحكمة ٤٠].
 
ووردَ عنهُ أيضًا قوله (ع): قَلْبُ الْأَحْمَقِ فِي فِيهِ وَلِسَانُ الْعَاقِلِ فِي قَلْبِهِ. [نهج البلاغة: الحكمة ٤١].
 
ولا فرقَ بينهما في مطلوبنا..
 
والقلبُ على ما يبدو هو العقل، وهو ما يتفكرُ ويتدبرُ العاقلُ أمورهُ به، فلا ينطقُ إلا عن تفكيرٍ وتدبرٍ وتأمل، فعبَّرَ الإمامُ علي (ع) عن ذلك بأنَّ لسانَ العاقلِ وراءَ قلبه، أمّا الأحمقُ فقلبهُ وراءَ لسانه، أيْ أنَّ لسانَهُ هو القائد لا عقله، فينطقُ بما يخطرُ لهُ دونَ تفكيرٍ وتدبرٍ لعاقبةِ كلامه، فيتعدى على هذا، ويتجرأُ على ذاك، ويخالفُ رأيًا، ويوافقُ آخر، ويستدلُ على أمر، ويبرهنُ على غيره، وكلُّ ذلكَ دونَ علمٍ ودراية، بل بجهلٍ وتخلفٍ مقيتين.
 
أيُّهَا الأخوةُ الأعزاءُ والأخواتُ العزيزات، إيَّاكمْ أنْ تتجهوا نحوَ هذهِ الجهة، فإنكمْ تضرونَ أنفسكمْ والآخرين، بلْ والمجتمع ككل، فتهدمونَ المجتمعَ عن طريقِ هذهِ الحماقات، إذا اقترفتُمْ ذلك، وانتهجتمْ هذا النهج، وأنتمْ إنْ شاءَ اللهُ أرقى وأوعى منْ ذلك.
 
معرفةُ الإنسانِ ببعضِ العلوم، لا يعني أنَّهُ عالمٌ يستطيعُ الخوضَ في كل أمر، فهوَ محتاجٌ لأنْ يزدادَ علمًا وفهمًا دائمًا، وما دامَ هذا حاله فلا بدَّ أنْ يقفَ عندَ حدودٍ مّا، ولا بدَّ أيضًا أنْ يستزيدَ علمًا، ليكونَ حينها أهلًا لطرحِ ما عندَهُ منْ علم، وأهلًا لمناقشةِ ومحاورةِ الآخرين، أمَّا منْ لا يملكُ العلم، ولا يملكُ أدواته، فليسكتْ ويتوقف، ويكفي المؤمنينَ شرَّه، فإنَّ ما فينا يكفينا.
 
٧ ذو القعدة ١٤٣٥ هـ

No comments:

Post a Comment