Friday, September 5, 2014

سلسلة مقالات (5): العمل التطوعي والتطوير المستمر - تقييم وتقويم مستوى الأداء // ز.كاظم

 
 
 
في المقالات السابقة طرحت عدة جوانب تخص عملية التطوير المستمر في العمل التطوّعي وهي التوثيق، وجذب الطاقات والكفاءات والمحافظة عليهم، والتدريب. وفي هذا المقال سأتناول جانبًا آخرًا من التحديات التي تواجه العمل التطوّعي والتي تحتاج إلى عملية التطوير المستمر لتساهم في تقوية واستمرار العمل التطوّعي.

تقييم وتقويم مستوى الأداء..

في مقابلةِ التدقيق والمراقبة للجودة مع مديرة الموارد البشرية، كان المدقق يُلقي بالأسئلة المتتالية على المديرة.. تمحورت تلك الأسئلة حول أمرين: الأول، كيف يتم تحديد كفاءة المتقدم على وظيفة ما ذات اختصاص معين كمحاسب أو مهندس أو مدير؟ وكيف يتم تحديد المؤهلات المطلوبة للوظيفة وكيف تمت عملية تحديدها؟ وغيرها من الأسئلة المتعلقة بالتوظيف.. والثاني، كيف يتم تقييم وتقويم مستوى أداء الموظفين لمسؤولياتهم ووظائفهم؟

وفي هذا الموقف استغربت جدًا من عدم كفاءة مديرة الموارد البشرية في فهم الأسئلة الموجهة إليها ناهيك عن إجاباتها التي جاءت مترددة وغير واضحة كاشفة عن خلل وضعف كبيرين. التفت المدقق بعد انتهاء المقابلة مشيرًا إلى تركيزه دائمًا على قسم الموارد البشرية لما لهذا القسم من خطورة بالغة في توظيف الغير مؤهلين للقيام بالوظائف المطلوبة منهم مع عدم وجود برنامج تقييمي وتقويمي واضح المعالم يعالج مواطن التقصير والقصور في الموظف.

يُلاحظ هذا الخلل في الشركات والمؤسسات الرسمية، فهل لك أن تتصوّر ذلك في العمل التطوّعي؟ لعل من أكبر التحديات التي تواجه العمل التطوّعي هو تقييم مستوى أداء المتطوّعين خصوصًا أنهم لا يتلقون أي مقابل مادي على ما يقومون به من خدمات ومسؤوليات مما يعقّد من هذه المهمة، لكن مع ذلك فإنه من الضروري جدًا أن لا تُتخذ هذه الذريعة حجةً في عدم القيام بمسؤولية التقييم والتقويم.


قبل البدء سأشير إلى معنى لفظتي التقييم والتقويم الواردتين في هذا المقال، فمع أن التقويم عملية أشمل من التقييم إلا أن المقصود من التقييم هو: تقدير وتحديد مستوى الشيء -إعطاء الشيء قيمة معينة-، أما التقويم فهو التوجيه والتحديد لهذه القيمة. وكلا العمليتان تحتاجان إلى معلومات دقيقة موضوعية وعلمية عن المقيَّم برنامجًا كان أو فردًا أو فريقًا. وكمثال: يفتقد المتطوّع فلان إلى مهارة التعامل مع الآخرين نظرًا لكثرة الشكاوي وعددها عشر خلال شهر واحد من عمله، فهذا تقييم. أما التقويم فاستخدام التقييم السابق لتعديل سلوك فلان وتدريبه لرفع مستوى أداء التعامل مع الآخرين.

عملية التقييم والتقويم تكون منصبة على جانبين، الأول: تقييم وتقويم البرنامج التطوّعي بجميع جوانبه، أهدافًا وآلية وهيكلية وبرنامجًا .. إلخ، والثاني: تقييم وتقويم القائمين على العمل التطوّعي والمتطوّعين في مختلف المسؤوليات والمستويات.

يخضع البرنامج التقييمي والتقويمي الى ست خطوات:

1. وضع ووصف البرنامج التقييمي والتقويمي للعمل التطوعي.
2. وضع مؤشرات الأداء. 
3. جمع المعلومات.
4. تحليل النتائج.
5. مناقشة النتائج.
6. وضع برنامج للتطوير.

بعض الأمور المهمة حول استثمار آلية التقييم والتقويم في العمل التطوّعي:

الأول: من المهم جدًا وضع برامج تقييمية وتقويمية متعددة ومتنوعة لقياس وتحديد مستوى العمل التطوّعي بجميع تفريعاته. فالعمل التطوّعي يحتاج إلى برنامج تقييمي وتقويمي للأهداف، وآخر لتحديد وتقويم مستوى كفاءة وفائدة الأنشطة والفعاليات، وآخر لتقييم وتقويم مستوى أداء المتطوّعين وهلما جرا.  

الثاني: القيام بهذه البرامج التقييمية والتقويمية على فترات دورية بحسب الحاجة والضرورة، فتقييم مستوى أداء المتطوّعين قد يكون سنويًّا أو كل ستة أشهر، وتقييم الأنشطة والفعاليات بعدها بفترة بسيطة جدًا، وتقييم الأهداف كل خمس سنوات وهكذا.

الثالث: أهمية فهم البرنامج التقييمي وطرق الاستفادة منه في تقويم البرامج التطوّعية والمتطوّعين، إذ أن هذه البرامج مجرد وسائل لتقييم مستوى الأداء وتطويره، فهي ليست هدفًا بذاتها، وإنما وسيلة لتحقيق غايات وأهداف تطويرية في العمل التطوّعي. من الأخطاء الشائعة التي تصاحب هذه البرامج هي استخدام برامج غير ملائمة لتقييم عملٍ أو نشاط أو برنامج ما، أو أنها غير قادرة على تحديد مستوى الأداء.

الرابع: ضرورة إشراك نتائج البرامج التقييمية والتقويمية على القائمين على العمل والمشاركين فيه. يُرجى ملاحظة إبراز الهدف الحقيقي السامي من هذه البرامج التقييمية والتقويمية خصوصًا أنها تتعلق بالعمل التطوّعي، فليس الهدف هو وصف برنامج أو شخص ما بالفاشل أو ما شابه، بل الهدف هو تطوير مستوى الأداء.

الخامس: تكتسب المعلومات والتي تعدّ المادة لأي برنامج تقييمي وتقويمي قوتها في جمعها وموضوعيتها وطريقة الاستفادة من طرحها في تحديد المستوى، وتوجيه الأداء. أطرح مثال عن قيام المتطوّع بأداء مسؤولية ما كحضور الاجتماعات الدورية التي تقوم بها الجهة التطوّعية، وقد لوحظ تغيّبه عن تلك الاجتماعات بشكل ملحوظ. من الخطأ عند تقييم المتطوّع -السنوي- أن تقول: أنت كثير الغياب، وعليك أن تقوم باللازم لحضور الاجتماعات لأنه بسبب تغيبك الزائد عن اللزوم تأثر العمل سلبيًا. هذه الطريقة من التقييم غير موضوعية وربما تدفع بالمتطوّع أن يترك العمل التطوّعي.

فكيف يمكن توظيف المعلومة لتقييم وتقويم أداء المتطوّع؟

طبعًا تحتاج المعلومة أولًا لرصد وتوثيق، ثم استخدامها بطريقة إيجابية لتقويم الأداء، فمثلًا تقول: كان عدد الاجتماعات للسنة السابقة 52 اجتماعًا أسبوعيًا، وكان غيابك بعدد 26 اجتماعًا مما يشكل 50%. ونظرًا لأهمية وجودك في هذه الاجتماعات، فهل من الممكن أن نساعدك في كيفية إزالة العوائق لتأمين حضورك لهذه الاجتماعات؟

هذا مثال بسيط جدًا على توظيف المعلومة إيجابيًا في دفع المتطوّع لتقويم سلوكه الغيابي.

الاهتمام بالعمل التطوّعي وسُبل تطويره من الحاجات الضرورية في المجتمع الواعي الذي يعي أهميته على الفرد والأسرة والمجتمع لما له من إيجابيات في صقل مواهب وكفاءات الأفراد والجماعات والاستفادة منه في مجالات متعددة لخدمة الآخرين، كما أنه -في نظري- يفتح الباب أمام فكرة الاكتفاء الذاتي القائمة على تطوير القدرات والكفاءات اجتماعيًا ومهنيًا واقتصاديًا إزاء الأنظمة والقوانين التعسفية التي تقيّد حياة المواطن والمؤسسات الرسمية الخاضعة لها، كما أنه يفتح الطريق أمام تأسيس كيانات تأهيلية مستقلة تساهم في أداء أدوار متعددة لا تستطيع أن تؤديها المؤسسات الحكومية والرسمية. وكل ذلك مناط بأهمية تحديد الأهداف الاستراتيجية الكبرى من العمل التطوعي، ووضع اللبنات الصحيحة لتأسيسه على قاعدة التطوير المستمر الذي يمدّ هذه الأعمال بالحيوية والنشاط والاستمرار. 

إلى هنا أصل إلى خاتمة هذه السلسلة من التطوير المستمر في العمل التطوّعي والذي أرجو أن وُفقت لتسليط بعض الضوء على بعض جوانبه.


6 سبتمبر 2014

No comments:

Post a Comment