Wednesday, September 24, 2014

واحـــــــة الأمـــــــــان // أم حسين


لساعةِ الثالثة من كل يوم طعم خاص،  فهي تحمل لي أجمل اللحظات ..
 
في الثانية ظهرًا تنتهي فترة عملي، ألملم أغراضي لأرحل، وفي طريقي إلى المنزل يرتسم خياله أمامي واقفًا ينتظرني ترتسم على محياه بسمة تضيء العالم بصدقها وبراءتها.. وما أن تطأ قدماي الأرض حتى يسابق شوقه ليرتمي بين أحضاني، ويلمني بين ذراعيه، يحتويني بقوة يهزم معها كل شعور بالضيق، ويغمرني شعور بالأمان والاطمئنان لا أشعر بمثيله في أي مكان.
 
تشدني تلك اللحظات الرائعة مع ابني ذي الخمسة أعوام وأحاول ما استطعت أن أجعلها أطول، وأعلم انه من الطبيعي أن تشعر كل أم بمشاعر الحنان والحب حينما تحتضن أحد أبنائها ولكن ما يشدني هو ذلك الجزء الذي يتلاشى معه كل الخوف والانفعال ليسود داخلك الأمان.
 
مما لا شك فيه أن المشاعر تنقل من شخص إلى آخر، ولصفاء قلب طفلي وتوازنه النفسي أثر كبير على تلك اللحظات، فما يحدث ببساطة أن طفلي يسمح لي بأخذ قسط من الراحة في واحة نفسه الآمنة.. ولذلك فكلما شعرت بالضيق والتعب لجأت له ليعانقني للحظات ويغمرني بالأمان.
 
الأمن النفسي، السلام الداخلي غاية يطلبها الإنسان بفطرته، بل أنه يعيش ويجاهد نفسه للوصول إلى تلك المرحلة من الشعور، وتحقيق ذلك يحتاج إلى جهد وجهاد،  كما وأن الأمن الخارجي المتمثل بأمن المجتمعات لا يتحقق إلا عندما يتحقق الأمن النفسي الداخلي للأفراد.
  
فها هي الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر بلاد العالم تحضرًا، تشير إحصائياتها إلى انتشار حالة القلق حيث يؤكد علماء النفس أن معظم حالات الأمراض النفسية سببها الرئيسي هو القلق وعدم الشعور بالأمان عند الأفراد، ومن ذاك القلق وعدم الاتزان تكونت أرقام مخيفة من الجرائم، ففي أمريكا تحدث جريمة قتل كل 43 دقيقة واغتصاب كل 19 دقيقة وسرقة كل دقيقتين، أما السطو على المنازل فجريمة كل 20 ثانية وعلى السيارات كل 48 دقيقة، والمفزع اختطاف رجل كل 20 ثانية.

وتعلل الدراسات هذه الأرقام المخيفة بأن الحضارة الغربية اهتمت بالجانب العقلي للإنسان وهمّشت الجانب الروحي له، فاختل التوازن في النفس البشرية وأضحى التفكير على المستوى الفردي والجماعي الغربي شعاره (الغاية تبرر الوسيلة) مما جعل الإنسان هناك لا يتعدى كونه آلة تعمل لتدفع الدولة إلى الأمام.

ولكل ذلك اهتم الدين الإسلامي بالجانب الروحي للإنسان وذكر القرآن الكريم المعادلات الكثيرة في كيفية تحقيق الأمن النفسي الداخلي فقال جل وعلا:
 
1- (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين). الزمر 22.
 
2-  (الذين امنوا و تطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). الرعد 28

3-  (الذين امنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن). الأنعام 82

4-  (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون). البقرة 38.
 
الأمن والأمان والطمأنينة والسكينة لا يعدو الإيمان الصادق ولا يفارقه، فالقلوب تطمئن بذكر الله، فقربها لله سبحانه وتعالى هو عينه بعدها عن كل ما يربطها بهذه الحياة ليملأ نزعاتها الشهوانية والتي هي السبب الرئيسي في اختلال توازنها وقلقها.

يقول وليام جيمس وهو أحد علماء النفس والفلاسفة الأمريكيين ورائد في العلم النفسي التربوي: (إن أعظم علاج للقلق ولا شك هو الإيمان).

وقال أيضًا: (الإيمان من القوى التي لا بد من توافرها لمعاونة المرء على العيش وفقده نذير بالعجز عن معاناة الحياة).

وقال أيضًا: (إن بيننا وبين الله رابطة لا تنفصم، فإذا نحن أخضعنا أنفسنا لإشرافه –تعالى– تحققت كل أمنياتنا وآمالنا).

وقال: (إن أمواج المحيط المصطحبة المتقلبة لا تعكر قط هدوء القاع العميق ولا تقلق أمنه، وكذلك المرء الذي عمق إيمانه بالله خليق بأن لا تعكر طمأنينة التقلبات السطحية المؤقتة فالرجل المتدين حقًا عصي على القلق).

وأثبتت دراسة للعالم النفسي الأمريكي هنري لينك (أن الأشخاص المتدينين والذين يترددون على دور العبادة يتمتعون بشخصية أقوى وأفضل ممن لا دين لهم أو لا يقومون بأية عبادة).
  
وأكدت نتائج دراسة روث آن فنك هذه الحقيقة فقد ذكر أن 70% من أفراد عينته أن العقيدة الدينية منحتهم راحة العقل، وذكر 61% أن العقيدة تجعلهم يشعرون بالأمن والأمان، وذكر أن 82%  يمكنهم دومًا الاتجاه إلى الله عندما يكونوا في ضيق، وذكر أن 85% تعينهم العقيدة على أن يكونوا أفرادًا أفضل، وذكر أن 78% إدراكهم بأن الله دائمًا معهم يشعرهم بالأمان. 

هذا ما يصرح به علماء الغرب، أما الإسلام فيرسم لنا خارطة الطريق إلى الأمن والأمان  بدءًا بتوازن النفس البشرية واتزانها كخطوة أولى وصولًا لأمن البشرية واستقرارها كخطوة نهائية.

وحين يكون الإنسان في رحاب الله يصل للاتزان الداخلي، وحينها حتمًا سيصل لبراءة الطفولة والابتسامة التي تضيء العالم من حوله.

27 سبتمبر 2014

No comments:

Post a Comment