Friday, September 12, 2014

سلسلة مقالات (1): الثورة الصناعية وتطوّر الإنسان // ز.كاظم



 
في هذه السلسلة الجديدة سأتناول مفصلًا تاريخيًا مهمًا في حياة البشرية عدّه بعض المؤرخين الاقتصاديين من أهم التطورات التي مر بها تاريخ الإنسان بعد الاكتشافات المفصلية في تاريخ الإنسان كـاكتشاف النار وترويض الحيوانات وتدجين النباتات، ألا وهو مفصل الثورة الصناعية. أهمية هذا الموضوع تنبثق من تأثير هذه الثورة الصناعية على جميع مفاصل حياتنا المعاصرة، فنتاجها ليس فقط أدوات وأجهزة ومظاهر، بل ثقافة وفلسفة ونظرة للحياة والوجود واجتماع واقتصاد تم التأسيس لها لتصنع حاضر الشعوب بل ومستقبلهم أيضًا.
 
 

موقفان حدثا في هذا الأسبوع عزّزا لدي أهمية البدء في طرح هذا الموضوع:

الموقف الأول: في بداية هذا الأسبوع، قَدِم على مصنعنا ستة أفراد من شركة خليجية صناعية كبرى للتدقيق -audit- في مستوى الجودة والهدف من ذلك هو جعل مصنعنا أحد المصانع المنتجة لهذه الشركة. تكوّن الطاقم من أربعة شبان خليجيين ومصري وماليزي. كانت إحدى اللفتات المُستغربة لدى الطاقم هي رؤيتهم لأمريكان يعملون أعمالًا


شاقة وتحت ظروف صعبة لم يألفوها في هذه الدولة الخليجية إذ أن العمّال في هذه الدولة غالبيتهم من القارة الهندية. إضافة إلى هذه اللفتة هو كون جزء -ليس بالقليل- من هؤلاء العمّال الأمريكان في الخمسينات والستينات من أعمارهم.


الموقف الثاني: في يوم الجمعة أذهب عادة لتناول وجبة الغداء مع مجموعة من الزملاء الأمريكان، وفي يوم الجمعة (الأمس) كنّا ثلاثة أشخاص، أحدهم في الستين من العمر
وهو مسؤول في قسم الجودة والآخر مهندس في بداية السبعين من عمره. سألتهما عن متى ينويان التقاعد وماذا سيفعلان في تقاعدهما؟
 
كان جواب السبعيني أنه لا يفكر في التقاعد، وكان جوابه وماذا يفعل بالتقاعد! وأما الستيني فكان ينوي التقاعد في السادسة والستين من عمره ليبدأ بعدها بالعمل مستقلًا كمدقق للجودة.
 
أثارا هذان الموقفان الكثير من الأسئلة في ذهني، فبينما الموقف الأول قد أبهر الشبان الخليجيين من هذا الانضباط في العمل وعدم الحرج من أن يقوم مواطن أمريكي مسنّ على العمل ولو كان عملًا بسيطًا لكنه شاقٌ في مكانٍ لا يتوفر فيه أسباب الراحة من مكيّف ومكتب وغيرهما، وكذلك الموقف الثاني من الاستمرار في الحياة العملية حتى لم يعد الأمريكي قادرٌ عن التخلي عنها، إلا أنهما أثارا لديّ بعض الاستفسارات: ولماذا كل ذلك العناء! هل هو حبٌ في العمل والكدح، أم لأسباب أخرى نجهلها!
 
لأعود وأصيغ سؤالي الأخير بصياغة أخرى: هل فعلًا ساهمت الثورة الصناعية في تطوّر الإنسان وراحته؟!
 
فلنبدأ بالحديث عن الثورة الصناعية في هذه السلسلة، علّنا نصل بعدها للجواب على هذا الاستفسارات..
 
مقدمة:
المقصود بالثورة الصناعية هو تحوّل الصناعة وانتشارها من العمل اليدوي إلى استخدام الماكينات والآلات وقد كانت الفترة الزمنية لهذه المرحلة من عام 1760 إلى 1840

ميلادية شهدت فيها أوربا نهضة علمية شاملة في مختلف الميادين كانت السبب في اكتشافات واختراعات مهمة. ظهرت الثورة الصناعية في إنجلترا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وانتقلت بعد ذلك إلى دول غرب أوربا ومن ثم إلى جميع أنحاء العالم، وقد كان إنجلترا الدولة الأولى التي ظهرت فيها الثورة لعدة أسباب منها أنها كانت قوية اقتصاديًا وأنها تتوفر على موقع جغرافي هام كما أنها كانت منعزلة عن المشاكل داخلها (ويكيبيديا).
 
ارتبطت بداية الثورة الصناعية بمجموعة من الابتكارات الهامة وهي: صناعة الغزل والنسيج، الطاقة البخارية، وصهر الحديد. تكمن أهمية هذه الابتكارات في كون أن هناك حاجة ماسة لمنتجات تلك الابتكارات على نطاق واسع يفي بحاجات الإنسان.
 
صناعة الغزل والنسيج:
  • ميكانيكية غزل القطن عن طريق الطاقة البخارية أو المائية رفع من ناتج العامل اليدوي بنسبة 1 إلى 1000.
  • استخدام آلة النسيج رفع من إنتاجية العامل مقدار 40 ضعفًا.
  • استخدام آلة القطن لتصفيته من بذوره رفع من الإنتاجية بمقدار 50 ضعفًا.
  • كذلك زادت معدل الإنتاجية للصوف والكتان وليس ليس بمستوى القطن.

عند ملاحظة هذا الابتكار البسيط فإن هناك عدة أمور يجب الالتفات لها بجانب الزيادة المذهلة في الإنتاج والتصنيع بمعدلات مرتفعة، وهذه الجوانب هي:
 
1. تزويد الناس بما يحتاجونه من ملابس بسرعة كبيرة عن العمل اليدوي وبأسعار مقبولة أوجد حاجة لديهم في اقتناء الملابس وشرائها وتغييرها وتجديدها،
 
2. ارتفاع الطلب لهذه المنتجات جعلت من هذه الصناعة مصدرًا للاستهلاك وعليه فإن المستثمرين من أصحاب الأموال جدّوا في بناء المصانع،
3. وبوجود المصانع أدى ذلك لتوظيف أيدي عاملة فيها لكي تشغل هذه الصناعة،
 
4. كل ذلك أدى إلى خلق نمط اقتصادي واجتماعي جديد على ضوء هذا الاختراع الجديد.

سأتطرق في السلسلة القادمة للصناعات الأخرى الأولى التي بدأت في عصر الثورة الصناعة، وبعدها أعرج على التغييرات التي حدث في المجتمعات والدول نتيجة لهذه الثورة، فإلى اللقاء معكم في الحلقة القادمة.
 
 
13 سبتمبر 2014

No comments:

Post a Comment