Friday, September 19, 2014

أصالة اللهجة البحرانية // إيمان الحبيشي



في الأسبوع الماضي، تحدثت في مقالي* عن ممارسات السلطة في البحرين، والتي وجدتها ذات هدف واضح وجلي، يتلخص في انتزاع هويتنا منا، بشكل تدريجي وبطيء أحيانًا، وبشكل تراكمي لاشعوري أحيانًا أخرى، وقد ذكرت أن الأنظمة القمعية، وفي سبيل التأكّد من تسلُّطها على كل مفاصل الحياة في البلد الذي تحكمه، فهي إضافة لاستخدام العنف والوحشية في التعامل مع المعارضين لسياساتها، تعمل على فرض هيّمنة فكّرية تُسهِّل عملها وتقتل الحركة في المجتمع الذي تتسلَّط عليه.
 
ليس ذلك غريبًا في البحرين، ولا غريب أيضا أن نجده في مختلف الأنظمة الاستبدادية وكذلك المحتلة، فهو أمر واضح جدًا في القضية الفلسطينية مثلًا، وكيف تحاول إسرائيل تغيير الهوية الفلسطينية وتهويد القدس العربية الإسلامية.
 
لكن في البحرين أجد أن هناك واقع غريب جدًا، وقد أُعذَر حين أشعر بالاستياء تجاهه، ولربما تشعرون بذلك مثلي أو أكثر، فأن تقوم السلطة بمحاربة هويتنا أمر أدركناه، وصرنا نعرف أسبابه، ولا تُخفى علينا أهدافه، لكن لماذا يقوم البعض منا بمحاربة هويته نيابة عن السلطة؟!
 
يتميز البحارنة في البحرين بلهجة خاصة بهم، وقد تختلف إلى حد ما بين قرية وأخرى، وهو أمر واضح جدًا يكشف عن مسقط رأس كل واحد منّا، حتى بدون أن نعرف اسمه أو نرى شكله، إذ تكفينا لذلك صوت حروفه.
 
الكشكشة، أبرز ما يميز اللهجة البحرانية عامة وهي ما يعرف بـ(كشكشة بني ربيعة) كالقول (شحوالش/بيتش/أبوش/عندش/رحت لش……) ومثالها من التراث الأدبي بيت مجنون ليلى : فعيناشِ عيناها وجيدشِ جيدها / ولكن عظم الساق منشِ دقيقُ.. والمعنى هو: فعيناكِ عيناها وجيدكِ جيدها / ولكن عظم الساقِ منكِ دقيق.
 
تعد الكشكشة أحد فروع اللغة العربية الأم كـ(عنعنة بني تميم) و(شنشنة بعض أهل اليمن) وهي تعد لهجة أهل البحرين التي تدل على أن سكان البحرين الأصليين هم عرب أقحاح من قبيلة عبد القيس وأسَد وربيعة**.
 
إذًا فلهجتنا أحد أهم سمات هويتنا، وحين نتحدث بها فنحن نتفتق أصالة، وتكاد تفوح من أفواهنا عبقات من التاريخ الذي ننتمي إليه. لست ممن يدعون للفخر بأنسابهم وأصلهم، فذلك ليس من الخُلق في شيء، لكني بالتأكيد أرفض أي تصرف يوحي بخجل أحدنا من أصله، كيف وهو أصلٌ يزيدنا ثقة بأصالتنا وانتمائنا وتاريخنا!
 
إن الجيل الجديد من أبنائنا وليسوا الوحيدين فمنهم من الأجيال السابقة أيضًا، من أجبر لسانه على التحدث بغير لهجته، لا لشيء إلا مجاراة لآخرين من الواضح أنهم لا يدركون معنى أن نتحدث بلهجتنا.
 
في الكثير من المسلسلات التي بثها التلفزيون الرسمي سابقًا كـ(سعدون) لم تكن اللهجة البحرانية فيه إلا مثارًا للتندر ولإضفاء شيء من الكوميديا على مسلسل يدعي أنه يحاكي فترة زمنية سابقة، ولا أدري إن كانت محاولات السلطة الحثيثة لتهميشنا وعزلنا قد أتت أُكلها مع بعضنا ممن صار يخجل أن يتحدث بلهجته معتقدًا أن التخلي عنها وتغييرها يعد نوعًا من أنواع التطوّر الحضاري ورقيّه!!
هل يعقل أن السلطة تمكنت بطريقة أو بأخرى من إشعار بعضنا بدونية هويته وانتمائه فصار يهرب من ذلك بشتى السبل؟!
 
صدقًا يُثيرني استبدال شيننا (ش) بچيمهم (چ) وأتساءل كثيرًا إن كان ممارسو ذلك الاستبدال مدركين لأسبابه؟ دوافعه؟ وهل يفكر أحدهم بأنه قد يكون غير أمين في نقل موروث ثقافي راق للأجيال القادمة؟ هل ندرك أن استبدالنا عن جهل أو خجل أو مجاراة للهجتنا يعني أن تضيع من أطفالنا ملامحنا؟
 
تعتبر اللغة وكذلك اللهجة (الوعاء الناقل للثقافة) لذلك نجد أن علم الأنثربولوجيا والذي يهتم بدراسة الإنسان ضمن حضارته ومراحل تطوره يفرد اهتمامًا خاصًا بدراسة اللهجات المحلية ذلك أنها تعتبر بوابة من بوابات معرفة الشعوب.
 
أقول لأجيال الأمس واليوم لنكن أمناء على التاريخ والهوية في إجراء معاكس لمحاولة عدو تاريخي يتربص بنا ليطمس هويتنا، نحن أصحاب هذه الأرض ولهجتنا الأصيلة هي لهجة هذه الارض، فلِمَ نتنازل عنها مقابل دخيل يحاول أن يثبت أن الأصل هو لا نحن، متمكنًا بذلك من فرض هيمنته الفكرية لا عقليًا فحسب بل نفسيًا أيضًا!!
 
هل تعلمون أن عملية قلب حروف ( ث، ذ، ظ) إلى ( ف، د، ض) هي عملية تاريخية في اللهجة البحرانية؟ وهي نتجت عن تأثر المجتمع البحراني بأصحاب اللغة السريانية والآرامية، والتي تخلو لغتها من تلك الأصوات الأسنانية؟! اليوم يقال إن عملية القلب هذه تكاد تنقرض، ولا اكترث لانقراضها أبدًا لسببين: أولهما أن عملية القلب تلك ليست من أصل لهجتنا بل دخيلة عليها، وثانيهما أن العودة لأصل حروف اللغة العربية قطعًا لا يعد تخليًا عن تاريخنا وأصالتنا وهما ذات السببين الذين يجعلانني أصر على التمسك بلهجتنا ذلك أنها من أصل لغتنا الأم وأصل لهجتنا وهويتنا كذلك.
 
___________________________________________________
* مقالي السابق بعنوان (اجتثاث هوية) : http://ertiqabh.blogspot.com/2014/09/blog-post_30.html?m=1
 
** للاطلاع على ظاهرة الكشكشة وغيرها بشكل أكثر توسعًا يمكنكم زيارة الوصلة التالية:
http://www.jasblog.com/wp/?p=3849

No comments:

Post a Comment